أيها الأزواج والزوجات احذروا السحرة والساحرات

د. محمد رشيد العويد

عرفتهما قبل زمن . كانا زوجين سعيدين ، متفاهمين ، متوادين ، متراحمين .

فجأة ، ودون أسباب ظاهرة ، وقع بينهما نزاع شديد ، تبعته شجارات عنيفة ، لم يكن يهدأ واحد منها حتى يثور آخر ، وهكذا غابت السعادة عن حياتهما ، وتلاشت مودتهما ، وضعفت الرحمة بينهما ، حتى صار الطلاق أقرب إليهما .

تدخل أهل كل منهما في محاولات تكررت للإصلاح بينهما ، وإرجاع المودة إلى قلبيهما ، والاستقرار إلى حياتهما .

لكن تأثير هذه المحاولات لم يكن يدوم طويلاً ، إذ سرعان ما كانا يرجعان إلى النزاع ، وتبادل الكلام القاسي ، واتهام كل منهما الآخر بتهم ما كان يسمعها منه من قبل .

نصحهما أحد الشيوخ بقراءة سورة البقرة ، وذكر لهما حديثه صلى الله عليه وسلم ( اقرؤوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة ) صحيح مسلم .

سأله الزوج : ما المراد بـ ( أخذها بركة ) ؟

قال الشيخ : الأخذ بالشيء يعني الاهتمام والجد والقرب والصحبة ، ومن هذا فإن حفظها أخذّ بها ، وإكثار تلاوتها أخذ بها ، والإنصات إلى من يتلوها أخذ بها ، وقراءة تفسيرها أخذ بها ، والعمل بما فيها من أوامر ، والانتهاء عما فيها من نواهٍ أخذ بها .

سألت الزوجة : ولماذا سورة البقرة دون سواها ؟

أجاب الشيخ : ليس من الضروري أن نعرف الحكمة في كل ما أمرنا به الله ورسوله ، ويكفي أنه أمر منه سبحانه أو من نبيه صلى الله عليه وسلم ، ورغم ذلك فإني أذكر لكما أن سورة البقرة هي أطول سورة في القرآن الكريم ، ومن ثم فإن عدد الحسنات في قراءتها أكثر من أي سورة أخرى ، وفيها آية الكرسي التي ورد في فضلها عدة أحاديث صحيحة ، وكذلك آخر آيتين فيها ( من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ) متفق عليه . وأيضاً ما جاء في فضلها مع سورة آل عمران في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه ( اقرؤوا الزهراوين : البقرة وسورة آل عمران ؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان ، أو كأنهما غيايتان ، أو كأنهما فرقان من طير صواف ، تحاجان عن أصحابهما ) صحيح مسلم .

سأل الزوج : ولماذا قال صلى الله عليه وسلم ( تركها حسرة ) ؟

قال الشيخ : الترك ضد الأخذ ، فلما قال صلى الله عليه وسلم ( إن أخذها بركة ) كان ( تركها حسرة ) أي ندامة ، وهذا الندم يصيب كل من ترك ما كان فيه خير عظيم له ، والخير العظيم هو ما ذكرت لكم بعضه قبل قليل .

قالت الزوجة : بقي قوله صلى الله عليه وسلم ( ولا تستطيعها البطلة ) فمن هي البطلة ؟ ولماذا لا تستطيعها ؟

قال الشيخ : البطلة هم السحرة ، سمّاهم باسم فعلهم الباطل ، أي لا يؤهلون لذلك ، ولا يقدرون على التصدي لها وما تفعله بهم ، وبسحرهم ، كما قال تعالى في السورة نفسها ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) البقرة 102 .

إذن فإن السحرة غير قادرين على قراءتها ، لزيغهم عن الحق ، وانهماكهم في الباطل ، وهم غير قادرين على الإضرار بمن تحصن بهذه السورة العظيمة .

قال الزوج : سمعت الشيخ في خطبة الجمعة يذكر حديثاً يؤكد ما تفضلتم بها فضيلتكم ومعناه أن البيت مثل القبر إذا لم تقرأ فيه سورة البقرة .

قال الشيخ : أحسنت ، والحديث الذي أشرت إليه جاء أيضاً في صحيح مسلم وفيه يقول صلى الله عليه وسلم ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة ) صحيح مسلم .

شكر الزوجان الشيخ على بيانه ، ووعداه بتلاوة سورة البقرة يومياً ، والبدء بحفظها .

شكرهما الشيخ بدروه على حسن حوارهما ، واستجابتهما لوصيته بالحرص على تلاوتها يومياً والبدء بحفظها .

بدأ الزوجان في تلاوة سورة البقرة يومياً ، وتعاهدا على أن يحفظا معاً صفحة من السورة كل يوم .

في اليوم السابع من ذلك ، قامت الهرة التي تعيش معهما في البيت ، بتلويث إحدى الوسائد الموجود بجانب مساند مقاعد غرفة الضيوف ، بسبب نسيان الزوجة تذكير زوجها بإحضار تراب جديد بدل التراب الذي كانت قد وضعته في كيس مع كيس القمامة .

قامت الزوجة بفتح سحاب الغطاء لتخرج منها الوسادة قبل أن تقوم بغسل الغطاء ، ففوجئت بكيس نايلون صغير لم تره من قبل ، ففتحته لتجد فيه شعراً وورقاً عليه طلاسم ، صرخت منادية زوجها ، أسرع زوجها وقد حسب أنها جرحت نفسها أو وقعت فوجدها ترفع بيدها ما وجدتـه ، فصرخ : ما هذا ؟ قالت : وجدته مدسوساً داخل الوسادة . قال : لا أحسبه إلا سحراً دسه أحد زوارنا في غفلة منا . أخذه الزوج ودفنه خارج البيت في التراب .

ومن يومها ، هدأت الخلافات بين الزوجين ، وعادت المودة إلى قلبيهما ، وساد السلام بيتهما ، ورجعت السعادة إليهما .

فيا أيها الأزواج والزوجات ، احذروا السحرة والساحرات ، والحاسدين والحاسدات ، وارقوا أنفسكم بآية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذات .

وسوم: العدد 684