ما نتعلمه من جمهور نادي سلتك الأسكتلندي
من محاسن الصفات في المواطن الأوروبي على المستوى الشخصي البحت أنه إذا اقتنع بفكرة أو بموقف أيدهما بإخلاص وتحمل تبعات تأييده . وهذه الصفة وليدة تربية ثقافية تحترم القناعات الفردية ، وتنبذ التحرج من الخروج على القناعة العامة خاصة إذا كانت مجانبة للحقائق الموضوعية الصرفة . من أقوى الصور وأجملها لهذه المحاسن ما جسده مؤخرا جمهور نادي سلتك الأسكتلندي لكرة القدم حين رفع آلاف الأعلام الفلسطينية في المباراة التي جمعت فريق ناديهم مع فريق نادي هبوعيل بئر السبع الإسرائيلي _ وكم توجع النفس نسبة الفريق إلى بئر السبع الفلسطينية الحبيبة _ في مباراة الذهاب التي انتهت بهزيمة هبوعيل 2 _ 5 في دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا . ومع رفع الأعلام الفلسطينية غنت الأسكتلنديات لفلسطين . ولم يبالِ جمهور سلتك بالغرامة المالية التي فرضها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (الويفا ) على ناديهم لرفعهم الأعلام الفلسطينية ، وقدرها 34 ألف يورو ، ونشروا وسم " ادفع الغرامة من أجل فلسطين " ، وجمعوا تبرعات تجاوزت مبلغ الغرامة كثيرا ، ولا زالت حملتهم متصلة حتى كتابة هذا المقال مساء الخامس والعشرين من الشهر الحالي . وسيوجه ما زاد عن الغرامة إلى هيئات خيرية ترعى الفلسطينيين طبيا واجتماعيا . وهذه ليست أول غرامة على نادي سلتك لسلوك مشجعيه الداعم لفلسطين . غرم في ديسمبر / كانون الأول 2009 لرفع علم فلسطين في مباراته مع هبوعيل تل أبيب احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على غزة . هناك من يفسر تأييد جمهور سلتك لفلسطين بكثرة الفلسطينيين في أسكتلندا ، وأن هذه الكثرة أطلعت الشعب الأسكتلندي على حقيقة الجريمة التي صنعتها بريطانيا بوعد بلفور . وهذا لاشك عامل مؤثر ، وتضاف إليه عوامل أخرى ، ومنها العامل التاريخي الذي خبرته أسكتلندا حين قاست ويلات الاحتلال الإنجليزي الذي قاومه بطلها القومي وليم والاس الذي صلبه الإنجليز وبقروا بطنه وانتزعوا أحشاءه انتقاما من مقاومته الباسلة لهم التي صور مراحلها الفيلم الأميركي " القلب الشجاع " الذي ظهر في 1995 ، وقام ببطولته ميل جيبسون ، وكانت آخر صرخة لوليم قبل صلبه هي " الحرية " لشعبه ووطنه . وهذه الخلفية التاريخية " إن المصائب يجمعن المصابينا " وراء التعاطف الكبير الصادق الذي يظهره جورج جالواي مع الشعب الفلسطيني ، والذي دفعه لقيادة عدة قوافل إغاثة عالمية لغزة ، ويؤثر عنه قوله لمن يلقاه من الفلسطينيين :" فلسطين هنا " ، ويشير إلى قلبه . ويتسع تعاطفه فيتأسف دائما على هوان العرب وحقارة حالهم مع أنهم يملكون أوفر مقومات القوة والعزة ، وهو الذي بكى حزنا وحسرة حين سقطت بغداد في 9 أبريل / نيسان 2003 . ومن المؤثرات في موقف جمهور نادي سلتك المتعاطف مع الفلسطينيين ؛ الثورة الكبرى في الاتصالات ووفرة المعلومات التي صنعتها الشبكة العنكبوتية في العقدين الأخيرين حيث لا تغيب أحداث فلسطين عن عيون العالم ومسامعه . ما الدرس الذي نتعلمه _ ويؤسف كثيرا أننا ما زلنا في حاجة إلى دروس في قضية وطنية ذاتية بهذا الحجم الكبير والوضوح المبين _ من شجاعة وصدق جمهور نادي سلتك في مناصرتنا ؟!
أولا : أن نخجل من هذه الانقسامات والمنازعات على التوافه والسطحيات ، ونجعل تحرير ما يمكن تحريره من وطننا الشاغل الأوحد . مرعب ومخزٍ ما يجري الآن في حملة انتخابات البلديات . إنه يقدمها حربا مصيرية كبرى : أمر ب" طخ " من لا ينتخب قائمة " القيادة " ، وضرب ب " الكندرة " لمن لا ينتخب هذه القائمة ، وتطليق للزوجة العاصية لانتخابها ! انتقال من " ديمقرا طية السكر زيادة " المزعومة إلى " ديمقراطية الطخ والكندرة والطلاق " !
ثانيا : رفعَ جمهور سلتك علم فلسطين الرسمي ، ألا يكفي هذا نصيحة ليكف الفلسطينيون عن رفع غابة متنوعة الألوان من الأعلام الخاصة بفصائلهم في كبار المناسبات وصغارها ، وكثيرا ما يغيب فيها العلم الوطني ؟!
ثالثا : موقف نادي سلتك ينبه جهلة العرب ومنعدمي الحس القومي والإنساني منهم إلى عظم جرمهم إذ يتحمسون لتطبيع علاقتهم بإسرائيل ، ومن حججهم الضحلة أنهم " اكتشفوا " أن الإسرائيليين يحبون السلام ، كأن كل مآسي الشعب الفلسطيني من المشروع الصهيوني ، وما قاساه بعض العرب منه نبعت من جهلهم لحب الصهاينة للسلام .
رابعا : في موقف جمهور نادي سلتك المعادي للظالم والمناصر للمظلوم هزة نأمل أن تحرك العرب ليعوا حجم الخواء الواسع في إنسانيتهم الذي عرته السنوات الست السيئات والذي يناقض إلى حد القطيعة ما عرف عنهم في تاريخهم من إنسانية حتى قبل الإسلام ، وما رباهم عليه الإسلام من قيم الرحمة والتسامح والترفع عن إيذاء الضعيف ، وإذلال الخصم عند الانتصار عليه ، وما الحال إذا كان الخصم من نسيج لحمنا ، وهو الحادث في هذه الحروب العربية الأهلية والبينية المدمرة ؟! . ثقافتنا هي التي صاغت الحكمة العظيمة :" العفو عند المقدرة " .
خامسا : إذا بزنا سوانا في التعاطف مع قضيتنا الوطنية فعليها وعلينا السلام ، أي البوار والخسار . ومن وجهة أخرى : أين رد الجميل لنادي سلتك فلسطينيا ؟! القصور في رد الجميل له جزء من قصورنا المشهود في حق قضيتنا الوطنية ، فوق ما في فيه من نقص أخلاقي معيب . قرأنا خبرا واحدا حسنا في هذه الوجهة ، وهو النية في مخيم عايدة في بيت لحم لتكوين فريق كرة قدم باسم " عايدة سلتك " ، ويجب فعل ما هو أكثر في مواطن فلسطينية أخرى ؛ فما يقوم به جمهور سلتك كبير ، ويحسن أن يجارى بما يماثله ويزيد عليه .
وسوم: العدد 684