الجزائريون يفضلون لغة شكسبير على لغة فولتير
مهما تعددت الآراء في نتيجة الاستطلاع الذي بثته " سي إن إن " الناطقة بالعربية الجمعة الماضية حول تفضيل الجزائريين لتدريس الإنجليزية على الفرنسية كلغة ثانية ؛ فإنها تظل نتيجة مفاجئة : 96 % من المستطلعة آراؤهم فضلوا الإنجليزية لغة ثانية في التعليم بعد اللغة العربية ، والنسبة الباقية للفرنسية ، وضآلتها الساحقة تجعلها في منزلة المعدومة . حين اشتدت معارضة المستوطنين والجيش الفرنسي لاتجاه ديجول في ستينات القرن الماضي للإقرار باستقلال الجزائر ؛ طمأنهم بأنه " ترك فيها الفرنسية " . الاستطلاع أكد اختفاء التركة بأسرع مما توقعه أنصار الفرنسية وخصومها في الجزائر ، والسبب : تراجع الفرنسية ؛ فهي الآن اللغة التاسعة عالميا من حيث عدد المتكلمين بها الذين يقدرون ب 270 مليونا ، ويتوقع باحث عربي أن " تنقرض " بعد 70 عاما ! في المقابل يتكلم الإنجليزية 1600 مليون . ولا تختلف أسباب تفضيل الجزائريين للإنجليزية عن الأسباب التي تدفع أي مواطن في العالم لتفضيلها ، وهي كونها لغة العلم والعمل والتكنولوجيا والتجارة والسياسة والدبلوماسية والإعلام . ويبقى الآن بعد استطلاع " سي إن إن " أن ننتظر إن كانت الحكومة الجزائرية ستأخذ بنتيجة الاستطلاع وتحل الإنجليزية لغة ثانية في التعليم العام . لا يبدو الأمر ميسرا في وجود وزيرة التعليم الحالية نورية بن غبريت التي استقدمت في أبريل / نيسان الماضي خبراء فرنسيين لإصلاح التعليم في الجزائر ، ويصعب تصور أن ينصح هؤلاء بإزالة منزلة لغتهم لصالح الإنجليزية . لكن الواضح من كل الدلائل التي أكدها الاستطلاع بقوة أن الفرنسية ستخلي مكانها للإنجليزية في الجزائر ، ويعترف الطلاب الجزائريون بضعف استيعابهم لها ، وبالمقابل يتحدث من يدرسون الإنجليزية في معاهد ومدارس خاصة عن استيعابهم السريع لها . ويعزز من يفضلون الإنجليزية على الفرنسية حجتهم بأن الفرنسيين أنفسهم يتدافعون لتعلم الإنجليزية لقناعتهم بعالميتها وتفوقها الهائل على لغتهم . وأشعر بأن العنوان الذي اخترته للمقال بما فيه من إشارة للقيمة الأدبية للغتين ؛ قليل الدلالة على وظيفة اللغة الآن ؛ فرغم أهمية القيمة الأدبية للغة تتقدم الآن قيمتها العلمية والمهنية على قيمتها الأدبية ، وهذا يفسر جزئيا ما نراه من ضعف في مستوى إتقان اللغات على مستوى العالم . صارت وظيفتها العملية المباشرة أولى من وظيفتها الجمالية التي تتطلب إتقانها وتعمق أسرارها واتصافها بقدر من الخيالية والغموض اللذين لا يلائمان ما تتطلبه الوظيفة المباشرة المادية للغة من تحديد ووضوح تلعب فيهما الأرقام دورا كبيرا . نجد الآن في شركة عالمية واحدة جنسيات كثيرة يتفاهم أصحابها بإنجليزية مهشمة تقترب صوتيا من لغاتهم الوطنية ، فالمهم لهم أن يفهموا بعضهم بعضا بأي صيغة لغوية مهما ابتعدت عن سلامة اللغة وقيمها الجمالية .
وسوم: العدد 684