المستقلون موضة هذه الأيام !!
منذ عام 2007م بات الشعب الفلسطيني يتقلب في أحوال متناقضة مبهمة جراء الانقسام والصراع بين حركتي فتح وحماس، إلى أن اختمرت فكرة الدعوة الوطنية لإنشاء تجمع أو تجمعات للشخصيات الفلسطينية المستقلة، أو ما اصطلح على تسميته (المستقلون)، كأحد التعبيرات السياسية التي تدل على الأغلبية الصامتة في فلسطين، وتطلعهم للتغيير في ظل الحالة الفلسطينية المأزومة وقتامة الجو السياسي، وكان من الممكن أن تسفر تلك الدعوة عن عمل إيجابي وقوة ضاغطة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، أو على الأقل، إقالة المسيرة الوطنية من عثرتها؛ لكن يبدو أن هذا التجمع، أو تلك التجمعات التي شكلت، لم تستكمل كل مقومات النماء التي تتيح لها التقدم والبروز، لتشكل البديل عن القوتين الكبيرتين فتح وحماس، وليتم إحداث التوازن بينهما، رغم كل التعقيدات والتشابكات التي تحيط بالوضع الفلسطيني عامة.
وعلى مدار السنوات الماضية، بدأت الفكرة التي نادى بها هؤلاء المستقلون، وتتمثل في دعوتهم الهادفة إلى التعبير عن إرادة الناس بأسلوب يوافق عقليتهم، ويثير مشاعرهم، ويخفف من معاناتهم في ظل الظروف الصعبة وفظاعة المعيشة التي يعيشها المواطن الفلسطيني، ولكن، لم يتقن هؤلاء المستقلون فن إطراب الناس، فصارت تلك التجمعات تتلمس مواطن الإقدام في الشباب النابه، فتعمل على إعداد مَن تصطفيه منهم للدور الذي تتوسمه في خدمة طموحها إلى السلطة.. دائماً باسم المستقلين؛ وأصبحت هذه الدعوة موضة هذا العصر الأكثر سهولة، حيث وجدوا فيها سوقاً رائجة للوصول إلى السلطة، ويعرض هؤلاء أنفسهم وكأنهم رجال إنقاذ قادمين من المريخ أو من عطارد، وظل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: أين كان هؤلاء المستقلون ممن ألّفوا تجمع الشخصيات الفلسطينية المستقلة من قبل؟ إننا لا نرى لهم تأثيراً في الحركة الوطنية، وليس لديهم القدرة على حيوية التغيير، ولا نحس لهم دبيباً، ولم يصدروا عن بادرة توحي بأن لهم اتجاهاً وطنياً معيناً، وكان موقفهم بين الفصائل الفلسطينية، أو من السلطة الوطنية، موقف مَن ينشد الكفة الراجحة، ليدوروا في فلكها، فلم يكن العمل الوطني في نظر الأكثرين منهم واجباً ومسؤولية، بل كانت بحثاً عن دور أو منصب أو مظهر للجاه والنفوذ بين الأهل والعشيرة، وظلت تلك الروح سائدة إلى هذا اليوم، وزاد من خطورة هذا الدور تعرضّ هذه التجمعات لخطر الانقسام، وما آلت إليه حالهم من تفتت وترهل وضعف، وبدأ عهد ظهرت فيه ممارسات على عكس ما توقع الناس لا نجد لها مثيلاً، وتمادى فيه الناس في تأليه الفرد والتفرد في اتخاذ القرار، وهو نهج بعيد جداً عن قواعد الكفاءة والمساءلة والشفافية واحترام المؤسسات، وظهر أن المستقلين يجهلون معنى الديمقراطية، وكأنها لفظ غريب عليهم لا دلالة له في أفهامهم، ولم تستطع هذه التجمعات الأخذ بيد الناس نحو مدارج الرقي والتغيير المنشود، فقد كانت هذه التجمعات امتداداً للانقسامات الفلسطينية، لذلك فشلوا من حيث الجوهر، وإن نجحوا من حيث الشكل، ولم يكونوا عند حسن ظن الناس بهم، وأضاعوا الحلم الجميل الذي راود الفلسطينيين في التغيير والإصلاح، وكانت المحصلة النهائية ضغثاً على إبالة، ونفوراً واحباطاً من هذه التجمعات، وثمة حذر من منظريها ومعتنقيها في تقدير الناس والمجتمع.
وأحمد الله أنني لم أسجل في دفتر فصيل أو حزب، فلم أكن رجل حماس، ولا رجل فتح، ولا رجل أحد، فالجميع عندي سواء في ميزان الحسنات والسيئات، ما يراه الوطن (فلسطين) أنه صحيح فهو الصحيح، وما رأى فيه أنه ضار بالوطن، أو بجزء من الوطن، فهو الخطأ. وقد تبيّن أنَّ النقص الوحيد في المجتمع الفلسطيني هو فقدان القيادات المعجونة بالإيمان بالوطن، أو الإيمان بخدمة الأمة، وأخيراً أقول: إننا لا ندعوا الناس أن يكونوا مؤمنين مسلمين فقط، وإنما ندعوهم أن تتوفر عندهم عقيدة ثابتة.
وسوم: العدد 684