من حصاد المجالس
صلينا العشاء في مسجد سلطان ... في دبي، ثم ذهبنا إلى بيت الشيخ الدكتور أحمد الحدّاد، واستقبلنا في قاعة الضيافة، وأُديرت القهوة، ومُرَّ بالبخور على الحضور.
-اعترضَ الشيخُ محمد مطيع الحافظ على قراءة مَنْ أمّنا في صلاة العشاء وقال: إنَّ الهاءات عنده غير ظاهرة. وقال الشيخ أحمد: إنَّ صوته جيد، ولكن يبدو أنه لم يتلق القرآن تلقيًا.
-واتصلَ سائلٌ بالشيخ أحمد الحداد وأطال الكلامَ فقال له الشيخُ: ماهو السؤال؟ وظهرَ أنه يريد اعتناقَ المسيحية وهو مسلمٌ ليتسنّى له الزواجُ من مسيحية. فقال له الشيخ: ترتدُّ عن الإسلام مِنْ أجل فرج امرأةٍ هداك الله؟!
-وذكر الشيخُ أحمد أنَّ سائلًا سأله قريبًا فقال: اقتدينا بإمامٍ ولكن سُرعان ما ركعَ بعد التكبير بحيث أيقنّا أنه لم يقرأ الفاتحة، ولكن الإمامَ يقول بأنه قرأها فما حكمُ صلاتنا؟
وأفتاه الشيخ بأنَّ صلاتهم باطلة، لأنهم بنوا على باطل، وقال الشيخ مطيع: الصلاة عند الحنفية صحيحة، لأنَّ قراءة الفاتحة واجبة، وليستْ فرضًا، وصلاته مكروهة.
-وعرَضتْ مسألةٌ عن إمامٍ تذكّرَ بعد أيامٍ أنه غير متوضئ، فقال الشيخ أحمد: صلاة المأمومين صحيحة، ولا يجبُ عليه إخبارُهم، أمّا إذا تذكَّرَ فورًا فالواجبُ إخبارهم، وقد وقعَ لي في أول تمييزي أنني كنتُ في مجمعٍ في حولية الشيخ السيد أحمد بن علوان وصلى السيد إبراهيم بن عقيل مفتي محافظة تعز بالناس وتذكَّرَ أنه على غير وضوء فقطعَ الصلاة وطاف على الناس في صفوفهم يقولُ لهم: أعيدوا صلاتكم.
-وقال الشيخُ مطيع: صلينا الجمعة في مسجد جامعة دمشق مرة، وخطب الشيخُ علي الطنطاوي وقال للناس: أنا حنفي، وقد أخطأت في تلاوة الآيات في الجمعة الماضية، والصلاةُ على المذهب الحنفي غير صحيحة، فأعيدوا صلاة الظهر.
وكان قد قرأ آخر سورة الليل فعكس (اليسرى) و(العسرى)، قرأ: (وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره لليسرى) وهذا يفسد الصلاة عند الحنفية لقلب المعنى.
***
-وذكرَ الشيخُ مطيعٌ الشيخَ سعيد الطنطاوي وقال: عُيِّنَ في أول حكم البعث في لجنة المناهج بوزارة التربية فدخل وقتُ الصلاة فقامَ وأذَّن، فنظرَ إليه أعضاءُ اللجنة مندهشين فقال لهم: مالكم ألستم مسلمين؟ ثم أقامَ وصلى، فسرَّحوه من اللجنة.
-وذَكَرَ عنه أنه نباتيٌّ، ومرة زارهُ بعضُ أصدقائه ومنهم هيثم الخياط، فقدَّمَ لهم "شاكرية" -وهي لبنٌ يُطبخ مع اللحم- فقالوا له: أنت نباتيٌّ وهذه "شاكرية"؟ فقال لهم: كلوا أولًا. وإذا به وَضَعَ بدلَ اللحم تمرًا!
-ومِنْ أحوال الشيخ علي الطنطاوي أنه لا يأكل الجُبن، ولا يستطيعُ رؤيته، وإذا رآه في مجلسٍ حصلَ ما لا يُحمد.
-فقال الشيخ أحمد الحدّاد: هذا عجيبٌ وأهلُ الشام أهلُ "الجُبن"، فقلتُ مازحًا: أهلُ الشامِ أهلُ "الشجاعة".
***
-ثم كان فاصلٌ إنشاديٌّ قدَّمه محمد ناجي، وشابٌ آخر اسمه باسل، أنشد محمد ناجي:
عيني لغير جمالكم لا تنظرُ وسواكمُ في خاطري لا يَخطرُ
صبّرتُ قلبي عنكم فأجابني لا صبرَ لي لا صبرَ لي لا أصبرُ
لا صبرَ لي حتى يراكم ناظري وعلى محبتكم أموتُ وأحشرُ
غبتم وغابتْ راحتي من بعدكم والعيشُ صار من الجفا يتكدّرُ
لا فرقَ ما بيني وبين خيالكم إن غاب غبتم أو حضرتم أحضرُ
اثنان نحنُ وفي الحقيقة واحد لكن أنا الأدنى وأنتَ الأكبرُ
حُبّي لكم طبع بغير تكلُّفٍ والطبعُ في الإنسانِ لا يتغيّرُ
فإذا نطقتُ ففي حديثِ جمالكم وإذا سكتُّ ففيكمُ أتفكّرُ
وأنشد باسل قصيدةً أخرى.
وسأل الشيخُ محمد عبدالله ولد التمين عن قائل القصيدتين فقال الشيخُ الحدّاد: الأولى أظنّها لمحمد أمين كتبي. وسأل المنشدَ فقال: لا أدري .
***
-وفي الساعة العاشرة أشار الشيخُ الحدّاد بتقديم العشاء، وقد اجتمعَ سببان: دعوةٌ على شرف الأخ الشيخ محمد عبدالله ولد التمين توديعًا له لقرارهِ بالعودة إلى بلده، وعقيقةُ حفيدته "بشرى" من ابنهِ عبد الرحمن.
- وعلى العَشاء ذكَرَ الشيخُ شاه جهان نقاب كل المفتي في إدارة الإفتاء (من أفغانستان) ذكر الشيخَ عبدَالحكيم السيالكوتي، وأثنى عليه، وعلى مؤلفاتهِ التي منها (المحاكمات).
***
-وبعد العَشاء قُدِّمت الكنافة النابلسية، والشاي الأحمر، والأخضر، والفواكه، والبخور.
-وقال الشيخ شاه جهان: لم يأت بعد الكمال ابن الهُمام مَنْ طبَّق الفقهَ على الحديث إلا علماء ديوبند، وأما ابنُ عابدين فكان مُحقِّقاً ضمن المذهب، وقال الشيخ مطيع: لا تنسَ الشيخ علي القاري وكتابه (فتح باب العناية).
-وألقى الشيخُ محمد بن عبدالله بن أحمد ناصر الموزعي المفتي في إدارة الإفتاء قصيدةً بمناسبة توديع ولد التمين .
***
-وهنا تدَّخل الشيخ مطيع الحافظ وقال: أذكرُ لكم بعضَ القصص لسروركم:
1-زارتنا في دبي والدةُ زوجتي فقلتُ لها: يا مرت عمّي [بالعامية] نحن تشرفنا بزيارتك، وأنتِ الآن ستحملين كلَّ ذنوبنا، فقالت: (يُهْ واللهِ أنا لا أستطيعُ حملَ شيء)، فذكرتُ لها الحديث وهو أنَّ الضيف يأتي برزقه ويخرج بذنوب أهل البيت، وشرحتُه لها.
2-وحضرَ أبو درويش سويد وهو من ظرفاء دمشق في مجلس المفتي الشيخ أبو اليسرعابدين، وكان الشيخ أبو اليسر يتكلم على تحريم الغيبة، ثم ذكرَ في مجلس آخر حديث: (اذكروا محاسنَ موتاكم) فقال هذا الظريف: إذا كانت الغيبة محرمةً في حال الحياة، وبعد الموت تقولون اذكروا محاسن موتاكم فهذا (العكروت) متى نتكلم عليه؟
3-وذكرَ الشيخ أبو اليسر مرةً في درسه أنَّ الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بمئة عام. فقال ذلك الرجل على سبيل الدعابة: نعم يدخلون ليرتبوا المجالس للأغنياء وينظفوا الأرض!!
4-وذكرَ الشيخَ عبدَالعزيز البشري فقال: كان مزّاحًا، ومرةً رأى رجلًا يلبس ثيابًا سودًا فلما اقتربَ منه قال له: ظننتُك امرأة، فقال ذلك الرجلُ فورًا: وأنا ظننتُك رجلًا!
وسوم: العدد 684