أهمية استثماروقت الفراغ وعطلة الصيف للمسلم
الحمد لله حمدا كثيرا يوافي نعمه ويكافيء مزيده ، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك . الحمد لله الهادي من استهداه ، الواقي من اتقاه ، الكافي من تحرى رضاه ودعاه ، حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه . وأصلي وأسلم على البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من اتبعه واهتدى بهديه وسار على شرعه ودينه إلى يوم الدين . . أشكر راعي المنتدى الأخ الشاعر : خالد النعمان على إتاحته الفرصة لي للقاء إخواني الأفاضل في هذه الأمسية السعيدة ، وأشكره على مقدمته راجيا أن أكون عند حسن ظنه وظنكم . اللهم اغفر لي ما لايعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني خيرا مما يظنون . اللهم ذكرني ما نسيت وعلمني ماجهلت ، واحفظ علي ما علمت ،وزدني علما والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد :
الوقت والفراغ والإجازة ، وما أدراك ما الوقت ؟ والفراغ ؟ والإجازة ؟ . الوقت هو عمر الإنسان على هذه الأرض . قال الله تعالى : (والعصر * إن الإنسان لفي خسر ) سورة العصر (1و2) ،وقال (والفجر * وليال عشر ) سورة الفجر (1و2) ، ( والضحى ) سورة الضحى (1) ، ( والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى ) الليل (1و2) . يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : أقسم الله سبحانه وتعالى بهذه الأوقات لبيان أهميتها ، والعصر : هو زمن تحصيل الأرباح والأعمال وهو الوقت كله ، وتؤكد السنة النبوية المطهرة على ما جاء في القرآن الكريم من أن الوقت من نعم الله تعالى على عباده ، وأنهم مأمورون بحفظه ومسؤؤلون عنه . فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((نعمتان مغبون عليهما كثير من الناس : الصحة والفراغ )) رواه البخاري . ومعنى قوله : صلى الله عليه وسلم (( كثير من الناس )) أي أن الذي يوفق إلى ذلك قليل . فقد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش ، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا . فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون والنعمة ما يتنعم به الإنسان ويستلذه ، والغبن أن يشتري بأضعاف الثمن أو يبيع دون ثمن المثل . ووقت المسلم أمانة عنده ، وهو مسؤول عنه يوم القيامة وهذا ما تؤكده السنة النبوية المطهرة ، فهناك أربعة أسئلة سيسألها العبد يوم القيامة ، منها سؤالان خاصان بالوقت ، ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال : عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه )) رواه الترمذي .. أي أن العبد في ذلك الموقف العصيب يوم القيامة ، لن تزول قدماه ولن يبرح ذلك المكان حتى يسأل ويحاسب عن مدة عمره بكافة ، كيف قضاها ، وعن فترة شبابه بخاصة كيف أمضاها . ذلك أن الشباب هو محور القوة والحيوية والنشاط وعليه الاعتماد في العمل أكثر من غيره من مراحل العمر الأخرى لذا فقد خص بالسؤال عنه مستقلا مع أنه داخل ضمن السؤال عن العمر وذلك لأهميته . فمن تتبع أخبار الناس وتأمل أحوالهم وعرف كيف يقضون أوقاتهم وكيف يمضون أعمارهم، عَلِمَ أن أكثر الخلق مضيِّعون لأوقاتهم، محرومون من نعمة استغلال العمر واغتنام الوقت، ولذا نراهم ينفقون أوقاتهم ويهدرون أعمارهم فيما لا يعود عليهم بالنفع . وإن المرء ليعجب من فرح هؤلاء بمرور الأيام، وسرورهم بانقضائها، ناسين أن كل دقيقة بل كل لحظة تمضي من عمرهم تقربهم من القبر والآخرة، وتباعدهم عن الدنيا . قال أحدهم :
إنَّا لنفرحُ بالأيام نقطعها : وكل يوم مضى جزءٌ من العمر ولما كان الوقت هو الحياة وهو العمر الحقيقي للإنسان، وأن حفظه أصل كل خير، وضياعه منشأ كل شر، كان لابد من وقفة تبين قيمة الوقت في حياة المسلم ، وما هو واجب المسلم نحو وقته ، وما هي الأسباب التي تعين على حفظ الوقت ، وبأي شيء يستثمر المسلم وقته. نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم ، وأن يرزقنا حسن الاستفادة من أوقاتنا، إنه خير مسئول .
(( قيمة الوقت وأهميته )) : إذا عرف الإنسان قيمة شيء ما وأهميته حرص عليه وعزَّعليه ضياعه وفواته، وهذا شيء بديهي، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصاً على حفظه واغتنامه فيما يقربه من ربه، وها هو الإمام ابن القيم رحمه الله يبين هذه الحقيقة بقوله : "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم ، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته ، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة ، فموت هذا خير من حياته". ويقول ابن الجوزي : "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته ، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة ، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور ولاملل ولا كسل بما لا يعجز عنه البدن من العمل ومعروف أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه دلَّ ذلك على أهميته وعظمته ، وليلفت الأنظار إليه وينبه على جليل منفعته . . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه كما قدمنا، ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت. وشكرنعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات ، واستثمارها في الباقيات الصالحات . ---- (( واجب المسلم نحو وقته )) ----
ولما كان للوقت كل هذه الأهمية حتى إنه ليعد هو الحياة حقا ً، كان على المسلم واجبات كثيرة ومهمة نحو وقته ، ينبغي عليه أن يدركها، ويضعها نصب عينيه، ومن هذه الواجبات :
آ- الحرص على الاستفادة من الوقت : فإذا كان الإنسان شديد الحرص على المال، شديد المحافظة عليه والاستفادة منه، وهو يعلم أن المال يأتي ويروح، فلابد أن يكون حرصه على وقته والاستفادة منه كله فيما ينفعه في دينه ودنياه، وما يعود عليه بالخير والسعادة أكبر، خاصة إذا علم أن ما يذهب منه لا يعود. ولقد كان السلف الصالح أحرص ما يكونون على أوقاتهم ؛ لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها، وكانوا يحرصون كل الحرص على ألا يمر يوم أو بعض يوم أو برهة من الزمان وإن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع إلى الغير، يقول الحسن البصري : "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم".
ب- تنظيم الوقت : من الواجبات على المسلم نحو وقته تنظيمه بين الواجبات والأعمال المختلفة دينية كانت أو دنيوية بحيث لا يطغى بعضها على بعض، ولا يطغى غير المهم على المهم . يقول أحد الصالحين : "أوقات العبد أربعة لا خامس لها : النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية. ولله عليك في كل وقت منها سهم من العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية : فمن كان وقته الطاعة فسبيله شهود المنَّة من الله عليه أن هداه لها ووفقه للقيام بها ، ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر، ومن كان وقته المعصية فسبيله التوبة والاستغفار، ومن كان وقته البلية فسبيله الرضا والصبر .
ج- اغتنام وقت فراغه : الفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس فنراهم لا يؤدون شكرها، ولا يقدرونها حق قدرها ، وقد تقدم حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ» وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنامها فقال صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمساً قبل خمس، وذكر منها : وفراغك قبل شغلك» [رواه الحاكم وصححه الألباني] . يقول أحد الصالحين : "فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجرَّ في قِياد الشهوات، شوَّش الله عليه نعمة قلبه ، وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه". فلابد للعاقل أن يشغل وقت فراغه بالخير وإلا انقلبت نعمة الفراغ نقمة على صاحبها، ولهذا قيل : "الفراغ للرجال غفلة ، وللنساء غُلْمة" أي محرك للشهوة . وقال أبو العتاهية رحمه الله : إن الشباب والفراغ والجدة : مفسدة للعقل أي مفسدة
د- أسباب تعين على حفظ الوقت :
(1) محاسبة النفس : وهي من أعظم الوسائل التي تعين المسلم على اغتنام وقته في طاعة الله . وهي دأب الصالحين وطريق المتقين ، فحاسب نفسك أخي المسلم واسألها ماذا عملت في يومها الذي انقضى ؟ وأين أنفقت وقتك ؟ وفي أي شيء أمضيت ساعات يومك ؟ هل ازددت فيه من الحسنات أم ازددت فيه من السيئات ؟ (2) تربية النفس على علو الهمة : فمن ربَّى نفسه على التعلق بمعالي الأمور والتباعد عن سفسافها، كان أحرص على اغتنام وقته، ومن علت همته لم يقنع بالدون، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم :
إذا ما عَلا المرءُ رام العلا : ويقنعُ بالدُّونِ من كان دُونَا (3) صحبة الأشخاص المحافظين على أوقاتهم : فإن صحبة هؤلاء ومخالطتهم ، والحرص على القرب منهم والتأسي بهم ، تعين على اغتنام الوقت ، وتقوي النفس على استغلال ساعات العمر في طاعة الله ، ورحم الله من قال :
إذا كنتَ في قومٍ فصاحِب خِيارَهم : ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الرَّدِي عن المرءِ لا تَسَلْ وسَلْ عن قرينهِ : فكلُّ قرينٍ بالمقارَن يقتدِ ي (4) معرفة حال السلف مع الوقت : فإن معرفة أحوالهم وقراءة سيرهم لأكبر عون للمسلم على حسن استغلال وقته ، فهم خير من أدرك قيمة الوقت وأهمية العمر، وهم أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر واستغلال أنفاسه في طاعة الله قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : يا ابن آدم إنما أنت أيام ، إذا ذهب منك يوم ذهب بعضك . وقال : يا ابن آدم نهارك ضيفك فأحسن إليه ، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك ، وإن أسأت إليه ارتحل بذمك ، وكذلك ليلتك . وقال : الدنيا ثلاثة أيام : أما الأمس فقد ذهب بما فيه ، وأما غدا فلعلك لا تدركه ، وأما اليوم فلك فاعمل فيه .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ، ولم يزد فيه عملي . وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : إضاعة الوقت أشد من الموت ، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله وعن الدار الآخرة ، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها . وقال ابن السري رحمه الله تعالى : إن اغتممت بما ينقص من مالك ، فابك على ما ينقص من عمرك .
(5) تنويع ما يُستغل به الوقت : فإن النفس بطبيعتها سريعة الملل، وتنفر من الشيء المكرر. وتنويع الأعمال يساعد النفس على استغلال أكبر قدرممكن من الوقت .
6- إدراك أن ما مضى من الوقت لا يعود ولا يُعوَّض : فكل يوم يمضي ، وكل ساعة تنقضي ، وكل لحظة تمر، ليس في الإمكان استعادتها ، وبالتالي لا يمكن تعويضها. وهذا معنى ما قاله الحسن :"ما من يوم يمرُّعلى ابن آدم إلا وهو يقول: "يا ابن آدم ، أنا يوم جديد ، وعلى عملك شهيد ، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك ، فقدِّم ما شئت تجده بين يديك ، وأخِّر ما شئت فلن يعود إليك أبدا "".
7 - تذكُّر الموت وساعة الاحتضار : حين يستدبر الإنسان الدنيا، ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن ، ليصلح ما أفسد ، ويتدارك ما فات ، ولكن هيهات هيهات، فقد انتهى زمن العمل وحان زمن الحساب والجزاء ، فتذكر الإنسان لهذا يجعله حريصا على اغتنام وقته في مرضاة الله تعالى .
8- الابتعاد عن صحبة مضيعي الأوقات : فإن مصاحبة الكسالى ومخالطة مضيعي الأوقات، مهدرة لطاقات الإنسان ، مضيعة لأوقاته ، والمرء يقاس بجليسه وقرينه ، وقد قال رسول الله صلى الله علبه وسلم : (( المرأ على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) أخرجه الترمذي . و يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : "اعتبروا الرجل بمن يصاحب ، فإنما يصاحب الرجل من هو مثله". قال شيخ ابن الجوزي :
-------- والوقت أنفس ما عنيت بحفظه : وأراه أسهل ما عليك يضيع وقال آخر : فاصحب الأخيار تعلو : وتنل ذكرا جميلا ----- صحبة الخامل تكسو : من يواخيه خمولا وقال آ خر:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه : فكل قرين بالمقارن يقتدي إذا كنت في قوم فاحلب في إنائهم : ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي 9- تذكر السؤال عن الوقت يوم القيامة : حين يقف الإنسان أمام ربه في ذلك اليوم العصيب فيسأله عن وقته وعمره كيف قضاه ؟ وأين أنفقه ؟ وفيم استغله ؟ وبأي شيء ملأه ؟ وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: فيما رواه الترمذي . (( لن تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيم أبلاه ... الخ الحديث )) .
(( بما نستثمر أوقاتنا؟ ))
إن مجالات استثمار الوقت كثيرة، وعلى المسلم أن يختار منها ما هو أنسب له وأصلح، ومن هذه المجالات :
1- حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه: وهذا خير ما يستغل به المسلم وقته ، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم كتاب الله فقال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» [رواه البخاري] . قال أحدهم :
ما تطعمت لذة العيش حتى : صرت للبيت والكتاب جليسا ليس شيء أعز عندي من : العلم فلا تبغي سواه أنيسا
2- طلب العلم: فقد كان السلف الصالح أكثر حرصاً على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله؛ وذلك لأنهم أدركوا أنهم في حاجة إليه أكبر من حاجتهم إلى الطعام والشراب ، واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور، منها: حضور الدورات العلمية ، وحضور الندوات والمحاضرات ، وكتابة البحوث العلمية المفيدة ،وقراءة الكتب العلمية والتربوية والوعظية ، قراءة كتب السيرة النبوية وسير السلف الصالح .
قال أحدهم : اقرأ التاريخ إذ فيه العبر : ضل قوم لا يدرون ما الخبر وقال آخر : أولئك آبائي فجئني بمثلهم : إذا جمعتنا يا جرير المجامع وكذلك الاستماع إلى الأشرطة النافعة والمفيدة .
3- ذكر الله تعالى : فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالاً ولا جهداً ، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه فقال له: «لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله» [رواه أحمد وصححه الألباني] . فما أجمل أن يكون قلب المسلم معموراً بذكر مولاه ، إن نطق فبذكره ، وإن تحرك فبأمره . ثم الإكثار من النوافل : وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله ، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض ، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد «ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه» [رواه البخاري] ثم آداء العمرة والزيارة . واغتنام الأوقات الفاضلة : مثل وقت بعد الصلوات ، وبين الأذان والإقامة ، وثلث الليل الأخير ، وعند سماع النداء ، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس ، وغيرها من النوافل والأعمال الصالحة التي ندب الشارع إلى القيام بها ليحصل على الثواب العظيم والأجر الكبير. 4- الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين: كل هذه مجالات خصبة لاستثمار ساعات العمر. والدعوة إلى الله تعالى مهمة الرسل ورسالة الأنبياء، وقد قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيْ} [يوسف:108]. فاحرص أخي المسلم على اغتنام وقتك في الدعوة إلى الله إما عن طريق إلقاء المحاضرات ، أو توزيع الكتيبات والأشرطة ، أو دعوة الأهل والأقارب والجيران إلى كتاب الله وسنة رسوله .
5- زيارة الأقارب وصلة الأرحام : فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق ، قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يُبسط له في رزقه ، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه» [رواه البخاري].
6- تعلُّم الأشياء النافعة : مثل الحاسوب واللغات والسباكة والكهرباء والنجارة وغيرها بهدف أن ينفع المسلم نفسه وأهله وإخوانه ومجتمعه . 7- كسب المعيشة : فإن خير كسب الإنسان كسبه من عمل يده حيث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما أكل أحد طعاما قط خيرا من يأكل من عمل يده )). رواه البخاري . كما وأثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال : "" يعجبني الرجل فإذا علمت بأنه لا صنعة له سقط من عيني "". إن الصنعة والتكسب والعمل من الأمور التي يجب أن يتربى عليها الشباب باكرا ليستطيعوا أن يكفلوا أسرهم في مستقبل أيامهم وليعيلوا أولادهم ومن تجب عليهم إعالتهم من ذوي أرحامهم ، كما أن الإجازة فرصة طيبة وكبيرة للمسلم ليقوم بتعليم أولاده وبمراجعتهم لما تعلموه وحفظوه وليزيد من نشاطهم وجدهم بحثهم على ذلك وتشجيعهم بالترغيب ومنح ورصد الجوائز المناسبة التي تحفزهم على التنافس فيما بينهم .
8- ممارسة التمارين الرياضية ليكون المسلم قويا في دينه وجسمه امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( المسلم القوي خير وأحب إلى الله من المسلم الضعيف وفي كل خير)) رواه مسلم . ولينوي النية الصالحة في ممارسة رياضته ليكون قويا في ملاقاة أعداء الله عندما يناديه منادي الجهاد وأن عمله هذا من العبادة ممتثلا قول المولى تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين ) . فكل أعمال المسلم تكون عبادة إذا اقترنت بالنية الصالحة وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم . (( وفي بضع أحدكم صدقة )) قالوا : يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له في ذلك أجر ؟ . فقاس لهم صلى الله عليه وسلم ليقرب لهم الأمر. فقال : (( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر )) . رواه مسلم .
9- السياحة والسفر المباح : فالعطلة الصيفية فرصة لتعويض الأهل والأولاد عن انشغاله عنهم خلال العام والترويح عنهم في السفر إلى الأماكن أو البلاد الإسلامية المحافظة التي ليس فيها فساد واختلاط . ومن أجمل وأهم هذه الرحلات الرحلة التي تكون إلى الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة ،
10- الجهاد في سبيل الله : بتوفرمقتضاه وتوفر شروطه . الجهاد ذروة سنام الإسلام به تحفظ الأديان والنفوس والبلاد والأموال ، والموفق من رزق الشهادة في سبيل الله . والجهاد سياحة هذه الأمة . كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله )) . رواه أبو داود بسند صحيح .
وبعد أخي المسلم فهذه فرص سانحة ووسائل متوفرة ومجالات متنوعة ذكرتها لك على سبيل المثال لا الحصر لتستثمر بها وقت فراغك وإجازتك الصيفية بجانب الواجبات الأساسية المطلوبة منك .
---- (( آفات وأمور غير محمودة تقتل وقت الفراغ وإجازة الصيف )) ---- هناك آفات وعوائق كثيرة تضيِّع على المسلم وقته ، وتكاد تذهب بعمره كله إذا لم يفطن إليها ويحاول التخلص منها ، ومن هذه العوائق والآفات : 1- الغفلة: وهي مرض خطير ابتلي به معظم المسلمين حتى أفقدهم الحسَّ الواعي بالأوقات ، وقد حذَّر القرآن من الغفلة أشد التحذير حتى إنه ليجعل أهلها حطب جنهم ، يقول تعالى: {وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنمَ كَثِيرًا منَ الجِن وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم ءاذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَـئِكَ كَالأنعام بَل هُم أَضَل أُولَـئِكَ هُمُ الغاَفِلُونَ} [الأعراف:179].
2- التسويف : وهو آفة تدمر الوقت وتقتل العمر، وللأسف فقد أصبحت كلمة "سوف" شعاراً لكثير من المسلمين وطابعاً لهم ، يقول الحسن البصري : "إياك والتسويف ، فإنك بيومك ولست بغدك" فإياك أخي المسلم من التسويف فإنك لا تضمن أن تعيش إلى الغد ، وإن ضمنت حياتك إلى الغد فلا تأمن المعوِّقات من مرض طارئ أو شغل عارض أو بلاء نازل ، واعلم أن لكل يوم عملاً، ولكل وقت واجباته ، فليس هناك وقت فراغ في حياة المسلم ، كما أن التسويف في فعل الطاعات يجعل النفس تعتاد تركها، وكن كما قال الشاعر:
تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري : إن جنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجر فكم من سليمٍ مات من غير عِلَّةٍ : وكم من سقيمٍ عاش حِيناً من الدهر وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً : وقـد نُسجتْ أكفانُه وهـو لا يدري فبادر أخي المسلم باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله ، واحذر من التسويف والكسل فكم في المقابر من قتيل سوف . والتسويف سيف يقطع المرء عن استغلال أنفاسه في طاعة ربه ، فاحذر أن تكون من قتلاه وضحاياه .
3- عدم السفر إلى بلاد الكفر في غير ضرورة ملجئة أو حاجة كالتداوي والدراسة وغير ذلك. روى جرير بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين لا تراء ى ناراهما)) . رواه أبو داود وحسنه الألباني ، وأخرجه الترمذي موصولا ومرسلا وقال المرسل أصح ، ورجح البخاري إرساله . ومعنى (( لاتراء ى نارهما )) أي : لا يتجاور المسلم والمشرك بل يتباعد عنه منزلة بحيث لو أوقد نارا ما رآها . القاموس المحيط ص 632 .
4- النوم : يعتقد البعض أن الإجازة فرصة للنوم والاسترخاء فقط . فقد طال سهره للمذاكرة والتحضير للإمتحان . فالآن يعوض ما فاته لذا تجده يقضي غالب وقته في النوم ، والنوم يجلب النوم ، والنوم الزائد عن حاجة الإنسان يجلب الخمول والكسل ، ويشعر الإنسان بالضعف وأنه بحاجة إلى النوم . قال أحد الشعراء :
يا طويل الرقاد والغفلات : كثرة النوم تورث الحسرات إن في القبر إن نزلت إليه : رقادا يطول بعد الممات 5- عدم السهر على الأفلام والألعاب وقتل الوقت فيما لا جدوى ولا فائدة منه . 6- عدم السهر على الشواطىء والأرصفة والطرقات وإيذاء المارة بالمناظر المؤسفة والتصرفات المؤذية ولا حول ولا قوة إلا بالله .
7- قضاء الوقت في اللعب بالكر ة : هذه اللعبة التي أصابت عقول كثير من الشباب بلوثتها حتى صار كثير من الشباب يقضون معظم أوقاتهم في ممارستها حتى تستنفد منهم ساعات طويلة وأصبحت هي شغلهم الشاغل في أوقات فراغهم وإجازاتهم . داعيا المولى تعالى أن يصلح شبابنا ويبصرهم ويهديهم إلى العمل الجاد والمفيد لهم ولأمتهم وما ذلك على الله بعزيز . وختاما أشكر لكم حضوركم وحسن استماعكم . وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه . ألقيت هذه المحاضرة في منتدى شاعر المدينة المنورة الشيخ : خالد النعمان في أمسية يوم الجمعة 14 شعبان 1432هـ . الموافق 15 تموز 2011م
وسوم: العدد 685