الموقف الشرعي من الغزو الروسي لسورية
بسم الله الرحمن الرحيم
لك الله يا شام
(الموقف الشرعي من الغزو الروسي لسورية)
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و أصحابه أجمعين
بعد خمس سنوات من القتل و التخريب و التدمير الذي يقوم به سفاح سورية المجرم بشار وزبانيته تجاه الشعب السوري الحر الأبي، وبعد مئات الآلاف من الشهداء الأبرار و بعد الملايين من المهجرين، وبعد أن بدأ الجزار يترنح و يتهاوى؛ نجد أنفسنا أمام مشهد في غاية الخطورة والتعقيد والشدة والألم؛ فهاهو الاحتلال الإيراني الصفوي يزداد شراسة وصفاقة ويدفع بمزيد من قواته ومعداته وسلاحه، مستعيناً بميليشياته وحزبه الشيطاني، يدفعه غروره وتحركه أطماعه الفارسية وأحقاده الطائفية، وهاهو العالم يتواطأ على الشعب السوري في خطة خفية مبيتة، يبدو من ملامحها توكيل الروس بغزو سورية لتحقيق عدد من الأهداف: منها إنهاء الثورة المباركة، وتمكين قوى الغرب من إيجاد الحكم الذي يوافق مخططاتهم ويحقق السيطرة المطلقة لهم، وكل ذلك بالتنسيق الكامل مع الصهاينة، تحت ذريعة محاربة الإرهاب؛ وأي إرهاب؟ إنما هو الإرهاب الذي صنعوه هم، وصنعه النظام نفسه، وأي إرهاب بعد إرهاب النظام نفسه؟ ولكي تتكامل خيوط اللعبة الخطيرة يظهر الأمر وكأن النظام يستدعي تلك القوات الروسية للتدخل فتستجيب لإنقاذه، فأي نظام فاسد مجرم فاقد لشرعيته هذا الذي يستدعي قوات أجنبية لاحتلال بلاده لإنقاذ كرسيه المتهاوي، وتنفيذ مخططات الأعداء في بلاده، التي لا يكون منها إلا مزيد من التدمير فضلاً عن خطر التقسيم والتمزيق.
وأمام هذا المشهد الخطير وتجاه هذا الغزو الروسي المجرم والاحتلال الإيراني الآثم؛ فإننا في هيئة التأصيل الشرعي في جماعة الإخوان المسلمين في سورية نرى من واجبنا أن نؤكد على جملة من الحقائق الشرعية:
إننا نرى أن الحكم الشرعي الآن هو تأكيد وجوب الدفع ورد المعتدي وأن هذا الواجب فرض عين على كل قادر في سورية بما يستطيع، وبحسب التفصيل الفقهي الآتي، وأن على الأمة أن تنصر الشعب السوري وتقف معه في محنته، وعليه فإننا نستنفر الأمة لتهب هبة رجل واحد للوقوف في وجه العدوان ونصرة الشعب المظلوم؛ وقد قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِياًّ وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً ﴾ [النساء: 75]، وقال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ﴾ [الأنفال: 72]، وهاهو الشعب السوري؛ أيها المسلمون يستنصركم للوقوف في وجه هذا الغزو العالمي لسورية؛ بيضة الشام المباركة.
إن من حق الشعب السوري أن يذود عن حياضه وبلاده ويحمي عقيدته وقيمه؛ كيف لا، وقد قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ [البقرة: 190]، وقال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 194]، وقال تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [الحج: 39-40].
وفي ضوء ما ذكرنا من آيات قرآنية؛ فقد أجمع فقهاء المسلمين ومن يُعتدّ برأيه من علماء المسلمين المعاصرين على وجوب الجهاد ضد المعتدي نصرةً لدين الله، ودفاعاً عن البلاد والأعراض، ووجوب تحرير تلك البلاد.
قال الكاساني: "إذا عمَّ النفير؛ بأن هجم العدو على بلد فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه" بدائع الصنائع: 7/9.
وقال القرطبي: "إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار ، أو بحلوله بالعقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا ، شبابا وشيوخا ، كل على قدر طاقته ...... فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة ، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم . وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم ، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين ....." الى أن قال: "ولا خلاف في هذا" الجامع لأحكام القرآن 8/80
وقال ابن قدامة: "وإذا نزل الكفار ببلد تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم" المغني: 10 / 366.
وبعد، أيها المسلمون:
فهل بعد ذلك تردد في وجوب الجهاد نصرة لدين الله ودفعاً للغازي المعتدي القاتل الذي يستبيح الأعراض ويسفك الدماء ويدمّر الحجر والشجر، ولا يرقب إلاً ولا ذمة، وقد قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ، إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التوبة: 38-39].
أيها المسلمون: إننا نستشعر أمام هذا الوضع الخطير حقيقة قوله تعالى ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173-174]، وحقيقة قوله تعالى: ﴿ إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ [الأحزاب: 10-11]، فكأن في ذلك البشارة للمؤمنين الصادقين؛ فلطالما راود البعض أن يجد في بعض المجتمع الدولي عوناً لكن الله يريد أمراً آخر، فلعل الشأن كما قال تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ، يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ، وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ، لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 5- 8].
يا أهلنا في سورية إنه أمام هذا الوضع الخطير؛ فإن من أوجب الواجبات أن نتقي الله ونصلح ذات بيننا، قال تعالى ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ [الأنفال: 1]، فوحدوا كلمتكم ورصوا صفوفكم، وحذار من الفرقة و النزاع واسمعوا جيدا قول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]، واعلموا يا قومنا أن النصر وعد من الله لمن نصر دينه، وحاشا لله أن يخلف وعده، وهو القائل: ﴿ إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]
والقائل سبحانه : ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ ﴾ [آل عمران: 160]، فالصبر الصبر والاحتساب الاحتساب والتوكل على الله والاستعانة به والاستغناء عمن سواه، ولنعلم يا أهلنا ويا ثوارنا أن النصر ليس بالكثرة ولا بالقوة وحدها، والله القائل: ﴿ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، وما أحوجنا إلى كمال الصدق والإخلاص فإن معارك الإسلام والفتوحات الإسلامية التي غيرت مجرى التاريخ وبنت للدنيا حضارة لم يعرفها الناس من قبل قد صنعها المؤمنون الصادقون الذين لم يكونوا أكثر و لا أقوى من أعدائهم في أي موقعة من المواقع على الإطلاق وقد تربوا على قول الله تعالى ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60].
أما كيف نحقق فريضة الجهاد على أرض الواقع دفعاً للمحتل والعدوان وتحريراً للبلاد من الظلم والطغيان؟ فنرى ونؤكد أن هذا لا يكون بعمل عفوي ولا فوضوي وأنه لابد أن يبادر أولو العزم والرشد إلى رص الصفوف ورفع راية الحق ولواء الجهاد وجمع الكلمة وتشكيل قيادة موحدة من كل الفصائل الراشدة المجاهدة في ضوء قوله تعالى: ﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ﴾ [النساء: 84]؛ ثم إن على هذه القيادة أن تضع خطة رشد تتعامل مع هذه المستجدات بتبصر وحذر ويقظة، وتخطيط استراتيجي بعيد المدى، بعيداً عن الارتجال والتسرع، على أن تراعي هذه الخطة الحاجات الفعلية للساحة والميدان فإن كانت الحاجة للرجال والمقاتلين استنفرت الرجال والمقاتلين الأقرب فالأقرب، فإن كان في الرجال كفاية فلا ينبغي حشد من لا يُحتاج إليهم حتى يكونوا عبئا على من حضر، وإن كانت الحاجة للمال والسلاح استنفرت الأقرب فالأقرب للإمداد بالمال و السلاح حتى تتحقق الكفاية لرد العدوان ودحر الاحتلال، وإلى أن توجد هذه القيادة الموحدة فإننا ننصح شبابنا ممن يتلمسون مواطن الحاجة أن يلتحقوا بالفصائل الصادقة المخلصة ممن عرف جهادهم ونكايتهم بالعدو من غير غلو و لا شطط .
وأخيرا يا أهلنا ويا قومنا إننا نؤمن إيماناً عميقاً بعدالة ثورة شعبنا على الظلم والطغيان ومطالبته بالحرية والكرامة، وإن الشعوب صاحبة الإيمان والإرادة لا يمكن أن تنكسر ولا أن تستسلم، بإذن الله تعالى، لكننا نؤكد إن من واجبنا أن نأخذ بأسباب النصر، وإن من أهم ذلك تحقيق التقوى، ونفي التنازع، وتحقيق الوحدة، وإصلاح حالنا مع الله، فإن سنن الله تعالى في الحياة تقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، وربنا القائل ﴿أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165]، فوالله إن الخطر علينا من أنفسنا وانحرافنا عن الاستقامة لهو أشد من أعدائنا وكيدهم و مكرهم ، فلنثق بالله ونصره وتأييده، ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64]
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هيئة التأصيل الشرعي في جماعة الإخوان المسلمين في سورية
الخميس 24 ذو الحجة 1436هـ الموافق 8-10-2015م
وسوم: العدد 685