التشبيح الإعلامي الألماني ..من شريط أبي عدس إلى شريط أبي العز

سريعاً ما عادت بي الذاكرة حين شاهدت مقابلة الصحافي الألماني "يورغن تودنهافر" مع المدعو "أبي العز" الذي قدم نفسه قائداً في جبهة النصرة إلى حدثين مهمين ذي علاقة، وهما إصرار مراسلة وكالة أنباء غربية مشهورة جداً أيام الحرب الأميركية على ما يوصف بالإرهاب على مقابلة أبي العز الآخر في بيشاور، فاختارت صحافياً للمقابلة شريطة أن يعلن أنه من الأفغان العرب مقابل خمسمائة دولار أميركي، والصحافي لا يزال حياً وكذلك المراسلة،  وبإمكان الصحافي لو أراد أن يفجر فضيحة رهيبة ضدها وضد وكالتها وضد الإعلام الغربي وأتمنى منه أن يفعل ذلك، بالتأكيد رفض العرض، أما الحدث الثاني فهو شريط أبي عدس الذي قدمته العصابة الطائفية الحاكمة في سوريا ولبنان يومها على أنه هو  من قتل رفيق الحريري وذلك في مسعى استمات الطائفيون من خلاله ومعهم كل حلفائهم من أجل الترويج لفكرة أن القاعدة هي من قتلت الحريري، وهو ما تأكد أخيراً أيضا من خلال كتاب نشر في لبنان يتحدث عن مساعي المخابرات السورية للعرض على أبي مصعب الزرقاوي وخليفته من بعده أبي حمزة المهاجر لتبني اغتيال الحريري مقابل عروض مالية وغيرها من العروض،  ولكن كليهما رفض العرض.

نعود إلى قصة أبي العز فلا الإخراج الشكلي مقنع، ولا الإخراج المضموني أيضاً، وكل من يعرف ألف باء تنظيم القاعدة والنصرة وفتح الشام يجزم أن ذلك مهزلة لا يمكن أن يصدقها طفل مبتدأ بالصحافة والإعلام، ولكن لا أدري إن كان ثمة علاقة للصحافي الألماني وثمن منحه مقابلته الشهيرة مع طاغية الشام التي برر فيها جرائمه ببداية الثورة وبثت على وسائل إعلام ألمانية يومها، أقول إن كان ثمن ذلك يُدفع اليوم بالتشبيح الإعلامي من خلال مقابلته مع أبي العز، لكن المهزلة الكبرى أن قائد جبهة النصرة يصر على تسمية جبهته بالنصرة وهو الاسم الذي يطرب له طاغية الشام وكذلك روسيا، وكأن القيادي المزعوم الذي يقول الثوار إنه مساعد في المخابرات السورية، وأن الأرض التي أجري فيه اللقاء عين العصافير بريف حلب حيث يسيطر الطائفيون لم يسمع بعد بتغيير اسم جبهة النصرة إلى فتح الشام.

 لم أر في تغطياتي الصحافية كلها أن جندياً من النصرة فضلاً عن قيادي بهذه السُمنة المفرطة، وهو يقدم نفسه على أنه سيقاتل كل من يريد له الطائفيون أن يقاتله ، وأعجب ما في الأمر هو إصراره على لبس خاتم الذهب، وذاك من المضحكات  بأن يتم في عالم  الجهاديين فضلاً عن القاعدة وفتح الشام، والأعجب من ذلك هو  أن اللقاء يبث في الوقت الذي تعلن  فيه فتح الشام الإفراج عن الصحافية الألمانية التي حررتها والتي كانت محتجزة لدى مجموعة أخرى مما يشي بأن الطائفيين ومعهم المشُبحون الإعلاميون الغربيون حريصون على تبييض مجلدات المجرم بشار مهما كان الثمن، وهو لا يبيضها ماء المزن كله إن تحول إلى حبر للكتابة أو إلى أفلام للتسجيل.

المضحك  أيضاً أنه في الوقت الذي كشف زعيم جبهة فتح الشام عن وجهه، وأماط اللثام عنه نرى هذا القيادي المزعوم في جبهة النصرة يصر على إخفاء وجهه، وكأنه أكثر أهمية من الجولاني نفسه، والأكثر إضحاكاً هي تلك اللقطات المهتزة خلال اللقاء، و التي أرادت إثارة الاهتمام والغموض والتشويق، فكان مفعولها عكسياً، بينما الكل يعلم أن تصوير فتح الشام متقن وكذلك الإنتاج فضلاً عن تصويرهم الآن جواً مقاطع هوليودية، فكيف تقبل فتح الشام أن يتم تصوير المقابلة بهذا الشكل وكأنها عصابة مطاردة لا مكان لها، ولا تسيطر على أجزاء من محافظات في سوريا وتتحرك  فيها بكل أريحية.

لقد انهار الإعلام الغربي يوم أفرغ الساحة للتشبيح الروسي ، وبينما يحرص كل اعلام الأرض أن يكون في ساحة المعركة بهذه الظروف والساعات، من أجل كسب الشهرة والانتشار، إلا أن الإعلام الغربي في الثورة السورية أصر ولا يزال يصر على النأي عن الانخراط بشكل كامل كما فعل في أماكن أخرى، بل ويصر بعضه على التشبيح لصالح الطائفيين، لكن الأوضح من ذلك كله هو أن الإعلام الغربي فقد بريقه وفقد إقناعه لدى الغربيين فضلاً عن إقناعه للعرب والمسلمين.

لو كانت هناك روابط صحافيين وإعلاميين غربيين حقيقيين لطردت كل هؤلاء الذين يشبحون للطائفيين على حساب المهنة وينخرون في جسد  الثقة والرصيد التاريخي للإعلام الغربي، ولكنّ أياً من هذا لم يحصل، ولم يقتصر التشبيح على الإعلام الألماني بل تعداه إلى الإعلام الأميركي والفرنسي ووو....والعجيب أن وسائل الإعلام الغربية لا تزال تتهافت على لقاء طاغية بحجم بشار بينما كانت تعدّ للمليون حتى تبث خبراً أو مقابلة مع اسامة بن لادن، وسيدفع الإعلام الغربي ثمناً باهظاً لهذه المواقف وهذه الأخطاء المهنية الخطيرة والقاتلة والمميتة.

وسوم: العدد 688