الوحدوية الإسلامية في حياة الشيخ محمد سعيد المسعود العلمية والخلقية
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه, والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد ولد آدم وخاتم رسل الله, وعلى أصحابه ومن والاه.. أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله تعالى, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وخير الملل ملة إبراهيم, وأوثق العرى كلمة التقوى: لا إله إلا الله.. محمد رسول الله. أيها الإخوة الكرام:
إن من الوفاء لذكرى معارفنا المؤمنين بعد رحيلهم أن نذكر شيئاً من محاسنهم, وأن ننوه ببعض مآثرهم ليتخذ الخلف عن سلفه خير إرث وأفصل تراث..
ولقد كان لفقيه شعبنا المسلم فضيلة الشيخ محمد سعيد المسعود مفتي منطقة الباب من المحاسن والمآثر ما هو جدير بالإشادة وبالعرفان.
وها أنذا أسهم في حفل رثائه وذكراه بتناول ناحية قيمة من رصيد ميراثه العلمي والخلقي والروحي راجياً أن تكون في صحائف أعماله يوم يبعث الله عباده.. وهي ناحية (الوحدوية الإسلامية)..
نعم أيها الأخوة.. لقد كان فقيدنا الراحل ذا وحدوية أخوية سمعتها أحياناً عن كثب وقرأتها بعد ذلك في تلك الكلمة اللطيفة والمعارضة النابضة بنفحات الخير في أبيات شائقة أبى عليه تواضعه الجم رحمه الله إلا أن يصفعا بأنها خزف بإزاء لؤلؤ وإليكم لمحة من ملابسات الأصل والمعارضة تذكرة وعبرة, كان ذلك نتيجة مباراة خطابية في موسم ذكرى المولد قبل عامين في بعض مساجد حلب الشهباء بين لونين من النظر إلى الأمور والأحوال من زاوية إسلامية يجنح أحدهما صوب الصبغة التصوفية كما ينحو الآخر نحو ولاء سلفي خاص.. وطرح في الحلبة اسم (الوهابية) كما طرح اسم (النقشبندية) في سياق لا مجال لتفصيله في كلمة رثائية وفائية..
ومهما يكن من أمر فإن تطورات الأحداث أملت على الشاعر الغزيل أن ينظم قصدية ثنائية بعنوان: (هوامش نقشبندية على اوراق وهابي).
ومعذرة إذا كان هذا العرض يتضمن التصريح بأمور غير مأنوسة أو غير مألوفة في تقاليد حياتنا الثقافية الراهنة ولكن التحديات من حولنا تملي علينا أن نتبادل الرأي بصراحة وبشجاعة أدبية.. ونعوذ بالله من فتنة القول والعمل جميعاً..
ولقد بدا للشاعر أن يمهد لقصيدته تلك ببعض الهوامش التي نظمها وهو يتجول في حي الأنصاري بحلب.. والتي أكملها وعرضها فقيدنا والمعارضة هنا هي أن تنظم بالوزن والقافية نفسها وليس من شأن المعارضة أن تعني (المناقضة).
وإليكم أولاً تلك الهوامش:
ببالغ فرحة الرفقة *** وخالص لوعة لحرقة
يبث غدير شوقه *** إلى التوحيد لا الفرقة
وينسج من هوامشه *** على علاتها (خرقة)
يطرز نقشبندياً *** على أفواهها ذوقة
ويحبوها رفاعياً *** صفاء الجو ذي الزرقة
ومن (جيلان) يعطيها *** جمالاً زادها رقة
جهاد (الشاذلي) أتى *** ليسكب فوقها ودقة
وبالسلفية المثلى *** أتتها روعة الدقة
تآخى الكل في الإسلام *** كي لا تبع الشقة
فلا تهنوا أيا أعلون *** ولتقضوا على الفرقة
فكل مبادئ الأعدا *** ضلال فاغر شدقة
ليبلع مجد أمتنا *** ويبنى صرحه فوقه
وإن لم نتحد ضعنا *** وضاعت فرصت حقة
فبشرى للألى لمحوا *** سنا تبيانها برقة
وشاموا البرق شامياً *** وعافوا غربه شرقه
مهاجرة مناصرة *** إلى الإسلام يا رفقة
فزان جهادهم نصر *** ونالوا الحظوة الحقة
تآخ زانه أدب *** ليبدي كلكم حذقه
ولئن كان الشاعر قد صرح للمفتي الراحل عليه رحمه الله أنه لا يريد بالصفة النقشبندية والحال كما وردت بها في تلك الهوامش معنى إصلاحياً تاريخياً محدداً, وإنما يأخذ الدلالة اللغوية باعتبار المسألة مسألة نقش على القلوب..
وقد قيل: (نور الحقيقية خير من نور الحديقة). ولئن كان الأمر كذلك فما زلت أذكر ما أسمعني إياه الراحل الفاضل أمام وفاته بالجامع الصغير ذات مساء وهو التكملة والإضافة التي جعلتني أخصه بالصفة الداعية إلى التآخي الإسلامي والدعوة الوحدوية بين فصائل أهل الدين وأبناء الإسلام ورحم الله من قال:
أبي الإسلام لا أب لي سواه *** وإذا افتخروا بقيس أو تميم..
وسأعقب على أبياته ونفحاته بموجز القول والبيان لأن دلالتها جلية صريحة.
قال بعد البيت:
يطرز نقشبندياً *** على أفواهها ذوقة
ويحبوها رفاعياً *** صفاء الجو ذي الزرقة
ومن (جيلان) يعطيها *** جمالاً زادها رقة
جهاد (الشاذلي) أتى *** ليسكب فوقها ودقة
وبالسلفية المثلى *** أتتها روعة الدقة
تآخى الكل في الإسلام *** كي لا تبع الشقة
فلا تهنوا أيا أعلون *** ولتقضوا على الفرقة
فكل مبادئ الأعدا *** ضلال فاغر شدقة
ليبلع مجد أمتنا *** ويبنى صرحه فوقه
وإن لم نتحد ضعنا *** وضاعت فرصت حقة
وهكذا تجدون يا إخواننا أن ما وصفته بالوحدوية الإسلامية, جلي بين في منازع صاحب الأبيات عليه الرحمة وشآبيب الغفران والرضوان..
وما زلت أذكر في نطاق محاوراتنا من أشار إليه – على دعوته الاتحادية الإسلامية – من أن النقشبندية تدعى طريقة العلماء.. بمعنى الحرص على هداية الكتاب والسنة.. ولقد سبق الشيخ الجنيد رحمه الله تعالى إلى القول: علمنا هذا مشيد على الكتاب والسنة.. فمن رأيتموه يمشي على الماء أو يطير في الهواء ولا يبني سلوكه ومعتقده على الأصول والأركان فلا تعتدوا به.. فإنما الأمر استدراج.. والله أعلم..
ولا يفوتني من الختام أن أشير إلى ذكر الرفاعي والجيلاني والشاذلي أغراني بالعودة إلى كتاب (البرهان المؤيد) للشيخ الرفاعي أحمد.. وسبق لي أن تمتعت بما كتبه أبو الحسن الندوي حول الشيخ الجيلاني عبد القادر.. كما نعمت بما كتبه شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود حول الشاذلي واستوقفتني في كتاب البرهان للرفاعي عبارة من باب القول والحكمة وهي قوله: (إنكار بوارق الأرواح جهل بمدد الفتاح).. فلنستمطر سحائب الرحمة الربانية والعطاء الإلهي.
ولنذكر دائماً قوله تعالى: (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً) سورة الكهف 109.
ولنذكر من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه دعا إلى إعداد القوة المعنوية والروحية لمواجهة فتنة المسيح الدجال.. وذلك بالآيات الأواخر من سورة الكهف بخاصة, والله وحده خير مأمول ومسؤول أن يفيض علينا وعليكم من غيثه العميم عطائه الجزيل ما تكمئن به القلوب وتحيا به النفوس حياة رضية طيبة.. والسلام عليكم ورحمه الله. اهـ
وسوم: العدد 688