وقفة أدبية مع النتائج الانتخابية البرلمانية

حين سمعت وزير الداخلية يعلن نتائج الانتخابات البرلمانية استوقفني حسابه وعده بالنسبة لحزب المصباح الذي كان عدد المقاعد التي حصدها تسعة وتسعين مقعدا ، وسرعان من حضرني وجود هذا العدد في ثقافتنا العربية والإسلامية . فهذا العدد ورد في كتاب الله عز وجل في قوله  تعالى في سورة" ص" (( إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب ))، كما ورد في الشعر الجاهلي وتحديدا في معلقة النابغة الذبياني التي مطلعها :

والتي مدح فيها ملك الحيرة النعمان بن المنذر بن ماء السماء، واعتذر له  فيها وتبرأ مما نسبه له الواشون به .  والوقفة الأدبية مع الانتخابات البرلمانية  لن تكون وقفة مع حكاية  هذا العدد في سورة "ص" بل ستكون مع العدد الوارد في معلقة النابغة .  ففي سياق مدح النابغة للنعمان ووصفه بالكرم والجود و قال :

وفي ذلك تعبير عن رغبة الشاعر في هبة النعمان الكبرى، والتي تمنى أن تكون مائة من النوق النجيبة . ويرجو النابغة أن يكون حكم الممدوح في العطية كحكم زرقاء اليمامة ،وتدعى عنز، وكانت امرأة من طسم وجديس، وهي العرب البائدة، و كانت ترى على بعد مسيرة ثلاثة أيام ، فرأت يوما سربا من القطا، وهو نوع من الطير يشبه الحمام في حجمه ،فاستطاعت بعينها التي تقطع المسافات في لحظات  أن تعدها ،فوجدتها تستا وستين  حمامة ، وتمنت لو زاد عددها نصف  ما عدت ،فيصير تسعا وتسعين لتضيف إليها حمامتها، ويصير العدد مائة . وقد ضمن الشاعر النابغة حكاية زرقاء اليمامة في قصيدته فقال  مخاطبا الممدوح :

والحمام الشراع الوارد الثمد، هو الحمام المتهافت على ماء الصيف النادر والعزيز، وقد كان سربه يمر مسرعا بين قنتي جبل أو بين فجين  في جبل، ومع ذلك عدته زرقاء اليمامة وهو على تلك الحال من الطيران السريع ، فلما نزل بالماء ليرتوي عده العادون فوجدوه كما قالت ، وقيل وقع في شباك صياد، فعده فوجده كما ذكرت لم ينقص ، ولم يزد .  ومما قاله شراح معلقة النابغة أن العدد تسعة وتسعين عدد  إذا استعمل كان محدودا ، ودافعا للتوهم ، وليس  حاله كالعدد مائة الذي يكون تقريبا حين يستعمل .

أما التعليق الأدبي على نتائج الانتخابات البرلمانية فهو كالآتي :

لقد كانت زرقاء اليمامة بالأمس مع أنصار حزب المصباح، وقد بعثت من زمنها الضارب في القدم، ومن قومها طسم وجديس البائدة ، وعدت أصوات المصوتين على هذا الحزب  مستعملة بصرها الحاد  كما وصفه الشاعر : ( مثل الزجاجة لم يكحل من الرمد )، فوجدتها ستة وستين، وتمنت لو زاد نصف هذا العدد ليصير تسعة وتسعين، فكان لها  ما رأت ،وما تمنت ، وكانت أسرع في عد الأصوات من العادين الذي وجدوا العدد كما عدته. فقبل أن تنتهي عملية الاقتراع كان أصحاب حزب المصباح ينظرون ببصر زرقاء اليمامة ، ولم يصدقهم أحد  في عدهم للأصوات التي تمنوها كما تمنتها الزرقاء حتى حسّبها وعّدها  العادون فوجدوها كما تمناها إخوان بنكيران إلا أنها نقصت عما تمنته الزرقاء بصوت، ولم تزد لتصل المائة . وكم تمنى أنصار حزب المصباح حينئذ لو أنها  صارت مائة لم تزد ولم تنقص، إلا أن العدد تسعة وتسعون لم يزد بل نقص مع حلول الصباح ثم ما لبث أن زاد بعد ذلك، فحصد المصباحيون مائة وخمسة وعشرين صوتا ، وكذبوا  تكهن زرقاء اليمامة ،وهي التي لم تكذب من قبل في كهنوتها، ولعل بصرها الحاد قد اكتحل من الرمد مع طول غيابها، وبعد عصرها عن عصر السرعة التي صارت تفوق سرعة بصرها .

واستكمالا للتعليق الأدبي بدا الأمين العام لحزب المصباح  في تصريحه بعد أن استيقن من حساب زرقاء اليمامة كالنابغة، وهو يرغب في عطاء النعمان ويعبر عن إخلاصه للمؤسسات، وخاصة المؤسسة الملكية ولسان حاله كما عبر النابغة :

ولست أدري هل سينال بنكيران من العفو ما ناله النابغة من النعمان ؟

وأعتذر للسادة المحللين السياسيين عن هذا التعليق الأدبي على حدث سياسي وهو من فضول من يتعاطى الأدب  لأن بعد الأدب عن السياسة كبعد المشرقين .  

وسوم: العدد 689