فهم السياسة الشرعية....
يرجى التأني في قراءتها ومابين سطورها.......
من مشايخ الإصلاح (اليمن)
لا تكفي العاطفة لإقامة الشريعة!
استمعت أمس لأبي محمد الجولاني قائد النصرة في سوريا ولمست الصدق والإخلاص والصلاح بارزا في حديثه وسمته نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا وسأعلق على قوله أننا نسعى إلى هزيمة نظام بشار وإقامة دولة إسلامية تحكم بالشريعة إلخ...
وهذا التصريح ما أحبه إلى قلبي بل وقلب كل مسلم نقي الفكر من لوثة التغريب والعلمنة والجهل ففي إقامة الشرع عز الدنيا والآخرة
*ولكن يأبى فقه السياسة الشرعية هذه الِطيبة والأريحية في التصريح وكأن الجولاني يتحدث في لقاء خاص بالعلماء والدعاة
وكأنه لا يعلم بإسقاط حكام العرب والغرب لمرسي.
وأحرقوا مؤيديه في رابعة لاحتمال إقامته بعض الشرع أو هزيمة العلمانية والأفكار الهدامة في مصر وارتباط الأمة بدينها أكثر فكيف لو صرح بما سبق...
وكأن الجولاني لايعلم أيضا بأن عدم هزيمة الحوثيين في اليمن سببه تخوف حكومات عربية من الإصلاح الذي يقاتل مع التحالف
ضد الحوثي رغم خطر الحوثي على دول الخليج وكأنه أيضا لايعلم بمساندة أغلب
حكام العرب والغرب لمحاولة الإنقلاب الفاشل بحمد الله على أردوغان الذي لايحكم بالشريعة ولا يمنع المراقص والخمور والعُري إلخ...
ولكنه فقط يحاول مجرد محاولة إرجاع الأمة لدينها ومناصرته لقضاياها والتخفف البسيط من العلمانية...
وتغيير ما امكن من المنكرات واقامة ماأمكن من المعروف...
فهل من فعل ماسبق مع من يعتبرهم الجولاني مفرطين أو منحرفين سيسمح له بإقامة دولة إسلامية وهو الذي لايرى غير السيف وسيلة للحكم ويكفر بالإنتخابات وبكل آلية توافق عليها العالم للوصول للحكم...
* لابد من فقه الواقع إن أردنا حقا نصرة الإسلام...
ويشمل :
أولا معرفة قدرات الأعداء وإمكاناتهم الهائلة في كل المجالات العسكرية والإقتصادية والإعلامية والاستخباراتية...
إلخ فالشرع لايأمر ١٠٠ بجهاد ١٠٠٠ ولاأعزل بجهاد مسلح ولاضعفاء بجهاد أقوياء إلخ
ثانيا:
معرفة امكانات النصرة أو غيرها من الحركات الإسلامية وهي إمكانات تعتبر في كل مجال صفر أو قريبة منه...
أو بنسبة يستحيا من ذكرها مقارنة بأضعف حكومة عربية فضلا عن حكومة غربية...
ثالثا:
معرفة واقع الأمة أو على الأقل معرفة واقع واستعداد الناس الذين تريد أي حركة حكمهم بالشريعة الإسلامية...
وواقع الأمة يقول أنها غير مؤهلة لأن تحكم بالإسلام في هذه الفترة...
فالتلوث الفكري يكتسح كوباءٍ خبيث ملايين المسلمين وجعلهم خصوما إلِداء لكل دعوة للحكم بالشريعة...
لاسيما بعد ما أضيف إليها من مشاهد الذبح والسبايا وتفجير المساجد والأسواق إلخ... من كل هذه البشاعات...
وكل المسلمين صلحاء وطلحاء يريدون أن يعيشوا بأمان يدرس أولادهم في المدارس والجامعات ويتعالجون في المستشفيات ويعيشون بوضع اقتصادي معقول أو على الأقل كوضعهم في ظل الدول العلمانية
العربية...
فليسوا على استعداد للعيش تحت حكم جماعة تقصفها عشرات الدول برا وبحرا
وجوا...
وتُحاصر وتموت جوعا ومرضا وحياتها التعليمية والصحية وكل مجالات معيشتها العادية معطلة أو شبه معطلة لن تصبر الأمة على ذلك...
وإن سكتت فتره لخوفها ...
* إن تجاهل كل ماسبق وغيره من معوقات تطبيق الشريعة في هذا العصر والقفز فوق
كل ذلك ليس إلا حماسة إسلامية عاطفية
غير مدروسة العواقب...
لا تثمر غير سفك دماء المسلمين وخراب بلدانهم وتشويه الإسلام كما أنها عاطفة
غير مقتفية سنن الله في التغيير والبناء ومهملة أحكام وقواعد الفقه في حال الاضطرار وحال الاختيار حال الضعف
وحال القوة وإليكم بعض هذه القواعد
* القاعدة الأولى لايبين العالم من أحكام
الشرع إلا ما يمكن علمه والعمل به...
وعليه أن يتدرج في البلاغ كما تدرج النبي عليه الصلاة والسلام حتى لا يفتن الناس بتحميلهم مالا يطيقون...
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:
(العالم قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن،
كما أخر الله سبحانه إنزال وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيانها،
فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئًا فشيئًا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئًا فشيئًا،
ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به،
ولم تأتِ الشريعة جملة،
كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع.
فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ
إلا ماأمكن علمه والعمل به،
كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين...
ويذكر له جميع العلم؛
فإنه لا يطيق ذلك،
وإذا لم يطقه لم يكن واجبًا عليه في هذه الحال،
وإذا لم يكن واجبًا لم يكن للعالم والأمير
أن يوجبه جميعه ابتداءً،
بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان...
كما عفا الرسول صلى الله عليه وسلم عما
عفا عنه إلى وقت بيانه،
ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات
وترك الأمر بالواجبات؛
لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان
العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط، فتدبر هذا الأصل فإنه نافع)
مجموع الفتاوى٦٠/٢٠
* القاعدة الثانية،
إقامة الشريعة وتحكيمها واجب يسقط
بالعجز أو يطبق منها ما أمكن عند القدرة
طالما عجزنا عنها كلها ولنا عموم الأدلة المشترطة للقدرة عند كل واجب...
وفي قصة يوسف والنجاشي أسوة فالعجز مسقط لكل واجب...
قال الإمام ابن القيم (ومن قواعد الشرع الكلية أنه لاواجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة )
اعلام الموقعين ١٧/٢
* فإن قالوا:
لسنا عجزة كما تقول ،
فلنا قدرة على تحقيق شيء وإن سبب أضرارا كبيرة...
لكننا عملنا مابوسعنا قلنا لايعتبر عند ائمة الإسلام مستطيعا استطاعة شرعية من قدر على فعل بعض الواجبات مع مشقة هائلة أو أضرار فادحة...
فلا يجب عليه فعل الواجب إن أدى لهذه المفاسد...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
( فالشرع لا ينظر في الإستطاعة الشرعية إلى مجرد إمكان الفعل، بل ينظر إلى لوازم ذلك، فإذا كان الفعل ممكنا مع المفسدة الراجحة لم تكن هذه استطاعة شرعية )
منهاج السنة النبوية٤٩/٣
وقال أيضاً (والإستطاعة في الشرع هي:
مالايحصل معه للمكلَّف ضرر راجح ... )
مجموع الفتاوى ١٠٣/١٤
ونحو ذلك قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري...٥٨٨/2
ونقله العلامة المعلمي عن أهل العلم،
كما في آثار الشيخ عبد الرحمن المعلمي١٩١/٢
*إذاً من قدر على فعل الواجب بمشقة شديدة وأضرار كبيرة بنفسه فهو عاجز لايلزمه فعل هذا الواجب،
فكيف لو أضر نفسه والامه والدين وصد عن سبيل الله بتشويهه؟
قال ابن تيمية رحمه الله:
( بل مما ينبغي أن يعرف أن الاستطاعة الشرعية المشروطة في الأمر والنهي لم يكتف الشارع فيها بمجرد المُكنة ولو مع الضرر بل متى كان العبد قادرا على الفعل مع ضرر يلحقه جعل كالعاجز في مواضع كثيرة من الشريعة...) مجموع الفتاوى ٤٤٠/٨
*لايعني كل ماسبق التفريط بالشريعة وثوابت الإسلام والإنحراف نحو العلمنة معاذ الله
وإنما يعني أن نعرف جيدا فقه الاستضعاف -أي الفقه حال ضعف المسلمين-
كما يسميه بعض العلماء...
فالقوة لها أحكام والضعف له أحكام فلا نترك الحماس والإندفاع يخدعنا ويصورنا كأقوياء فالأمة في غاية الضعف والتفكك...
بل هي في نظري تشبه حالتها في عهد التتار فعلينا أن نأخذ من الواجب ما يناسب الواقع والإسلام لايأمر بما لايمكن فعله في الواقع
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
(فالواجب شيء والواقع شيء والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب وينفذ الواجب
إعلام الموقعين١٦٩/٤
*وإذا لم يفقه الدعاة فقه الواقع وفقه الشرع وحكموا بالشريعة فيما سيطروا عليه من القرى والمدن أضروا بالناس وشوهوا الشرع
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
(فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله ... إلى قوله ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم، ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله)
اعلام الموقعين٦٩/١
*اخيرا كلامنا وجهناه لجبهة النصرة أو فتح الشام وهي تملك آلاف المجاهدين وأسلحة كثيرة...
ومع ذلك بينا عجزها عن إقامة دولة تحكم بالشريعة أمام تكالب حكام العرب والعجم فكيف ببعض الشباب المتحمس هنا وهناك الذي ينادون بإقامة الشريعة بالقوة ولا يزيد عددهم على العشرات ولا يملكون غير بعض الآليات وبعض الذخيرة ولن يحققوا غير الأضرار بأنفسهم وبالمسلمين لو مضوا في طريق إقامة الشرع بالقوة وليعلم كل مخلص. للإسلام أن الإخلاص بلافقه لاينجيه أمام الله لاسيما إن أعرض عن العلماء وتجاوز الطرق الشرعية في إقامة المعروف والنهي عن المنكر
وفقنا الله جميعا لنصرة الاسلام بفقه واخلاص وحكمة...
اللهم آمين آمين..
وسوم: العدد 689