كيف تصالحها؟
أخبرني أن خلافات نشأت بينه وبين زوجته ؛ وأن هذه الخلافات تطورت إلى نزاع أدى إلى فراقهما ؛ فهي الآن في بيت أهلها تريد الطلاق وهو حائر في أمره لا يدري ماذا يفعل . سألتُه بعض الأسئلة التي أحطتُ من خلال إجاباته عليها بطبيعة خلافاته مع زوجته ، فوجدت أنها مثل كثير من الخلافات الزوجية الناشئة عن عدم فهم كل من الزوجين طبيعة الآخر . هذه الخلافات تزداد بمناقشة الرجل زوجته مناقشة عقلية صرفاً ، مناقشة قائمة على المنطق ، مجردة من العاطفة . عدم فهم الرجل طبيعة المرأة العاطفية يؤدي إلى إخفاقه في إقناعها ؛ على الرغم من الحجج والبراهين التي يسوقها لإفحامها وبيان أنها ليست على حق . وكذلك عدم فهم المرأة طبيعة الرجل العقلانية يمنعها من كسبه واستمالته . لكني أُحمِّل الرجل مسؤولية أكبر في عدم نجاحه في محاورة زوجته بسبب عدم فهمه طبيعتها . أعود إلى الرجل الذي بدأت الحديث عنه وما أخبرني به عن خلافاته مع زوجته التي أوصلته إلى نزاع جعلها تطلب الطلاق . قال لي : لقد اتفقت معها على لقائها لنبحث في وضعنا ، هي تريد الطلاق وأنا لا أريده ، ولكنني حائر لا أعرف كيف أنجح في صرفها عن طلب الطلاق ! قلت له : احرص أولاً ، وقبل لقائها ، على الدعاء ، ادع الله تعالى أن يفتح عليك لتقول الكلام الذي يصرفها عن طلبها . قال : وبعد ذلك . قلت : قبل أن تلتقيا أبعد عقلك عنك ، وأغلق الباب أمام ما تعلمته من منطق ! قال مستنكراً : ماذا تقول ؟ كيف أقنعها إذا أبعدت عقلي ومنطقي ؟!! قلت : لن تقنعها إذا استخدمت عقلك ومنطقك ، بل ستزيد الخلاف حدة ، وتقوِّي رغبتها في طلب الطلاق . قال : ماذا آخذ معي إذن إذا تركت عقلي وأبعدت منطقي ؟! قلت : تأخذ معك عاطفتك .. فبها تقنع زوجتك وتصرفها عن طلب الطلاق . ردَّ في دهشة : وماذا تفعل العاطفة إذا غاب العقل ؟ قلت : أما سمعت وقرأت عن الذكاء العاطفي ؟ قال : للعاطفة ذكاء ؟ قلت : وذكاؤها أقوى من ذكاء العقل !! قال : وكيف أستخدم هذا الذكاء العاطفي في لقائي بزوجتي ؟ قلت : أول شيء تفعله هو تبسمك في وجهها . قال : كيف أبتسم في وجهها وقد قالت عني ما قالت ؟! قلت : عدت لعقلك وفتحت الباب أمام المنطق الذي دعوتُك لإغلاقه قبل لقائك بزوجتك . قال : ماذا تعني ؟ قلت : إبعادك عقلك وحبسك منطقك يجعلانك تبتسم في وجهها . ولا تنسَ الذكاء العاطفي الذي جعلته مكان الذكاء العقلي ، فهذا الذكاء سيسهل لك الابتسام في وجهها . قل : فهمت الآن ما تريدني أن أفعله . قلت : بارك الله فيك . قال : وبعد أن أبتسم في وجهها . قلت : تقول لها ( أهلاً حبيبتي .. لقد اشتقت لك كثيراً ) . قال : لم أكن أنوي البدء بهذا … كنت أعد مجموعة من الردود على ما قالته عني واتهمتني به . قلت : لو فعلت هذا لدخلت معها في جدال تزيد به إصرارها على طلب الطلاق . قال : ماذا أفعل بعد ذلك ؟ قلت : تأخذ بيدها في عطف وحنو ومودة وأنت تقول لها : طوال بعدك عني وأنا في همٍّ وضيق وقلق … وأحسب أنك مثلي … وهذا يعني أننا خسرنا معاً … ولم يربح ويفرح إلا … وتوقف هنا لحظات قليلة ثم اسألها : هل تعرفين من ربح وفرح بخلافاتنا ؟ والأرجح أنها ستجيبك بقولها : الشيطان . وعندها قل لها : إذن دعينا نغلب الشيطان ونرجع إلى بيتنا ونفتح صفحة جديدة . قال : هذا كلام جميل ومؤثر .. وأتوقع أن تتلقاه بفرح ورضا وسرور … ولا شك في أنه خير من المواجهة التي كنتُ أحضِّر لها … ولكنها مع هذا كله قد تضع شروطاً وطلبات لتحقيقها لها قبل موافقتها على الرجوع إليَّ ؟! قلت : هذا ممكن .. ومحتمل ، ولكن عليـك أن تواصل إبعاد عقلك الذي قد يجعلك ترد عليها بقولك : ( أنا أقول لك حبيبتي ، ومشتاق إليك ، ودعينا نفتح صفحة جديدة ؛ وأنت تضعين شروطاً وطلبات ؟!! ) إذا رددت بهذا الرد فقد هدمتَ ما بنيته بذكائك العاطفي . قال : كيف أفعل إذن ؟ وماذا أقول إذا واجهتني بشروطها وطلباتها ؟! قلت : واصل استخدام ذكائك العاطفي وقل لها : كل طلب يرضاه الشرع ، وأقدر على تحقيقه ، على رأسي ، ومن عيني هذه قبل هذه . قال في شيء من الضيق : ولكني هكذا ألزم نفسي بأشياء قد لا أستطيع تحقيقها لها ؟! أو أشياء ليس لها حق فيها ؟ قلت : أنت بكلامك لها لم تعدها بتحقيق إلا الطلبات التي يرضاها الشرع وتستطيع تحقيقها … وهذا ما ينبغي أن يفعله كل رجل لامرأته . قال : وإذا أصرت على عرض طلباتها وبيان شروطها قبل أن تعود معي إلى البيت ؟ قلت : أخبرها أن الوقت الآن غير مناسب وقل لها : نحن اتفقنا على أن الشيطان هو الرابح بخلافنا ونزاعنا وافتراقنا . فدعينا نغلبه أولاً ، ونبعده عنا ، ونرجع إلى بيتنا ، وهناك نبحث في كل شيء . قال : وإذا عدنا إلى بيتنا .. هل نبحث في طلباتها ؟ قلت : لا تستعجل ذلك . قال : وإذا استعجلت هي ؟ قلت : أجِّلها بلطف ومودة .. وقل لها : إن المهم الآن استرجاع المودة والرحمة بيننا . قال : وكيف نسترجع المودة والرحمة ؟ قلت : بإغلاق باب الجدال نهائياً ، وهذا ما أمر به النبي r ، ثم بإسماعها عبارات الحب والثناء ، وشراء بعض ما تشتهيه من حاجات ، والتوقف عن لومها وتوجيه الأوامر لها … فإنك إن فعلت ذلك تستعيد المودة والرحمة وقد تتخلى هي عن مطالبها وشروطها . قال : وإذا طالبت بها وأصرت عليها . قلت : ابحث معها فيها ، وحقق لها ما هـو من حقوقها ، واعتذر عما يخالف الشرع من طلباتها ، وما لا تقدر على تحقيقه لها . ابتسم وقال : الله يجزيك الخير . قلت : ويجزيك الخير أيضاً على استشارتك وحرصك على أن تعرف كيف تعامل زوجتك .
وسوم: العدد 689