الأسوة .. والقدوة
لم أجد في المعاجم والمراجع اللغويِّة فرقاً لغويٌّاً ظاهراً بين معاني عبارتي الأسوة والقدوة..فكلاهما يعنيان الأنموذج الذي يُتَّبع في تحقيق الغايات خيرها وشرها..فمثلما هناك قدوة وأسوة حسنة..فهناك قدوة وأسوة سيئة..والقرآن الكريم استخدم عبارة "الأسوة الحسنة"مما يؤكداً وجود (الأسوة السيئة) فقال سبحانه:"لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"وقال جلَّ شأنه:"قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ"إلا أنَّ أمراً لفت نظري يجدر التوقف عنده وتدبره..ألا وهو أن المعاجم اللغويِّة تشير إلى أنَّ عبارة(أُسٌّ) هي الجذر اللغوي لعبارة الأسوة والأُسُ هو أساسُ الأمر وقاعدتُه العميقة..واستخدام الله تعالى (مصطلح الأسوة)..في توصيف نهج الأنبياء والرسل يوحي بأن (الأسوة) مصطلح أرفع وأجل وأشمل وأعمق في دلالاته من مصطلح (القدوة)وذلك من حيث شموليّة وتميّز خصائص وسمات ومحامد من يُوصف بها والله أعلم(فالأمر يحتاج إلى دراسة وتدبر وتحرير)واستئناساً بما بدا من عمق وشمولية وجلال لدلالة مصطلح الأسوة أرى أنَّه من الأنسب استخدامه للتعبير عن أمر اتباع والتزام نهج الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين..أما مصطلح (القدوة) فيستخدم للتعبير عن حالة اتباع واقتداء البشر بعضهم لبعض..وعلى أي حال يبقى المعنى العام لعبارتي (القدوة والأسوة):هو الأنموذج الأفضل كفاءة ومهارة وإبداعاً وأداءً وإتقاناً وإخلاصاً المُتّبع لتحقيق غاية نبيلة وجليلة في ميادين الحياة..ورسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يؤكد ذلك كله ويختصره في قوله الكريم:"إنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ"أجل..فإتقان الأعمال والإبداع والتألق في أدائها وتطوير وسائلها وتحسين ثمراتها..بكل تأكيد يبقى جوهر ومحور ومقصد مهمة الاستخلاف الربَّاني الراشد للإنسان في الأرض..وذلك امتثالاً واستجابة وطاعة لتحقيق أمر الله تعالى:"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"وبعد..فإن التحدي الأكبر والأصعب هو كيف السبيل إلى ذلك..؟وما هي الآليات العملية الناجعة للتحول بالأجيال إقليمياً وكونياً من ثقافة مواطنة الاستهلاك إلى ثقافة مواطنة الإنتاج والإبداع..؟فهذا الأمر يتطلب قيادات تمتلك قدرات الإبداع ومهارات الأداء..ومن فضل الله تعالى أن أمتنا فيها الكثير من هذا النوع وما سمو الأمير خالد الفيصل- سلمه الله تعالى- وهو يرفع شعار(كيف نكون قدوة..؟)والذي أبدع أيما إبداع وهو يقول:"من الكعبة وإليها- بناء الإنسان وتنمية المكان-إلا أحدهم ومن فرسانهم..ولِمَ العجب ..؟!ألسنا أبناء خير أمة أخرجت للناس..؟
وسوم: العدد 690