دماء لوقا وأحمد .. خانة الوطن لا الديانة
جنديان. الأول هو لوقا شكري المسيحي والثاني أحمد يسري المسلم، أصيبا وهما يواجهان معا الهجوم الإرهابي على كمين زغدان بشمال سيناء. الاسمان لوقا شكري وأحمد يسري يردان في كشوف المصابين المعلنة من الجيش. أصيب لوقا بطلقة في يده اليمنى وأحمد اخترقت بدنه الشظايا. وعندما سال الدم هنا وسال هناك لم يطلب أحد من الدماء النازفة التوقيع في خانة الديانة. لقد وقع الاثنان معا في خانة الوطن. عاد لوقا إلي المنيا ورجع أحمد إلي البحيرة، لكنهما سوف يلتقيان ثانية ويحملان السلاح معا ويقفان تحت الشمس اللاهبة كتفا بكتف،ويتقاسمان الخبز وجرعة الماء من جديد. من هذه الضفيرة الوطنية خلق التاريخ المصري بكل انتصاراته، بعبقرية طه حسين جنبا إلي جنب مع سلامة موسى، بلويس عوض ومحمد مندور، بماري منيب وزينات صدقي، بعبد المنعم رياض وباقي زكي يوسف. وقد كافح الشعب المصري طويلا لترسيخ شعار الدين لله والوطن للجميع، ومع ذلك مازال البعض يندهش من القرار الشجاع الذي اتخذه د. جابر نصار رئيس جامعة القاهرة بالغاء خانة الديانة كبيان في كافة الشهادات والمستندات والأوراق التي تصدرها أو تتعامل بها جامعة القاهرة مع طلابها أو العاملين بها أو أعضاء هيئة التدريس أو الهيئة المعاونة أو الغير على أي وجه كان وفي جميع الكليات والمعاهد والمراكز سواء للمرحلة الجامعية الأولى أو الدراسات العليا. وهذا القرار بدهي، ومفهوم، إذ أن ما يعنيني في الطالب ليس ديانته لكن مستوى ذكائه واجتهاده وتحصيله للعلوم، أما ديانة الانسان فشأن لا يسأله عنه سوى مالك الملك السميع البصير، وما يعنيني من كل إنسان هو عمله وأخلاقه لأن الدين المعاملة. أما التمييز الديني فهو سبيل لشق الوطن، وتحويل مصر إلي فرق وشراذم، لأننا إذا فتحنا باب التميز الديني فلن يقتصر على المسيحي والمسلم، بل سيمتد كما نرى أحيانا إلي المسلمين من شيعة وسنة وإلي المسيحيين من كاثوليك وأرثوذكس وغير ذلك. وقد اتخذت نقابة المهندسين خطوة شجاعة مماثلة لخطوة د. جابر نصار حين أعلن المهندس محمد خضر الأمين العام لنقابة المهندسين أن النقابة قررت إلغاء خانة الديانة من كافة تعاملاتها وأوراقها. وننتظر خطوات مماثلة من النقابات والهيئات الأخرى. وقد يقول البعض إن ذلك لن يلغي التمييز، إذ يظل اسم جرجس دليلا على عقيدته، كما أن اسم محمد يشير إلي ديانة صاحبه. نعم. ذلك لن يلغي التمييز لكنه سيكون إعلانا بأننا نرفض التمييز حتى لو كان في طيات ودواخل المجتمع، وسيكون إعلانا بأننا سنقاوم التمييز الذي يضرب بجذوره بعيدا. ومازال البعض يذكر أنه حينما أنشئت الجامعة الأهلية في 1908وهي التي تحولت فيما بعد إلي جامعة القاهرة، دعى جورجي زيدان لالقاء محاضرات فيها عن تاريخ الاسلام نظرا لتعمقه في ذلك، ثم انتبه البعض إلي أن جورجي زيدان مسيحي فأوقف العمل بالدعوة! أما أديبنا العظيم نجيب محفوظ فقد رشحته الجامعة بعد حصوله على شهادته لمنحة في فرنسا لكن اسمه بدا غير واضح الهوية فألغوا المنحة وعلق محفوظ على ذلك " الحمد لله قدموا لي أكبر خدمة"! لهذا أستغرب رد فعل وزير التعليم العالي أشرف الشيحي الذي قال عن قرار جابر نصار : " الكلام ده بيعمل فتنة .. وعيب نتكلم فيه". الفتنة يا معالي الوزير في التمييز وليس في إلغائه. وتبقى مصر تتشبث بوحدة دماء لوقا وأحمد ، ووحدة أماني الاثنين، في خانة الوطنية المصرية، حيث لا يسأل أحد عن هوية الدم الذي جرى أو الجرح الذي نزف.
وسوم: العدد 691