الأكاذيب الأميركية في الثورة الشامية

كي تفهم السياسة الأميركية في سوريا عليك أن تفهم سياسة أميركا تجاه إيران، فقد كشفت أخيراً وول ستريت جورنال أن طهران هددت أوباما بوقف كافة أشكال التفاوض معه إن هو  قصف النظام السوري عقب تخطي الأخير للخط الأحمر الذي حدده أوباما،  باستخدامه الكيماوي في الغوطة، وبحسب وسائل الإعلام الأميركية فإن أوباما رد على التهديد الإيراني بالتنصل من التدخل بإطلاق بالونات دخانية للتغطية على حقيقة سياسته الرامية لتحاشي إغضاب إيران التي ترى في نظام طاغية الشام رصيداً استراتيجياً لا يمكن التضحية به، إذن فقد كان شعار أوباما وخامنئي العملي " الاتفاق النووي مقابل بقاء أسد" ولعل هذا ما يفسر رعب الأميركيين من إصرار الروس بالكشف عن تفاصيل اتفاق كيري ـ لافروف.

 إذ أن ذلك سيُعري الأميركيين أمام حلفائهم، ويعزز الموقف الروسي، لكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن أوباما ومنذ الثورة الخضراء في إيران عام 2009 وقف مع الملالي ضد الثورة وثوارها، ولذا كان من  الطبيعي أن يقف معها بدعم حليفها أسد، بعد أن دعم السيسي ضد الحكومة المنتخبة المنبثقة عن ثورة يناير، ودعم الانقلابيين في ليبيا على خيار الشعب والثورة، ودعم بشكل خفي أيضاً الحوثيين ضد الشرعية..

 وهنا يحسن سرد الأكاذيب العشرة التي يرددها الساسة الأميركيون تجاه الثورة السورية؟

1-   القاعدة وأخواتها: ما إن ظهرت داعش حتى كانت هدية السماء لسياسة أوباما حيث بدأ بالتعامل مع الروس والإيرانيين كحلفاء حقيقيين وفعليين وعمليين في مواجهة داعش على حساب ثورة شعب عظيم، ووضع رأس الأسد على الرف تماماً، وهو ما برر سياسته الخفية غير العلنية ورغبته الفعلية بعدم التطرق لرحيل الأسد بذريعة مكافحة الإرهاب الذي تطرب له آذان كل صانع قرار أميركي، فجيش السياسة وعبأ الإعلام وراءه ضد الوحش المفترض والمنتوج متناسياً الوحش الأسدي الطائفي الحقيقي والمصنع لهذه المنتوجات .

2-   الفوضى ومؤسسات الدولة: ما إن تتحدث عن رحيل   الطاغية حتى يفاجئك البعض وماذا عن مصير الدولة والمؤسسات وكأن ما يجري من تدمير ممنهج وإبادة خطيرة في حمص وحلب وريف دمشق ودرعا ودير الزور والرقة وإدلب وغيرها يقع خارج الكون، وكأن مؤسسات الدولة فقط هي  القوة القاتلة من جيش واستخبارات، وكأن جيش أسد ومخابراته لا تزال هي من تقاتل وليس المليشيات الطائفية بدعم الاحتلال الإيراني والروسي، بينما كل مراكز الدراسات الغربية تتحدث عن نهاية هذه المؤسسات منذ 2013، وأن من يحمي العصابة اليوم هو الاحتلال والمليشيات الطائفية..

3-   الانجرار لحرب جديدة: يبرر الأميركيون موقفهم السلبي تجاه الثورة والإيجابي تجاه العصابة بأنه موقف يمنع من اندلاع حرب جديدة مع روسيا وإيران، والكل يعلم أنه في ذروة الحرب الباردة وفي المواجهة مع السوفييت في أفغانستان لم تقع، وكذلك خلال التدخل الأميركي في العراق وأفغانستان لاحقا ثم في ليبيا وهو ما يبدد تلك الأكذوبة، وثانياً فإن الثوار لا يريدون تدخلاً بقدر ما يريدون رفعا للفيتو الأميركي الظالم الموضوع على الدول الصديقة لتزويدها الثوار بأسلحة نوعية مضادة للطائرات..

وإن كانت المواجهة مع موسكو قادمة، فمعالجتها لا تكون بهذه الطريقة من خلال إفساح الساحة تماماً لها ولأسلحلتها وعربدتها، وباعتقادي وما تفعله أميركا هو ربما تأجيلها، ولربما أيضاً لجر الروس إلى المستنقع السوري، وذلك إمعاناً في إغراقهم فيه.

4-   الحل السياسي : منذ 2012 سلكت الإدارة الأميركية نفس الكليشيه وهي أن الحل العسكري ليس حلاً، وأن الأخير سيقود إلى الفوضى، والواضح أن الحل العسكري للعصابة وحلفائها الاقليميين والدوليين مسموح به أميركياً وهذا ما ثبت من خلال عمليات التهجير والترانسفير الرهيبة التي تذكر بمشروع بن غوريون لتهجير أهل فلسطين لصالح يهود، أما المعارضة فعليها من المنظور الأميركي أن تجتر فقط هذه الكلمات التي لم يعد لها أي قيمة واقعية، بل  ومستهلكة ومضحكة للأميركيين أنفسهم فضلا عن غيرهم، بينما العالم يرى المجازر المتواصلة دون توقف بحق مليون شهيد و11 مليون مهجر فضلاً عن تدمير البلد، ولاتزال السياسة الأميركية تتبجح بحل سياسي،وهي التي ترفض متر مكعب واحد كمنطقة آمنة لحماية أطفال الشام...

5-   حماية الأقليات: تتبجح الادارة الأميركية بقضية حماية الأقليات وكأن العصابة الطائفية هي من يحمي هذه الأقليات، ولا أدري إن كان حماية الأقليات بحكم الحديد والنار والاستبداد والديكتاتورية هو المناسب لها أم الحكم المستند لقاعدة شعبية ثورية كثورة الشام، وثانياً الكل يعلم اليوم عن التهجير الذي حصل للمسيحيين إبان حكم حافظ أسد، وما يحصل للمسيحيين في باب توما وتغيير ديمغرافي ينال  مناطقهم عبر استفزار الطائفيين من العراق ولبنان لهم، وأخيراً لا أدري ما قيمة الأقليات وقيمة سوريا بغير مكونها السني الأصيل الذي حمى سوريا ومكوناتها لقرون مديدة.

6-   إسلامية الثورة: يتحدث الأميركيون عن إسلامية الثورة، وهم الذين لم يتعاملوا بجدية مع رؤوساء ائتلاف من خلفية مسيحية ودرزية وحتى علوية، ولم يتعاملوا بجدية مع معارضة لم يكن يومها قد ظهر أي من الأحزاب الجهادية على الساحة، ولكن كأنهم كانوا يستدعون وينتظرون ظهور هذه الجماعات لحرمان الشعب السوري من نيل حريته، أما رفع الشعارات الطائفية من قبل المليشيات الأجنبية عابرة الحدود فلا غبار أميركي عليه.

7-   الأسلحة النوعية ووقوعها باليد الخطأ: هذه الأسلحة  وقعت بأيدي غلاة الكرد وكذلك الدواعش، وتبين أن أسلحة التاو ونحوه لم توجه إلا لقتلة الشعب السوري، وهذا تأكد على مدى سنوات، بينما رأينا المليشيات الطائفية العراقية بحسب الصحف الأميركية التي وصلت أخيراً إلى حلب تم تدريبها وتسليحها أميركياً، وهو ما يذكر بغزو العراق بذريعة كاذبة وهي السلاح الكيماوي، مقابل منع الأسلحة النوعية عن المعارضة السورية بذريعة كاذبة تماماً ..

8-   مجموعة أطباء وحرفيين وصيادلة: هكذا قال الرئيس الأميركي أوباما منذ بداية عهده عن ثوار الشام، وكأن من وقف معهم في العراق  حين احتله كبار جنرالات وأدميرالات الحرب العراقيين، وأن من وقف مع أسلافه في أفغانستان أيام الغزو السوفياتي، نفس الجنرالات، وهو أمر مضحك وكلام مسخرة سياسية بامتياز، في حين تجاهل عمداً انشقاق عشرات الآلاف من الجنود والضباط السوريين عن الطائفيين.

9-   التدخل بحاجة لنظريات إيديولوجية: هكذا يقول البعض في الإدارة الأميركية، ويبررون ذلك بتدخلهم في أفغانستان أيام السوفييت، ولكن ماذا عن تدخلهم في فيتنام أيام إدارة جونسون بذريعة مكافحة الفقر هناك، وكذلك التدخل تحت شعار عملية الأمل في الصوما، والتدخل في دارفور، وغيرها من التدخلات، في حين التدخل لمواجهة الروس اليوم مبرر بالعذر الذي يتعذرون به  أكثر من أي تدخل سابق ولربما لاحق..

وستتواصل الأكاذيب الأميركية بحق الثورة الشامية، يقابلها حقيقة صادقة صادمة للأميركيين أنهم خسروا السوريين بكافة أصنافهم وشرائحهم، وهم سيذكرون الكذب والوعود الأميركية اليوم تماماً كما يذكرون وعود ويلسون لهم مطلع القرن الماضي يوم أسلمهم فرنسا، و ها هو أوباما يسلمهم لروسيا وغيرها..

وسوم: العدد 691