دلالات فعل " ضرب " في الفصحى والعامية المغربية
يبلغ غنى اللغة العربية ما لا يبلغه غيرها من اللغات ، ولا تجاريها في مضمارها بل لا تتعلق بغبارها ، ففضلا عن كونها وسعت كتاب الله عز وجل لفظا وغاية كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم متحدثا بلسانها
وسعت كتاب الله لفظا وغاية وما ضقت عن آي به وعظات
فإنها لغة مجازية بامتياز ،مجاز في غاية الروعة بحيث تجاوز ألفاظها الحقيقة بشكل لا يكاد يحصل في غيرها من اللغات . ولقد دار بيني وبين أحد الفضلاء الظرفاء من أقاربي حديث تعلق بدلالة فعل " ضرب " في العامية المغربية حيث لاحظ أن هذا الفعل يسد حين يستعمل مجازا مسد كثير من الأفعال حتى يخيل لمن يستعرض دلالاته المتعددة أنه فعل وصي على أفعال كثيرة لا مندوحة لها عنه. وكان حديثنا أول الأمر بغرض التفكه، لكنه تحول إلى التفاتة لغوية هامة رأيت أن أحرر فيها مقالا لفائدة لكل مغرم بلغة الضاد .
1 ) فعل" ضرب " في الفصحى :
له معنى حقيقي، وهو الإصابة بعصا أو بسيف أو بغير ذلك مما يستعمل للعنف. وقريب من الدلالة على الإصابة يقال : ضربت العقرب إذا لدغت . وينفتح هذا الفعل العجيب على العديد من الدلالات المجازية منها :ضرب بمعنى رمى ، وضرب الشيء إذا تحرك ، وضرب العرق إذا اختلج ، وضرب بيده إذا أشار ، وضرب بالقداح إذا أجالها ، وضرب في البوق إذا نفخ فيه ، وضرب الصلاة إذا أقامها ، وضرب الخيمة إذا نصبها ، وضرب الليل إذا طال ، وضربت العنكبوت نسجها إذا بنت بيتها ، وضرب بنفسه الأرض إذا أقام فيها ، وضربه البرد إذا أصابه ، وضربت الأرض إذا أصابها الصقيع ، وضرب على يده إذا أمسكها ، وضرب القاضي على يده إذا حجز عليه ومنعه ، وضرب على أذنه إذا منعه السمع ، وضرب عن فلان كذا إذا أمسكه عنه ، وضرب فلان عن فلان إذا كفه ومنعه ، وضرب عنه صفحا إذا أعرض عنه وأهمله ، ويقال " ضربت عنه جروتي " إذا زهدت فيه ، وانصرفت عنه ، وضرب بذقنه الأرض إذا خاف وجبن ، وضرب الزمان إذا مضى وانصرم ، وضربت الطير إذا ذهبت تبتغي رزقها ، وضرب بنفسه الأرض إذا سافر ، ويقال أيضا ضرب أكباد الإبل إذا سافر السفر الطويل ، وضرب الشيء بالشيء إذا خلطه ، وضرب النجاد إذا خاطها ، وضرب الدرهم إذا سبكه ، وضرب الخاتم إذا صاغه ، وضرب الأجل إذا عينه ، وضرب المثل إذا قاله ، وضرب له سهما إذا عينه ، وضرب عليه الجزية إذا أوجبها ، وضرب الدهر بيننا إذا فرق بيننا ، وضرب إليه إذا مال ، وضرب الحاسب العدد في العدد إذا كرره .
2) فعل " ضرب " في العامية المغربية :
لا يختلف المعنى الحقيقي لهذا الفعل في العامية المغربية عنه في الفصحى ، وتلتقي معها في بعض المعاني المجازية لهذا الفعل ، كما أنها تنفرد بمعان مجازية خاصة بها كما سنلاحظ ، ومن ذلك قولهم : ضربه حمار الليل إذا استيقظ تائها وفعل فعلا دون وعي منه ، وضربه البرد إذا أصابه الزكام ، وضرب الخبز أو الطعام إذا أكله ، وضرب قهوة أو شايا إذا شربهما ،وضرب بالنعاس إذا نام ويقولون " ضربها بنعسة " ، وضرب عليه إذا أعرض عنه، وشطب عليه ، وكذلك إذا بحث عنه ، وضرب على رأسه إذا دافع ونافح عن نفسه ، وضرب التلفون إذا اتصل بغيره عبر الهاتف ، وضربه الله إذا انحرف عن الجادة ، وضربه الضوء إذا صعق بالكهرباء ، وضربه السلك إذا فقد الصواب ، وضرب هذا بهذا إذا احتال ، وضرب له تلفا إذا ضيعه ، وضرب الخماسي في السداسي إذا فكر وقدرأصاب أم أخطأ، ويقال في الفصحى أيضا ضرب الأخماس في الأسداس ، وضربته يده أو ضرب رأسه برأسه إذا أصاب من نفسه ، ونال منها ، وضرب عنده إذا زاره ، وضرب حماما إذا استحم ويقولون " ضربها بتحميمة " وهي مثل " ضربها بنعسة " ، وضرب " فران " وهو الحصار إذا توقف حقيقة أو أحجم مجازا، "وضرب فيه الفقد" ، إذا تفقده ، وضربها لك بكوستيم " أي بذلة إذا لبسها وتكون أنيقة ، ومثلها " ضربها بمشطة " إذا امتشط ، و"ضربها بجرية " إذا جرى وعدا ، " وضربها بسكتة " إذا سكت وصمت ،" وضربه بنكرة " إذا تنكر أو أنكر ولم يعترف أو غمط غيره حقه ، " وضربها بسلتة " إذا هرب وفر وأفلت ، "وضربها بسكرة " إذا لعبت برأسه الخمرة ،" وضربها بغبرة" إذا انقطعت أخباره ، "ولم يضرب فيها ضربة " إذا لم يشتغل أو غش ولم يقم بواجبه ، ويقولون " ماضربش فيها ضربة " "وضرب له الطر" إذا احتال عليه ، "وضرب وأخطا " إذا تعثر،" وضربة ببطلة " حين يقضى الدواء على الداء قضاء مبرما ، وضربه في ظهره إذا اغتابه ، وضرب جيبه إذا سرق ما عنده، وضرب فيه إذا اغتابه ... ويستعمل هذا الفعل في العامية المغربية استعمالا مجازيا يدل على أفعال لا يسمح المقام بذكرها.
ويلاحظ من يستعرض فعل" ضرب" في العامية المغربية أنه الفعل الذي يسد مسد الكثير من الأفعال ، وأن الإنسان المغربي يستعير الضرب في كل شيء جدا وهزلا ، وأن فعل الضرب الذي يدل معناه الحقيقي على العنف أضفت عليه الشخصية المغربية المرحة دلالات مجازية فيها رقة، وأناقة، وجمال، وظرف وفكاهة ، وحكمة ...
وخلاصة القول أن اللغة العامية المغربية نهلت من أمها الفصحى البلاغة الجميلة الأنيقة .
وسوم: العدد 693