التوجس مما يسمى الإسلام السياسي هو السر وراء تقارب المتباعدين
الإسلام السياسي في تعريف الغرب هو وصول أحزاب ذات مرجعية دينية إسلامية إلى مراكز صنع القرار . ويوافق الروس وغيرهم الغرب في هذا التعريف . ويتوجس الجميع من هذا الإسلام السياسي الذي يعتبر منافسا للعلمانية المعولمة بل مهددا لها بالنسبة لأصحابها . ولم يكن الغرب ولا الشرق منزعجين من تيارات سياسية عربية لا تتبنى المرجعية الدينية ، وكانت هذه التيارات تدور إما في فلك الأمريكان أو في فلك الروس ، كما كانت هي رقعة الشطرنج التي جمعت واشنطن وموسكو حول لعبة ما يسمى الحرب الباردة حيث تتحول البرودة بينهما إلى حرارة فوق الأرض العربية حيث توجد أرخص الدماء في هذا العالم . ومع شيوع اليأس لدى الشعوب العربية من تلك التيارات السياسية الفاشلة والمسيرة من عاصمتي الغرب والشرق ، بدأ التوجه نحو الدين والتدين طلبا للتخلص من التبعية المقيتة التي أورثت العرب ذلا غير مسبوق ، وهو ما خلق التوجس لدى القوى الكبرى من هذا التوجه المعلن للتمرد على وحش العولمة الكاسر الذي يسعى إلى صهر كل التيارات والثقافات في بوتقته لينفرد بقيادة العالم دون منافس . ولقد كان هذا التوجس من الإسلام السياسي هو السر وراء تقارب المتباعدين ، فمن كان يتوقع تقارب العمامة الإيرانية مع الشيطان الأكبر الأمريكي حسب الوصف الإيراني ؟ ولقد ترك الطرفان خلافهما جانبا بعد محادثات في عواصم غربية انتهت باتفاق أطلقت بموجبه يد العمامة في العراق وسوريا بعدما تحول التوجس من تحركاتها وأطماعها في المنطقة العربية إلى التوجس من الإسلام السياسي، وهو إسلام سني يعاديه الإسلام الشيعي . ونتج عن تفاهم العمامة مع الشيطان الأكبر محاولة تحويل العراق والشام إلى دولتين شيعيتين ، وكشف القناع عن عملية تهجير كبرى للرعايا السنة لتحقيق مشروع العمامة في الشام والعراق ، وهي عملية تصاحبها عملية استئصال لهؤلاء الرعايا السنة عن طريق القتل الممنهج تحت ذريعة محاربة عصابات داعش الإجرامية التي استنبتت استنباتا مخابراتيا من طرف النسر وحلفائه في بلاد الرافدين وبلاد الشام خصيصا لتكون ذريعة وتبريرا لشن الحرب على الرعايا السنة منعا لما يسميه الغرب وصول الإسلام السياسي إلى مراكز صنع القرار. ولتحقيق نفس الهدف وقع التقارب بين الدب الروسي والنسر الأمريكي ، وصارت لهما قوة ضاربة مشتركة ومعهما الشمعدان الصهيوني والجرو المصري والعباءة الخليجية. ولئن اختلفت هذه الأطراف ، فإن التوجس من الإسلام السياسي قد جمعها على هدف واحد هو قطع الطريق على هذا النوع من الإسلام . ولقد وجدت هذه الأطراف ضالتها في الحرب على الإسلام السياسي المتجاسر على العلمانية المعولمة . فالنسر الأمريكي له هدف استراتيجي في دخوله حرب الشرق الأوسط ، وهو لم يغز العراق إلا لتحقيق هذا الهدف ، وهو وضع يده على مقدرات البترول في منطقة الشرق الأوسط ، وهي أكبر المقدرات في العالم ، وعليها يتوقف اقتصاد ورفاهية النسر الأمريكي ، والصقور الغربية معه ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى حماية الكيان الصهيوني المستنبت في قلب الوطن العربي وضمان أمنه واستقراره ، والتمهيد له لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من فرات العراق إلى نيل مصر بل وما خلفهما . ومعلوم أن النسر الأمريكي إنما يطير في أجواء العالم البعيدة ويأتمر بأوامر الشمعدان الصهيوني ، وذلك بواسطة لوبي ماكر يتحكم في المال والسلاح ، و يصنع من الولايات المتحدة ما يريد وما يشاء ، ويركب ظهر حمار تارة وظهر فيل تارة أخرى وكلاهما يسلس له القياد . ولا يهدد النسر في هدفه سوى الإسلام السياسي . والعمامة الشيعية في إيران بدورها سنحت لها الفرصة للانتقام لشعوبيتها المكلومة من أحفاد قتلة الحسين كما تزعم ، وقد شنق حفيد قاتل الحسين الشهيد صدام حسين صبيحة عيد الأضحى بحبل شمعداني أعد خصيصا لذلك، وكان هدية للعمامة الشيعية في مستوى ما يحمله صدرها من حقد ساساني دفين على بني يعرب الذين كان أجدادهم في الجاهلية عبيدا لأجدادها الساسانيين ، فأعزهم الله عز وجل بالإسلام ، فأخمدوا نيران أسلافها المجوسية الذين دانوا وخضعوا لبني يعرب وقد وحدهم الإسلام ،وكانوا من قبل أشتاتا . ولهذا تتوجس العمامة الإيرانية من الإسلام السياسي توجس النسر الأمريكي ، وكل متوجس لمثيله نسيب . والدب الروسي الذي جز فروه حين انفصلت عنه اقطاعاته بما فيها تلك التي تسكنها جاليات مسلمة ، وكان سبب جز فروه تورطه في حرب خاسرة مع الإسلام السياسي في أرض أفغانستان، ولا زال الإسلام السياسي يهدده في عقر داره في أرض الشيشان ، لهذا عمد إلى شعار" أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم" توجسا مما قد يسلح جلده بعد جز الفرو ، ولهذا غزا بلاد الشام ، وهو يضرب بقوة الإسلام السياسي فيها بذريعة محاربة عصابات داعش الإجرامية علما بأنه على علم تام بأن النسر الأمريكي قد استنبتها مخابراتيا في الشام والعراق لتبرير تدخله العسكري فيهما وذلك لقطع الطريق على الإسلام السياسي ، وهو تبرير وافق هوى الدب الذي لا زال ينزف من ضربات القلنسوة الأفغانية والتي لن ينسى ما فعلت به أبدا .والشمعدان الصهيوني لم يستسغ صمود الإسلام السياسي في غزة هاشم ، وهو مصدر تهديد دائم له ، كما أنه يخشى أن تصل عدواه إلى كل شبر في فلسطين ، ويكون ذلك إيذانا بعودته إلى حياة التيه كما كان عبر قرون ، لهذا يخوض الحرب إلى جانب النسر والدب والعمامة في سوريا بذريعة محاربة الإرهاب والإجرام ، والإرهاب عنده هو المقاومة الباسلة في غزة والتي يراد تشويهها من خلال تشبيهها بعصابات داعش الإجرامية المصنعة مخابراتيا. والشمعدان يحتضن النظام الدموي في سوريا احتضان الأم لولدها الوحيد ، وقد كان من قبل يلعب دور العدو اللدود للشمعدان هو ووالده في المسرحية الهزلية بعنوان : " الممانعة والصمود والتصدي " . وأما سبب دخول جرو مصر الذي رضع ألبان الشمعدان حرب الشام، فهو التوجس من عودة الإسلام السياسي إلى أرض الكنانة من جديد بعدما تحالف النسر الأمريكي والشمعدان الصهيوني والعباءة الخليجية لتدبير الانقلاب عليه توجسا منه . وأما العباءة الخليجية فقد احتضنت جرو مصر لأنها تتوجس من الإسلام السياسي الذي قد يزيلها من فوق عروش البترول ، ولهذا انخرطت في صناعة الانقلاب على الإسلام السياسي في مصر بتمويلها له ، وبتخطيط وتدبير الشمعدان والنسر ، وتنفيذ الجرو الشرس .
وهكذا جمع التوجس من الإسلام السياسي بين من كان يظن أنهم متباعدون ممن ذكرنا ، وهو يجمع أيضا بين متباعدين آخرين لم نذكرهم ، ولكل واحد منهم حكاية مع الإسلام السياسي الذي هو فزاعة العلمانية المعولمة .
وسوم: العدد 694