اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة فرصة خصوم الإسلام للنيل منه
ازدادت وتيرة استهداف الإسلام منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر،علما بأنه كان دائما مستهدفا قبل ذلك إلا أن تلك الأحداث اتخذتها الولايات المتحدة ذريعة لتأليب باقي العالم عليه مع أنه لا يتحمل مسؤولية ما حدث فيها ، ولا يعتبر الذين هاجموا أمريكا أوصياء على الإسلام أو ممثلين له أو ناطقين باسمه ، وباسم أتباعه في العالم . وبسبب توظيف الولايات المتحدة لأحداث الحادي عشر من شتنبر ترسخ لدى الشعب الأمريكي والشعوب الأوروبية على وجه الخصوص أن الإسلام مرتبط بالإرهاب ، وصار وصف إرهابي هو الوصف المعادل لاسم مسلم في الثقافة الغربية التي توجهها الولايات المتحدة . وازداد تكريس فكرة إدانة الإسلام واتهامه بالإرهاب بعد تداعيات غزو العراق الذي حدث على خلفية أحداث الحادي عشر من شتنبر . ومن التداعيات أحداث الربيع العربي التي تمخضت عنها صراعات دامية فسحت المجال للعنف غير المسبوق الذي تمارسه عصابات إجرامية تدعي المرجعية الإسلامية، وهي مصنوعة مخابراتيا من أجل تبرير التدخل الأجنبي في الشرق الوسط ، وباقي أقطار الوطن العربي التي عرفت حراكا وثورات ضد بعض الأنظمة من جهة ، ومن جهة أخرى من أجل النيل من الإسلام الذي يعتبر مصدر تهديد للعلمانية المعولمة التي تريد الهيمنة على العالم . ولا يفوّت أعداء الإسلام فرصة دون محاولة النيل منه . ومن الفرص التي تغتنم أيام دولية يحتفل بها مثل اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة حيث يجد مستهفو الإسلام منفذا لحشره في قضية هذا النوع ما دامت تهمة العنف قد ألصقت به. ويستبيح مستهدفو الإسلام نصوص القرآن الكريم والسنة المتعلقة بقضايا المرأة للنيل منه . ومن النصوص المستهدفة قول الله عز وجل : (( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن )) . ويضرب مستهدفو الإسلام صفحا عن سياق وألفاظ هذه الآية ، ويقفون عند لفظة " واضربوهن " لاتهامه بإباحة العنف ضد المرأة وإدانته . ومعلوم أن القرآن الكريم يأخذ بعضه برقاب بعض ، وله أسباب نزول لا بد من الإلمام بها . فهذه الآية مسبوقة بقوله تعالى : (( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله بكل شيء عليما )) ، وسبب نزول هذه الآية هو أن بعض النساء ومنهن أم سلمة رضي الله عنها قلن : " ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشركناهم في الغزو " ومباشرة بعد ذلك يقول الله عز وجل: (( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )) وهذا بيان قوله تعالى : (( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض )) فقد فضل الله تعالى الرجال على النساء بسبب قوامتهم عليهن . والقوامة هي أن يقوم الإنسان على شأن شيء ويليه ويصلحه . وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع والإعالة كما يقول الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير.. ويقول أيضا:" والتفضيل هو تلك المزايا الجبلية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في حراستها والذب عنها" . كما يقول : "وهذا التفضيل ظهرت آثاره على مر العصور والأجيال فصار حقا مكتسبا للرجال ، وحاجة النساء للرجل مستمرة وإن كانت تقوى وتضعف " ويضيف أيضا : " تقرر في المجتمعات الإنسانية منذ القدم أن الرجال يعولون النساء ، والاكتساب من شأن الرجال الذي كان في عصر البداوة عبارة صيد وإغارة ... وصار في عصر الحضارة غرس وتجارة وإجارة ... ويندر أن تتولى النساء مساعي الاكتساب ". وهذا التفضيل مستحق للرجال بسبب القوامة وهو حكم عام ولا عبرة بالاستثاء حيث تنتفي القوامة، ومع ذلك يركب البعض الاستثناء لنفي التفضيل ، وهو أمر غير مقبول إذ لو جاز لكان كل حكم عام معرضا للنفي لمجرد وجود استثناء فيه . وبعد نهي الله عز وجل عن تمني النساء ما فضل الله به الرجال عليهن، وهو تفضيل قوامة ، جاء كلامه عز وجل عن علاج مشكل نشوز الزوجات ، وهو عصيان وترفع على الأزواج وإظهار الكراهية لهم إما لسوء خلق فيهن ، أو لرغبتهن في الانفصال عنهم والزواج بغيرهم ، أو لقسوة في طبع الرجال... والنشوز حالة استثناء لا يمكن أن تعمم على كل النساء . وقوله تعالى : (( واللاتي تخافون نشوزهن )) يعني تخافون عواقب نشوزهن أو مغبته ، وليس المقصود كل ما يقع بين الأزواج من مغاضبة بل الخوف مما يترتب عن النشوز من ضرر. ومعالجة النشوز تكون بالتدرج من الوعظ إلى الهجر إلى الضرب، وهي مراتب بمقدار الخوف من النشوز . وإذا كان الوعظ لا حد له ، والهجر له حد قيل أن أقصاه شهر ، فإنه من الصعب تحديد حجم الضرب لأنه قل من يعاقب على قدر الذنب ، والشريعة لا تسمح بأن يقضي الواحد لنفسه ، ولهذا قيد ضرب معالجة النشوز بتحري عدم إيقاع الضرر . ويقال أن آية الضرب نقضت حكما كان قد حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم لحبيبة بنت زيد بن أبي زهير التي نشزت من زوجها سعد بن الربيع الأنصاري فلطمها ، فشكا أبوها ذلك للنبي فأمر عليه السلام بأن تلطمه كما لطمها ، فلما نزلت آية الضرب قال عليه السلام : "أردت شيئا وأراد الله غيره ". ولا يكون علاج النشوز بالضرب إلا إذا كانت عواقب هذا النشوز وخيمة ومهددة لاستقرار الحياة الزوجية إذا ما كانت النية صادقة في الحرص على استمرارها واستقرارها ، أما إذا كان الأمر غير ذلك ، فلا جدوى أصلا من هذا العلاج . ولا بد من التمييز بين العنف وبين ضرب النشوز ، فالأول اعتداء لا مبرر له ، والثاني علاج سببه عواقب النشوز الوخيمة، وشتان بين الأمرين . وقد يعترض على هذا الذين يضمرون أو يظهرون رفض ما شرع الله عز وجل ، ويجعلون الضرب في علاج النشوز في الإسلام عنفا كباقي العنف الذي تتعرض له النساء في كل الملل والنحل . ويرفض هؤلاء ضرب النشوز، ولكن يمكن محاصرة اعتراضهم على هذا الضرب من خلال عرض حالات نشوز تفضي إلى عواقب وخيمة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نشوز الزوجة من خلال إصرارها على مغادرة بيت الزوجية متى شاءت دون إذن الزوج ، وبعد طول وعظ لها ، وبعد استكمال مدة هجرها ، وعدم جدوى الوعظ والهجر معها . وتكون نتيجة هذا النشوز عواقب وخيمة منها لجوء الزوجة خلال مغادرة بيت الزوجية إلى أماكن تثير الشبهة . والسؤال الذي يحاصر به الذين يرفضون زجر الزوجة الناشز بالضرب هو : أيهما أفضل ثني هذه الناشز عن نشوز قد يفضي بها إلى ضرر كبير أم تشجيعها على هذا النشوز؟ وإذا قيس الضرر المترتب عن علاج النشوز بالضرب مع الضرر المترتب عن النشوز كان هذا الأخير أشد وأفدح . ومن أضرار النشوز الانزلاق إلى هاوية الانحراف والفجور المهدد للمجتمع وللأسرة . و لا يمكن اعتبار ما يرتكب ضد الزيجات من عنف في غير حالات النشوز المستعصية أمرا مشروعا كما هو الحال بالنسبة للذين تذهب الخمر بعقولهم فيمارسون العنف ضد زوجاتهم ، ويبررون ذلك بآية معالجة النشوز علما بأنهم خارج إطار الاسلام وهم في حالة سكر. ولا يمكن اعتبار كل نوع من المغاضبة بين الأزواج والزوجات ، وهو أمر طبيعي في الحياة الزوجية مدعاة لاستعمال علاج النشوز في صيغة الضرب . ولا شك أن الجهات التي تطالب بالمساواة بين الجنسين ، وهي مساواة مستحيلة جبليا تروم هدم شريعة الإسلام في الأحوال الشخصية ،الشيء الذي جعل النساء المستلبات فكريا وثقافيا يتمنين ما فضل الله عز وجل به الرجال عليهن من قوامة ، ويخالفن بذلك أمرا إلهيا قطعيا ، و يرفضن الإذعان لعلاج النشوز بالضرب ، ويعتبرنه عنفا ضدهن . وأخيرا يتعين على أبناء هذا الدين خصوصا العلماء التصدي لحملة استهدافه خلال الاحتفالات بأيام دولية ذات صلة بالمجتمع العائلي كاليوم العالمي لمناهضة المرأة ، وغيره من الأيام التي يتخذها بعض مستهدفي الإسلام فرصا لغمزه وإلصاق التهم الملفقة به مع انسياق بعض المحسوبين عليه والمتنصلين من التزاماتهم الدينية مع أهداف مستهدفيه المبيتة .
وسوم: العدد 696