ثلاث قرى في الجليل في برديات من عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله..

حكم الخليفة العباسي جعفر المتوكل على الله بين السنوات 232-247ﻫ/847-861م. كانت عاصمته سامراء، وفي سنة 244ﻫ/858م انتقل إلى دمشق وأعلن عنها عاصمة له. هناك حاول الاستعانة بالعرب وإعادتهم إلى صفوف الجيش العباسي لكبح جماح المماليك الأتراك، ولكنه اضطر إلى العودة إلى سامراء تحت ضغط هؤلاء المماليك، الذين ثاروا وشغبوا عليه. في النهاية في عام 247ﻫ قتله الأتراك في قصره بسامراء وسيطروا على زمام الأمور في الدولة العباسية.

فكرة معينة عن مسح الأراضي وطرق تقدير الضريبة التي كانت موجودة في سورية أيام الخليفة العباسي المتوكل على الله ، يُمكننا الحصول عليها من ثلاث برديات محفوظة، حاليًا، في أرشيف جامعة شيكاغو. هذه البرديات صدرت عام 241ﻫ/855 على هيئة أوامر من المتوكل إلى أحمد بن محمد بن المدبر، الذي كان عاملاً للخراج في دمشق والأردن (التابعة لولي العهد المؤيد). في هذه البرديات توجد مقاييس للأراضي وسجلات شاملة لأنواع الأشجار والمحاصيل من أجل تعيين حجم الضريبة.

في البردية رقم 11236 ورد إعلان أعدّه العامل المحلي للمنطقة التي تقع فيها قرية الجباب من إقليم جبل الجليل. حدّدت القرية بالتفصيل وعُيّنت حدودها بمساعدة ديوان الأبنية. الأراضي هنا دفعت ضريبة حسب طريقة المساحة( الوظيفة) حيث حُدّد: مساحة الأرض المزروعة، نوع الأرض، جودتها وطرق سقايتها. هذه الأراضي رُويت بمياه الأمطار والطل( عذى) ومن مصادر مياه جوفية طبيعية.

في البردية رقم 11235 يوجد وصف لما حدث في قريتي شبان وقرحتا، الواقعتين في جبال إقليم الجليل، وفيه يرد ذكر أنواع مختلفة من الأراضي المرتفعة والمنخفضة، الجيدة والمتوسطة وعدد الأشجار، مثل أشجار الزيتون والفاكهة. بعض الأراضي كانت مُعفاة من الضريبة. كما ذُكرت مصادر دخل أخرى، مثل: أكوام من الزبل، جوالات، سمن طازج وقطع من الأخشاب لتقطيع اللحم. الضريبة على الأشجار فُرضت حسب المساحة( الوظيفة)، بينما على الخضار( أو على المحاصيل) حسب طريقة المقاسمة.

البردية رقم 11237 تصف وهدة تُروى بأمطار وفيرة. ورد هناك: أنواع الأراضي الخصبة والمتوسطة، عدد أشجار الزيتون قديمة العهد والحديثة، أكوام الزبل وتفاصيل أخرى. الطريقة التي بحسبها فُرضت الضريبة هنا كانت طريقة المساحة( الوظيفة). كانت الذراع التي قيست فيها الأرض تُسمّى غلاً، وهي على ما يبدو وحدة قياس محلية.

لم تتمكن الباحثة في جامعة شيكاغو نبيهة عبود من التعرف على القرى الثلاث المذكورة في البرديات أو تحديد مكانها الصحيح وبعد لأي قررت أن قرحتا تقع بالقرب من دمشق.! معتمدة على ما ذكره ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان، ولكن الباحثة نبيهة تناست أن دمشق لم تكن من إقليم جبل الجليل، وقد ورد في البرديات أن قرية الجباب من إقليم جبل الجليل وأن قريتي شبان وقرحتا بجبال إقليم الجليل. بالإضافة إلى ذلك البرديات الثلاث وجدت معًا، ما يجعلنا نعتقد أن القرى الثلاث متجاورة.

سنحاول الآن تحديد مكان قريتي قرحتا وشبان: في 2 أيلول سنة 1863م زار الرحالة الفرنسي فكتور جيرين الجليل الأعلى بفلسطين، ومرّ بخربة قرحتا الواقعة بالقرب من قرية سحماتا المهجرة. إلى الشرق منها كانت تقع قرية سبلان المهجرة، وما يزال مقام النبي سبلان قائمًا فيها حتى يومنا هذا. وليس من المستبعد أن تكون هي القرية الثانية التي ورد ذكرها في البردية رقم 11235. وما يدعم رأينا هذا أن اسمي القريتين وردا معًا في نفس النص، وأنهما في إقليم جبل الجليل. أما القرية الثالثة المسماة بالجباب من إقليم جبل الجليل والمذكورة في بردية رقم 11236 فأغلب الظن أنها قرية بيت جن في الجليل الأعلى حيت لا يزال السكان يطلقون على خلة هناك اسم خلة الجب لأن فيها آبار لتجميع المياه. كما أن بيت جن قريبة جدًا من سحماتا وسبلان بحيث تشكل القرى الثلاث مثلثًا متساوي الأضلاع.

مراجع ومصادر:

-برديات عربية من عهد جعفر المتوكل على الله(مقالةبالإنكليزية)، شيكاغو، 1938.

-فكتور جيرين، وصف جغرافي وتاريخي وأثري لفلسطين، باريس ،1875، ج7، الترجمة العبرية، القدس 1984، ص 35.

-محمد عقل، الدولة العباسية في عهد المتوكل على الله، رسالة دكتوراة، جامعة بار-إيلان، 1988.

-الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج9، ص 210(موقع المكتبة الشاملة).

وسوم: العدد 696