لبيك يا سوريا
الحمد لله الذي بارك في بلاد الشام، والصلاة والسلام على خير الأنام، وعلى آله وصحبه عليهم الصلاة والسلام؛ وبعد.
فإن ما نشاهده الآن لإخواننا في سوريا من إبادة جماعية وحرب طائفية، لا يستثنى منها النساء، ولا يُرحم الشيوخ والأطفال، مما يعصر القلب ألمًا، ويفت الأكباد فتًا، من حصار وعطش وجوع وأمراض، وأجساد تمزق وأرواح تزهق، ومساجد تهدم ،ومصاحف تحرق، وبيوت تهدم، وأشجار تقلع.
كلُ يومٍ ومجازرُ سـوريةْ بازديادْ ** كلُ يومٍ وبلدةٌ تتشحُ بالسَـوادْ
في الأمسِ كانتْ مضايا ** واليومَ حلب تعلن الحِدادْ
تساؤلات:
ونحن نتساءل :أين حق الأخوة الإسلامية التي أمرنا بها - صلى الله عليه وسلم- حيث قال:« المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» .(متفق عليه)
إن أخاك الحق من كان معك ** ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك ** شتت فيك شمله ليجمعك
وأين حق النخوة والشهامة العربية؟ لما حوصر النبي - صلى الله عليه وسلم- في شعب أبى طالب قام بعض المشركين بفك حصار الحصار؛ الكفار غاروا على حصار النبي- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضى الله عنهم!!! ألا يوجد في الأمة غيرة كغيرة المطعم بن عدى ،وأبى البختري وغيرهما؟ ألا يوجد في الأمة من ينصر سورها وأهلها! وأين ما يقرب من 2 مليار مسلم مما يحدث؟
أين ضمير العالم ومنظمات حقوق الإنسان من هذه الجرائم التي تحدث في سوريا ؟ أم أن الأمور لا زالت تقاس بمكاييل متعددة والعالم يتفرج يعاقب المظلوم ولا يتجرأ حتى أن يلوم الظالم!!!
لا تيأسوا:
ورغم كل هذه المآسي لا تيأسوا يا معاشر المسلمين، لا تيأسوا مما يحدث في سوريا وغيرها من بلاد الإسلام، فهذه ليست أول أزمة تمر بنا، فالأمة الإسلامية على طول تاريخها قد مرت بأزمات ونكبات كثيرة، من بدء الدعوة ، ونزول الوحى على قلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وتعذيب الصحابة ، وغزوة أحد ومؤته، ووفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- وأزمة الردة ومانعي الزكاة ومدعوا النبوة بعد موت النبي- صلى الله عليه وسلم- ومرورا بالهجمات التترية الغاشمة, و الحروب الصليبية الطاحنة، و زوال الخلافة ،واحتلال القدس، واستيلاء الطغاة على مقاليد الأمور في كثير من بلاد الإسلام، واضطهاد بعض الأقليات المسلمة في بعض البلاد، وانتشار بعض الأفكار المتطرفة التي لا تمثل الإسلام لا من قريب ولا بعيد.. إلخ
وكل هذا لا يدعونا إلى اليأس والقنوط من رحمة الله ، والأمل في الله – سبحانه وتعالى، فما بعد الضيق إلا الفرج، وما بعد العسر إلا اليسر ] فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)[ (الشرح)
ولرب نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعـــا وعند الله المخــــرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج.
فموسى - عليه السلام - بعد أن خرج مطارداً وكان فقيراً يجلس ويرفع يديه ويخفق بقلبه، ويلهج بلسانه، ]رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [ [القصص:24] فتفتح الأبواب، وتتيسر الأمور، ويدخل في الزواج، ويمر بالإجارة، ويدخل ميدان العمل، ويكلل بالنبوة، ويخص بأن يكون كليم الله - عز وجل - .
وأيوب – عليه السلام – يدعوا ربه ويقول: ] وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [ [الأنبياء:83] فجاء الجواب وجاءت النتيجة:] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ[[الأنبياء:84].
و المصطفى - صلى الله عليه وسلم- عندما ضاقت به الدنيا وطرد من الطائف وسَبُّوه وآذوه، رفع يده إلى الله وقال «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني أو إلى قريب ملكته أمري، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك». (أخرجه: الطبراني في معجمه عن عبد الله بن جعفر)
فساق الله الجن ليؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم- , ورَقَّ له قلب المشركيّن عتبه وشيبة ابنى ربيعه، وأسلم على يديه عداس ،ونزل ملك الجبال ليكون تحت أمره، إن شاء أن يطبق على أهل مكة الأخشبين لفعل بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن اليأس لم يخالط قلبه العظيم، ولكن الأمل والثقة في الله.
وعن سيدنا خباب بن الأرت – رضي الله عنه - قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال – صلى الله عليه وسلم - :« كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين ما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون».(أخرجه: البخاري وأحمد وغيرهما)
فالصحابة طردوا في مكة فهاجروا إلى الحبشة وإلى المدينة، و صاحب الدعوة و حامل رسالتها - صلى الله عليه وسلم – اضطهد, ووضع التراب على رأسه ووضعت النجاسة على ظهره, و خنق حتى كادت أنفاسه أن تخرج, و مع ذلك يبشر بالنصر و يبشر بموعود الله وبتمكين الله لهذا الدين في هذه الأزمة الحالكة، والفتنة العاتية القاسية، كما حدث بحفر الخندق ويكبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يحطم الصخرة ويقول: « الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأنظر المدائن وأنظر قصورها البيض من مكاني هذا الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأنظر إلى أبواب صنعاء من مكاني هذ». (أخرجه: أحمد، والنسائي عن البراء)
والشام يا عباد الله خيرة أرض لله، كما جاء عَنْ عبدالله ابْنِ حَوَالَةَ – رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:« سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق قال ابن حوالة خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك قال عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبى إليها خيرته من عباده فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غُدُركم (حوض الماء)فإن الله قد توكل لي بالشام وأهله» (أخرجه: أحمد، وأبو داود، والطبراني)
وعَنْ عبدالله ابْنِ حَوَالَةَ – رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:«عليك بالشام هل تدرون ما يقول الله؟ يقول: الله يا شام يدى عليك يا شام أنت صفوتي من بلادي أدخل فيك خيرتي من عبادي أنت سيف نقمتي وسوط عذابي أنت الأندر وإليك المحشر ورأيت ليلة أسرى بي عمودا أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة قلت ما تحملون قالوا عمود الإسلام أمرنا أن نضعه بالشام وبينا أنا نائم رأيت كتابًا اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله تخلى عن أهل الأرض فاتبعت بصرى فإذا هو نور ساطع بين يدى حتى وضع بالشام فمن أبى أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه وليستق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله »(أخرجه: الطبراني، وابن عساكر )
مبشرات بانتصار الإسلام:
والنصر قادم إن شاء الله ، وهذا موعود الله- جل جلاله- ورسوله – صلى الله عليه وسلم- كما جاء في مصادرنا الصحيحة.
فالقرآن الكريم حدثنا عن انتصار الإسلام، قال تعالى: ]أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ [[البقرة214]. وقال أيضا:]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [[النور:55]، وقال: ]وكان حقاً علينا نصر المؤمنين[ [الروم:47]،ويقول أيضا: ]يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)[[ الصف ]
والسنة النبوية أخبرتنا كذلك أن الإسلام سينتصر لا محالة، فعن تميم الداري – ضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقو ل: « ليبلغن هذا الأمر(الإسلام) ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر » (رواه أحمد والحاكم على شرط الشيخين)
وعن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- قال: قال- صلى الله عليه وسلم- :» تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكًا عضوضًا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها ثم تكون ملكًا جبرية ثم تكون خلافة على منهاج النبوة » .(رواه: أحمد والطبراني، وقال الهيثمي: رجاله ثقات)
والتاريخ يذكرنا بذلك أيضا، وكيف أن قوة الأمة لا تظهر إلا عند الشدائد، وأن قوة الإسلام قوة ذاتية مخزونة، لا تظهر إلا إذا أحاطت بها المحن، فتجده أصلب ما يكون عوداً، وأشد ما يكون قوة، وأقدر ما يكون على تفجير الطاقات المكنونة لأمته، وقد رأينا ذلك في بدر حين تغير مجرى التاريخ والمؤمنون يومئذ قلة، ورأينا في حروب الردة ورأينا في الأزمات العظام التي مرت بها الأمة.
فنحن أمة حطين التي استعادت فلسطين ، ونحن أمة عين جالوت التي انتصرت على التتار، ونحن أمة عبدالقادر الجزائري الذي قاد التحرير في الجزائر، وأمة عبدالكريم الخطابي الذي قاد التحرير في المغرب، وأمة عبدالقادر الحسيني وعز الدين القسام الذين قادا التحرير في فلسطين، وأمة عمر المختار الذى قاد التحرير ليبيا، وأمة حسن البنا وأحمد عرابي الذين قادا التحرير في مصر.
والواقع الحديث يبشرنا بانتصار الإسلام على جميع الجبهات. فلو اطلعت على خمسين أو أربعين سنة خلت وقارنتها بالحاضر لوجدت أن الإسلام دائما في تقدم وانتشار، ويكثر أتباعه ،وانتشرت مساجده في العالم كله، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران/139]
كيف ننصر سوريا:-
وإذا علمنا أن نصرة المسلمين في كل مكان واجب على الأمة، فنصرة أهلنا في سوريا الآن فرض عين وواجب الوقت، فكيف ننصرهم أمام هذه الحرب الكونية التى تشن عليهم؟
نقول هناك وسائل متعددة نستطيع من خلالها نصرة إخواننا في سوريا؛ منها: الضغط على الحكومات العربية والإسلامية والمنظمات الدولية بالتدخل الفوري لنجدة أهلنا في سوريا من خلال المشاركة في الفاعليات وإرسال رسائل لهم، وبالدعم المالي والبدني للشعب السوري، ونشر قضيتهم إعلامياً، واستخدام الوسائل النظامية والقانونية في الدفاع عنهم، والتواصل معهم عن طريق قنوات الاتصال الممكنة، وتثبيتهم، وبث روح التفاؤل فيهم، وكشف وفضح جرائم بشار وأعوانه، ومقاطعة بضائع الدول الداعمة للمجرمين في سوريا، مثل وروسيا وإيران، وتذكير الناس بما عليهم من حق لإخوانهم المظلومين، والدعاء لهم في كل الصلوات.
اللهم انصر إخواننا في سوريا وفى كل مكان وحين، على الطغاة وأعوانهم الظالمين، والحمد لله رب العالمين.
وسوم: العدد 699