شعب (الملاك) وشعب (العبيد)
علاء الدين العرابي
عضو رابطة الإسلام العالمية
يرصد المفكر جمال حمدان في رائعته " شخصية مصر عبقرية المكان " في مصر شعبين هما شعب (الملاك) وشعب (العبيد) يقول :
" كانت مصر تقليديا أساسا ما بين فراعنة وفلاحين ، وبقدر قوة وقسوة وثراء ونفوذ الطبقة الأولى ، بقدر انسحاق وفقر وتبعية الطبقة الثانية ، والخلاصة النهائية أن المجتمع كان ينقسم تقليديا إلى أقلية تملك ولا تعمل ، وأغلبية تعمل ولا تملك ..
ثم يقول والكلام لا يزال للمفكر جمال حمدان :
" وفي النتيجة تدهورت الفرعونية إلى دولة بوليسية تحمي الإقطاع وحكم الملاك ، وتجعل الفلاحين فيه أشبه بعبيد الأرض "
وبداية أحب أن أشير إلى أن لفظ (العبيد) لا يعني بالضرورة عبادة غير الله ، ولكنه لفظ يعبر عن واقع التبعية ، فقد ورد في الحديث الشريف كما جاء في صحيح البخاري :
" تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة إن أعطى رضى وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش .. " لذلك لا نستغرب لفظ عبيد الأرض من المفكر جمال حمدان
ولعل هذا التقسيم الذي رصده المفكر جمال حمدان كان حاصلا في مصر منذ عصر الفراعنة وحتى الآن ، رغم أن الدارس للتاريخ قد يُخرج الفترة الواقعة من بداية الفتح الإسلامي إلى حكم محمد علي ، فقد رجعت مصر إلى الإقطاع مرة أخرى
وقد يسأل البعض عن الدليل لما رصده المفكر جمال حمدان ؛ والإجابة سوف تأتي سريعة لا تحتاج لكثير بحث ، فقط يحتاج من يريد الدليل أن يتجول في العاصمة ، وسوف يسهل عليه بعدها الاقرار بهذه الحقيقة فلا عليه إلا أن يجول بعينه في أنحائها ليري عمارات شاهقة يسكنها عينة من شعب (الملاك) ، وبجوارها مناطق عشوائية يسكنها شعب (العبيد) ، ومن يريد أن يعمق الدليل فعليه أن يقوم بزيارة مدن شعب (الملاك) في الساحل الشمالي ، وعلى ساحل البحر الأحمر ، ثم يمضي بعدها إلى ريف مصر كي يري شعب (العبيد) غارقا في أوحال الفقر والجهل والمجاري والعشوائيات
نريد هنا أن نركز على فترة ما بعد ثورة 23 يوليو 1952 ..
قبل هذه الثورة كانت ظاهرة (الشعبين) واضحة جلية ، فشعب (الملاك) يمثله قلة من الباشوات – الإقطاعيين - يملكون أرض مصر ، وحول كل باشا مجموعة من شعب (العبيد) يزرعون تلك الأرض في مقابل لقيمات تضمن بقاءهم على قيد الحياة
ثم جاءت ثورة 23 يوليو ترفع شعارات القضاء على الإقطاع ، والعدالة الاجتماعية ، فهل تحققت تلك الشعارات ؟ والإجابة تجيب عنها الأرقام بعد (60) عاما من حكم تلك الثورة ، وتعكس الأرقام صورة من أبشع صور الإقطاع ، وصورة من أبشع صور الظلم الاجتماعي وفيما يلي بعض الأرقام :
- حسب تقرير البنك الدولي فإن 20% يمتلكون 80% من ثروات مصر ، فيما تمتلك نسبة الـ 80% الباقية 20% فقط من الثروات..
- وحسب التقرير أيضا فإن 1% من القلة المترفة أي من الـ 20% تمتلك لوحدها 50% من حجم ثروات هذه الطبقة، بينما يشترك الـ 99% الباقون في ملكية الـ 50% الباقية.
-
أظهرت مجلة "فوربس" الأمريكية في قائمة أثرى أثرياء العالم أن مصر قد احتلت صدارة
الدول العربية في القائمة من حيث عدد المليارديرات بـ 8 أسماء، اقتصرت على عائلات
ساويرس ومنصور والفايد، بإجمالي ثروات تقدر بـ (22.3 مليار دولار)،
وكشفت القائمة أيضًا عن سبعة من المصريين الثمانية يتوزعون على عائلتين: الأولى
عائلة ساويرس القبطية بأربعة أسماء، وعائلة منصور بثلاثة أسماء.
- أعلنت الحكومة المصرية أن الأقباط يمتلكون ثلث الثروة القومية وكبريات الشركات المصرية برغم أن نسبتهم تبلغ 10% من مجموع السكان، مشددة على عدم وجود تمييز بين مواطنيها من المسلمين والمسيحيين.
في ثورة 25 يناير خرج مجموعة من الشباب الذين يريدون أن يخرجوا مصر من معادلة شعبي (الملاك والعبيد ) ، وحاولوا بثورتهم أن يوجدوا شعبا ثالثا فاعلا ، أو يحولوا مصر إلى شعب واحد يملك ويحكم ؛ شعب واحد يخرج من طور العبودية لحاكم أو فرعون أو إقطاعي ، حاولوا ذلك ولا زالوا ، ولكنهم واجهوا شراسة الشعب الأول شعب (الملاك ) الذين يملكون الثروة والسلطة في حين أن هؤلاء الشباب لا يملكون أي قسط من السلطة أو الثروة ، لا يملكون غير إرادة التحرر
وفي انتظار رجوع شعب ( العبيد ) كله ليقف جميعهم مع الشعب مع هؤلاء الشباب الثائر ليكملوا معا ثورة التحرر ، ويضعون حدا لشعبين عاشا في وطن واحد منذ آلاف السنين إلى شعب واحد شعب يملك ويحكم ، شعب يتحرر من عبادة العبيد إلى عبادة رب العبيد .