إنسانية الصليبيين الجدد!
يعتمد الصليبيون المعاصرون منهج " الإسلام ضد الإسلام " الذي أوصى به بعض مفكريهم وقادتهم، ويقتضي هذا المنهج مزيدا من القوة بالاستغناء عن تجييش الجيوش، والتدخل فقط عند الضرورة ، فهناك وكلاء مسلمون مخلصون يقومون بالقتال نيابة عنهم ضد بني دينهم وعقيدتهم ووطنهم، ويحرزون انتصارات كبيرة على مدار الساعة قتلا وتدميرا وتهجيرا ونزوحا . ولم يكن سقوط حلب بعد تدميرها بطائرات الاحتلال الروسي المتقدمة وطائرات البراميل البعثية، والجيش الإيراني، والميليشيات المجوسية واستخدام القنابل العنقودية وغاز الكلور و"النابالم"؛ إلا نموذجا لإنسانية الصليبيين الجدد ووكلائهم بالمنطقة العربية والإسلامية .
دور الصليبيين في المنطقة معروف وإن كان بعض خدام الأنظمة العربية يحاولون إنكاره، أو التقليل من شأنه، ولكن أهل الصليب أنفسهم يعترفون بدور عواصمهم وزعمائهم في القتل والتدمير . فقد أكد كاردينال النمسا كريستوف شونبورن تورط الدول الغربية في الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، موضحا أن هدف هذه الحروب الهيمنة والسيطرة وتمزيق المنطقة. وقال شونبورن في تصريحات صحفية إن «الغرب أسهم في إشعال فتيل الحروب في سوريا والعراق والشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن مستودعات الأسلحة الكبيرة في الغرب تشكل داعما مهما لمناطق الحروب.
في الوقت نفسه، أكد حزب تجمع شتروناخ النمساوي المعارض أن ما يجرى في سوريا «صنع خارجها» بإشراف أميريكي بريطاني وفرنسي، وبدعم من دول إقليمية.
الصليبيون يضحكون على العرب والمسلمين السذج بأنهم يقفون إلى جانبهم. فريق يؤيد الوكلاء الخدم ، ويصنع القواعد والمليشيات ، وفريق آخر يعد بالدعم المادي أو وقف إطلاق النار ولكنه يكتفي بالكلام والحديث عن المعارضة المعتدلة والأخرى المتشددة ، ويمنع وكلاءه خارج دائرة القتال من تقديم العون الفعال والسلاح المؤثر ، والعرب أو المسلمون السذج ينتظرون الفرج على يد قاتليهم حتى صار منتهى الأمل هو إيقاف القتل والتدمير والتهجير أو النزوح إلى المجهول دون زاد أو متاع !
اللعبة القديمة الجديدة التي يستخدمها الصليبيون ووكلاؤهم هي الإرهاب . تسألهم عن معنى الإرهاب فلا تجد إجابة واضحة محددة . الإرهاب عندهم يبدأ معناه من مقاومة الاستعمار ومجاهدة الغزاة إلى الكفر بالعلمانية والإيمان بالإسلام . حين تقاوم الوحش النازي اليهودي في فلسطين فأنت إرهابي ، حين تقاوم المحتل الغاصب في العراق وسورية فأنت إرهابي . حين تقول إن العلمانية التي لا تحتمل وجود امرأة محجبة أو سماع صوت المؤذن كافرة فأنت إرهابي ، حين تقول إن احترام الإرادة الشعبية واجب والانقلاب عليها خطيئة فأنت إرهابي .. أنت إرهابي في كل الأحوال حين تكون مسلما تؤمن بأن الإسلام دين ودنيا ، عبادة وعمل ، ماض ومستقبل ..
لا مانع من اصطناع منظمات أو تنظيمات ترفع راية الإسلام ولا تفقه منه إلا الشكل والصورة ، فيتنادى الصليبيون في موسكو وواشنطن لمواجهة الإرهاب الإسلامي وتجنيد الوكلاء المسلمين ليحاربوا الإسلام كله والمسلمين كلهم .
تحت لافتة مواجهة الإرهاب يتم نقل أحداث الطائرات إلى بلاد المسلمين لا لتقتل التنظيمات والمنظمات الإرهابية المزعومة ؛ ولكن لتقتل الأطفال والنساء والرجال ، وتقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والأسواق الشعبية وأفران الخبز التي يتجمع أمامها الفقراء والبائسون وأبناء السبيل !
قال المحللون إن عام 2016 هو الأكثر دموية ضد الأطفال في سوريا كما شهد هذا العام بروز عدد كبير من الصور التي تظهر موت الأطفال الضحايا بعد قصف طائرات النظام السوري والاحتلال الروسي للأحياء الشعبية الواقعة تحت سيطرة المعارضة .. وانتشالهم أشلاء وأحيانا أحياء من تحت أكوام الأبنية المنهارة بفعل الانفجارات الضخمة.
وتشير الأمم المتحدة إلى وجود أكثر من نصف مليون طفل سوري في المناطق المحاصرة من قبل قوات النظام السوري وحلفائها، منهم مائة ألف طفل في المنطقة الشرقية لمدينة حلب وحدها قبل تدميرها وهدمها. ووفقا لمؤسسة شهداء الثورة السورية فإن عدد القتلى الأطفال منذ شهر آذار/مارس 2011 وحتى شهر نيسان/أبريل 2016 بلغ 17746 تتراوح أعمارهم بين شهر واحد و16 عاما.
إنسانية الصليبيين الجدد لا يعنيها أمر المظلومين أو الضحايا . مثلا لم يكن تحرير ما يقارب 100 ألف مدني من أحياء حلب الشرقية يوما من الأيام جزءاً من خطط أمريكا وفرنسا وبريطانيا وبقية دول التحالف الصليبي لمواجهة الإرهاب في سوريا والعراق كما قال المندوب السوري في مجلس الأمن. التوافق بين الصليبيين في موسكو وواشنطن وما بينهما يتم لتدمير الحواضر الإسلامية العظيمة التي قدمت للإنسانية أعظم إنتاج حضاري على مدى التاريخ الإسلامي ، تأمل تدمير بغداد والموصل وحلب وحماة وبقية المدن التي تحولت إلى أطلال ومدن أشباح .
بعض الناس كان يحلم أن تقوم واشنطن بإزاحة الوكيل الطاغية في دمشق ، ولكن واشنطن كانت تحلم بتأمين قاعدتها اليهودية المتقدمة في فلسطين المحتلة فساومت الوكيل ، وانتزعت منه المخزون الكيماوي ، وتركته يذبح شعبه ويدمر مدنه ويبدع بإلقاء البراميل والكلور والنابالم على المواطنين المساكين الذين يصفهم بالإرهابيين!!
الروس الصليبيون في مهمة القتل المقدسة - كما وصفها البطريرك كيريل بابا الأرثوذكس في موسكو - لا يعبأون بقانون وقيم ولا أخلاق ، والصليبيون الغربيون لا يفكرون في مآسي المسلمين التي يتحملون جزءا كبيرا في صناعتها ، وهؤلاء وأولاء ينتفضون عندما يُخدش صليبي بجرح ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها ، ولكنهم لم يحركوا ساكنا عندما أقدمت قوات الوكيل السفاح البعثي على إعدام المدنيين في حلب بعد وصولهم لمناطق سيطرتها واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً مثل غاز "الكلور"، وبث الذعر بين الأهالي لإجبارهم على النزوح، في إطار خطط النظام لاستلام المدينة فارغة من المقاتلين والسكان، إضافة إلى قطع المياه ومنع الطعام إلى درجة وصف ما يجري بأنه يشبه "يوم الحشر، إذ إن أعدادا كبيرة من الناس كانت تفترش الأرض (...) ولا أفران ولا مشافي ولا طعام ولا ماء".
إنسانية الصليبيين الجدد هي إنسانية الوكلاء العرب والمسلمين الذين صموا آذانهم عما يجري للشعب الأسير في سورية والعراق وليبيا وغيرها، وهي الإنسانية التي استثمرها شايلوك اليهودي في تل أبيب ليعلن عن استعداده لعلاج جرحي حلب في مستشفيات الكيان الصهيوني الغاصب! إنسانية الصليبيين الجدد تعني تدمير البشر والحجر في دول العرب والإسلام التي طلقت الحرية والعمل والقوة.
الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليم بالظالمين وأعوانهم !
وسوم: العدد 701