دمشق
ليس من عادتي أن أحتفلَ برأس السنةِ ... وها أنا على بعد خطوتين من الستين ولا أذكر أنني طوال حياتي أوْلَيْتُ اهتماماً إلى لحظةِ وداعِ سنةٍ واستقبال أخرى فهذا الأمر ما كان يوماً من الأيام يعنيني ...
شاءت الأقدار أن أكون في اللحظات الأخيرة لهذا العام في اسطنبول ... وبيتي في اسطنبول على رابيّةٍ تُطلُّ على خليج اسطنبول حيث كتب الله لي أن أكون بصحبةِ إبني أسامه لمتابعةِ دراسته الجامعيّة في جامعةٍ قريبةٍ من السكن الذي اخترناه ..
نافذةُ غرفتي تُطلُّ على خليج اسطنبول حيث تجتمع الشوارعُ المُحيطةُ به مع الحدائق التي تعكس ذوقَ وإخلاصَ من قام على تنفيذها ورعايتها، فلا تكاد ترى عيباً تُشير إليه ، ولعلَ ما أعطى المشهدَ جمالاً فصلُ الشتاء على ما يحمله من ظُلمٍ للاشجار والحدائق
وفصل الشتاء في اسطنبول باردٌ مُخيف ... واليوم من الأيام الشديدةِ البرودة ... رياحٌ عاصفةٌ وبردٌ شديدٌ وأمطارٌ كأفواه القِرَب تتناوب مع الثلج على إثبات أن شتاء اسطنبول لا يعرف الهزل .
حمَلني هذا المشهد الشتوي الصارخ إلى ليالي دمشقَ في أوائل السبعينيات عندما كان فصل الشتاء في دمشق يحمل الخيرَ في أمطاره وصحوةَ الهِمَمِ في برده ، ونقاء السريرةِ في بياض ثلجه ...
لا أدري وأنا أجلس قُبالةَ هذا المنظر الأخّاذ كيف مرّت دمشق أمام عيني بحالها الجديد المُريعِ !!! فكانت القصيده :
اليومَ في اسْطَنْبولَ ريحٌ عاتيَهْ
والبردُ يعبَثُ في الدروب الخاويَهْ
والليلُ والأمطارُ مرآةٌ بها
مرَّتْ دمشقُ حزينةً متهاويَهْ
الوجهُ وجهُ الشام أعرفهُ كما
عينايَ تعرِفُ وجْهَ بِنْتي ( غالِيَهْ ) !!!
وحجابها المعقودُ أعرفُ خيطَهُ
ذاك الذي نسَجَتْهُ كفُّ ( مُعاويَهْ )
مرّتْ دمشقُ وألفُ ذئبٍ خلْفَها
يعوي ... وألفُ كتيبةٍ متغاويَهْ
فالكلُّ يعرفُ ما يريدُ ... ووحدَها
هذي الدمشقُ تسيرُ نحو الهاويَهْ !!!
مسكينةٌ يا شامُ ... أنتِ يتيمةٌ
مثلي ... وأنتِ صدى القلوب الباكيَهْ
مسكينةٌ يا شام أنتِ ... وكلّنا
- مهمّا تأسَّفْنا - وحوشٌ ضاريَهْ
وحدي جلستُ على السرير ... فغرفتي
قرب الخليجِ على خواصرِ رابيَه
منها أطلُّ على دمشقَ بمُهجتي !!!
ويداي تمسحُ دمعَ ( بابِ الجابِيَهْ ) !!!
أتلمّسُ التاريخَ ... أَفتحُ بابهُ
أرنو إلى تلك القطوف الدانيَهْ
مَنْ مرّ في الشامِ القديمةِ لحظةً
يُدْرِكْ لِمَ الراياتُ كانت عاليَهْ !!!
واللهِ لولا الشامِ ... لَمْ تُرْفَعْ على
قِمَمِ الحضارةِ في المدائنِ ساريَهْ !!!
قَبْلَ اكتشافِ الغربِ سرَّ دوائه
أهدَتْ دمشقُ الغربَ سرَّ العافيَهْ
أهدَتْ إلى الدنيا سَحاباً لم يزلْ
إمّا ينابيعاً وإمّا ساقيَهْ
لو أنْصَفَتْ هذي الحضارةُ أهلَها
لأتَتْكِ خَجْلى عند بابكِ جاثيَهْ !!!
مِنْ غرفتي ... والعامُ في اسطنبولَ
يحملني على كفّ الثواني الباقيَه
وهديرُ أصواتِ ( الفراقِعِ ) في السماءِ
يقول لي : سنواتُ عمركَ فانيَهْ !!!
قبّلتُ خدَّ الشامِ عَبْرَ قصيدتي
وسكبتُ شهدَ محبتي في القافيَهْ
الدكتور وائل عبد الرحمن حبنّكه الميداني
وسوم: العدد 701