حرب الأقنعة في مدينة الباب السورية
أفرزت الحرب السورية جملة أزمات وعقبات يجدر بنا أن نتوقف عند بعضها بقليل من الإيضاح ، بعد عام 2013 صارت الأقنعة تعمل على الساحة السورية فكل قناع له صاحب وممول والشعب السوري هو الخاسر الوحيد بهذه الحرب حيث انقسمت الجغرافيا السورية لمناطق نفوذ بخطوط وهمية عمل المال السياسي على تثبيتها ميدانياً.
شمال سورية عبر التاريخ قديماً والمعاصر كان مسرحاً لصراع وسيطرة ، ذلك أنه ملتقى التبادل الثقافي والتجاري مع الأوربيين ، لذلك حرصت القوى الكبرى على التحكم فيه إن استطاعت إلى ذلك سبيلا.
ظهر تنظيم الدولة على المسرح السوري يريد إقامة خلافته ، كما تتطلع الأكراد إلى قيام دولتهم التي حلموا بها ، بينما الشعب السوري منشغلاً بجراحه ومقاومة جلاّده .
بدأ التنظيم بالسيطرة على الأرض و لم يكن له هَمْ إلا قطع الرؤوس والأيادي وتعطيل التعليم وقتل أي معترض وصلب أي مشتبه به ، استلم الأرض من فصائل المعارضة بكل سهولة وفتك بالناس فكل مقاوم هو مرتد زنديق ثم تطورت التهمة إلى الصحوات المرتدين حتى صارت صحوات مرتدين مفحوصين ، ومع كل تطور كان الأبرياء يتساقطون بالعشرات والمختفين في سجونه بالآلاف، أسّس نظام جباية ضرائب عجيب فكان تصنيف الشعب لديه إلى ثلاثة طبقات تفاضلية بالمعنى الحقيقي للكلمة فالأخوة المهاجرين (الغرباء) لهم كل شيء ولا يسألون عمّا يفعلون ومصدقيّن فيما إذا اتهموا أي إنسان من عوام المسلمين ( الفسّاق ) ليختفي في سجونهم ولا يحق لأحد السؤال عنه ، أما الأنصار فهم الأتباع من أبناء المنطقة الذين بايعوا التنظيم اؤلئك أقل درجة من الطبقة الأولى وهم غير مؤتمنين على أخبار السجون ولا أي معلومة تخص سياسة التنظيم وهم في حقيقة الأمر ليسوا أكثر من جواسيس مرتزقة مجرمين يعملون لصالح الطبقة الأولى بدون أي اعتراض ، أما طبقة العبيد فهم (عوام المسلمين ) وهذا التعبير يعني أنهم (فسّاق ) لا تصح الصلاة خلفهم ولا شهادتهم ، ليس لهم أرزاقهم و حق التملك فيها فكل أموالهم للدولة وما بأيديهم كالعارية يدفعون أُجرتها للدولة بضرائب مجحفة ، وفي حال موتهم بسبب القصف أو أي حال ، يتم الإعلان عنهم بالقتلى ولا يستحقون كلمة ( شهيد) عبر إعلامهم المرئي والمقروء أو المسموع فلا احترام لآدميتهم .!!
بدأ التنظيم تصدير مفهوم خلافته لكثير من الشباب بشعارات تشعل حماستهم وخداعهم عبر إسقاط مُضَلِلْ ومُغلَّفْ بجهل كبير للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ، ساعدهم في ذلك حالة اليأس والإحباط التي وصلت إليه الحالة السورية لمّا جلس العالم الغربي متفرّجاً غبيّاً بل و داعماً لطاغية دمشق ضد شعبه دون أي اعتبار لإنسانيتهم المقتولة .
تسارعت الأحداث في الشمال السوري ، أمريكا دعمت فصيل محدد مرفوض من عموم الأكراد سياسياً بمساعدتهم للحصول على دويلة انفصالية تهدف من خلاله غرس شوكة في الخاصرة التركية مما دفع الدولة المستهدفة إلى الانخراط في الصراع المسلح الدامي حتى تقطع الطريق على حليف الأمس وثعلب اليوم . كان لابد من مواجهة بين تركيا وتنظيم الدولة الذي ما فتئ يستهدف استقرار وأمن تركيا الداخلي ولكن هذه المواجهة في حقيقتها حرب مقنّعة أو حرب بالوكالة كُتِبَتْ فصولها فوق تراب مدينة الباب السورية ولكن مَنْ أصحاب الأقنعة المتحاربين .؟ تقاطع المصالح وعدم الاتفاق على مناطق النفوذ والسيطرة ساهم في زيادة لَهَبْ الحرب فحمّالين الحطب هم : إيران ، النظام السوري ، أمريكا وإسرائيل الخائفة من صعود تركيا اقتصادياً وتكنولوجياً ، حتى روسيا أيضاً الداعمة لتركيا بحذر شديد .
هؤلاء جميعاً يطيلون بقاء تنظيم الدولة في مدينة الباب السورية التي تعاني من ويلات القصف والتشريد والقتل والظلم الداعشي بمنع أهلها من مغادرة المدينة لاستخدامهم كمادة إعلامية بائسة ذلك أن كل القصف الذي كانت تتعرض له المدينة من النظام أو الروسي تَمَّ التكتيم عليه ومن نشر صورة واحدة فالقتل صلباً جزاء (المرتدين ) فما الذي غيّر سياستهم للبكاء على (عوام المسلمين) بالقصف التركي .؟ طُرق المدينة رُصدت بقنّاصة التنظيم من جهاتها الأربعة وزُرعت مئات الألغام في طريق الهاربين بأرواحهم من جحيم الحرب المجنونة فقد تم تدمير حتى كتابة هذه السطور 15 % من عمرانها وقُتل الآلاف من سكّانها سواء بالقصف أو بقرارات داعش التعسفية الظالمة.
إطالة الأزمة السورية والعبث باحتمالات نهايتها فتحت على العالم جميعه أزمات أكبر لكنها بالوقت نفسه كشفت خبايا فاضحة لكثير من المقنّعين بالشعارات القومية والوحدوية والدينية أيضاً ، كان الفائز الأكبر بالسقوط والفضيحة من اتخذ شعار المقاومة والممانعة له طريقاً حيث تبين للجميع أن مقاومته ضد الشعوب العربية فقط وممانعته كانت تعني منع أي مشروع حقيقي لحرية الشعب السوري .
وسوم: العدد 701