نَحْوَ عملٍ خيريّ مؤسسيّ رائد

نَحْوَ عملٍ خيريّ مؤسسيّ رائد

د. محمد عادل شوك

جمعية التيسير الخيرية ـ كللي

إن عددًا مما يبدو أنه مؤسسات خيرية لا يعدو كونه منظومة يتحكم في القرار فيها شخصية كارزمية، ذات تأثير معين؛ فهي تقوى بقوته وتضعف بضعفه، لذلك نلاحظ في أحيان كثيرة تذبذب إنتاجيتها، بل الأدهى من ذلك أن العاملين فيها يتصرفون على أن معيار قبولهم أو رفضهم ليس الإنتاج والإبداع، وإنما العلاقة والمداهنة لصاحب القرار فيها؛ لذلك نجدها بعيدة عن العمل المؤسسيّ، و لا يشعر العاملون فيها برضا، أو بأمن وظيفي؛ الأمر الذي يؤثر سلبًا على الإنتاج.

 لذلك نرى ضرورة وضع أسس صحيحة واستراتيجية لبناء العمل الخيري مؤسسيًّا, من أجل توضيح المفهوم الصحيح له، فهناك أعمال حققت النجاح عندما حولت عملها الفردي إلى مؤسسيّ، في عدد من الدول الخليجية ( الندوة العالمية للشباب الإسلامي، و مؤسسة الراجحي الخيرية، و مؤسسة السبيعي الخيرية ).

 إنّ هناك ضوابط لا بد من القيام بها عند تأسيس المشاريع الخيرية حتى تقوم على أساس قوي، واستراتيجية واضحة لا تتأثر بأية عوامل أخرى، وعليه يجب معرفة العوامل الرئيسة لنجاحها، أو فشلها. فالعمل المؤسسيّ يعتمد على الاستراتيجية في تحقيق نجاحاته وتطوير مكانة المؤسسة أو المنظمة التي ينتمي إليها، و نلح على ضرورة الاستفادة من تجارب المؤسسات الرائدة في العمل المؤسسيّ, ولا سيما في الدول التي نأت بنفسها عن النظام الشمولي، فهذا الأمر من شأنه أن يدفع بالعمل الخيري إلى النجاح.

 إن مفهوم العمل المؤسسيّ يتنوع تبعًا للغايات (القريبة والبعيدة) التي قامت لأجلها المؤسسة، و لمرجعيتها الثقافية والإدارية. ولعل الوصف الأشمل له: (( تجمع منظم يهدف إلى تحسين الأداء وفعالية العمل؛ لبلوغ أهداف محددة, يؤسس ويبنى على أسس، و معايير واضحة، تشمل الهيكل التنظيمي، والكوادر البشرية، والمخرجات، وسبل الوصول إليها )).

 هناك عناصر رئيسة يجب توافرها في العمل المؤسسيّ، كي ينمو، ويكبر، ويحقق أهدافه بشكل أوسع وأشمل, منها:

1ـ المشاركة الجماعية في اتخاذ القرار، و السعي للابتعاد عن التفرد في ذلك, ويتم هذا من خلال تشكيل مجلس إدارة له دراية بالعمل الخيري وكيفية تطويره، و البعد كل البعد عن العمل المؤسسيّ المزيف.

2ـ وضع الخطط البناءة لتحقيق أهداف بعيدة المدى بشكل منسق، القائمة على أسس ومبادئ وقيم تنظيمية محددة. فالتخطيط الاستراتيجي يجيب عن سؤالين مهمين، ما الوضع الحالي للمؤسسة؟ وما الوضع المستقبلي لها؟ و هو الأمر الذي يفيدها في التنبؤ بالمشكلات قبل حدوثها، بما يتيح اختيار أفضل الحلول لها، وهو كذلك يحدد مسار العمل، ويعينها على ترتيب أولوياتها في كل مرحلة, ويعينها على اختصار أوقات التنفيذ, و تقليل الهدر المالي والبشري, فضلا عن زيادة الكفاءة الإدارية، و زيادة فاعلية الأفراد.

3ـ التأكيد على تحقيق صفة التعاون عند تنفيذ القرارات، فهناك كثيرٌ من المؤسسات أضاعت كثيرًا من الجهود والأموال والأوقات، عندما تأخرت في القيام بالعمل المؤسسيّ الجماعي، وما ذاك إلا ثمرة لتوفيق الله تعالى لهم عندما التزموا أمره بالتعاون، وهي سنة كونية استفاد منها الغربيون حينما أخذوا بأسباب القوة، فجعلها الله سببا لنجاحهم وتفوقهم المادي، و هي الصفة التي حث عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية، بقوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- «يد الله مع الجماعة» وقوله: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا»، ناهيك عن أن العبادات الإسلامية عمومًا تؤكد على معنى العمل الجماعي.

4ـ بناء العمل على أسس علمية واضحة؛ من خلال إيجاد مجموعة من المتخصصين كلجنة استشارية ترغب في تحقيق الهدف نفسه، و لا سيما في العلاقات العامة وتنمية الموارد المالية، و نشدد على أن يكون فيها عدد من الوجهاء، و الموسرين.

 5ـ تعهد القائمين على العمل أنفسَهم: بتربيتها، وتزكيتها، والتأكيد على الإخلاص لله في القول و العمل، و نبذ حظوظ النفس، وتأهيلها وتفعيلها بأكبر قدر ممكن، من خلال التدريب وتنمية المهارات والتطوير المستمر، مع الحرص على العمل بروح الفريق، مع إعطاء الفرصة للموهوبين والنابغين للانطلاق.

6ـ الاعتماد على المتفرغين والمتخصصين في كل قسم من أقسام المؤسسة، مع تخصيص مقابل مادي لهم لقاء ما يقومون به؛ فما عاد يجدي نفعًا الاعتماد على المشحونين عاطفيًا في أي عمل يرتجى له الديمومة و الاستمرار، و يجب على هؤلاء أن يحملوا هم المؤسسة، ويؤمنوا بأهمية تحقيق أهدافها.

7ـ وجود كفاءات وقيادات مخلصة «القوي الأمين» قادرة على قبول التحديات والتطور، تبعاً لاحتياجات المهام التي توكل إليها.

8ـ وضوح الأهداف، و الرؤية، و الرسالة للعاملين في المؤسسة، والمجتمع المحيط بها، و المستفيدين منها؛ و يكون ذلك من خلال أهداف واضحة ومحددة ومتجانسة، أما إذا كان للمؤسسة أهداف كثيرة، و متشعبة فإن ذلك غالبًا ما يؤدي إلى فشلها.

9ـ اعتماد استراتيجية ( خطة، و منهاج عمل ) للمؤسسة، مقسمة على مراحل، و تحديد الأولويات في العمل والبدء بالأهم ثم المهم، مع الاهتمام بالقياس، و التقويم المستمر لكل قسم، وتقييم أدائه لمعرفة عناصر القوة كي نعززها، وعناصر الضعف لتقويتها؛ فالعمل المؤسسيّ الذي يعتمد على الاستراتيجية في تحقيق نجاحاته وتطوير مكانة المؤسسة، أو المنظمة، غالبًا ما يحالفه النجاح؛ لذلك لا يصح لأي عمل مؤسسيّ أن يسير من دون تبني استراتيجية واضحة معلومة للعاملين فيه.

10ـ التواصل مع المنظمات الإنسانية، و الإغاثية العالمية، و المؤسسات الدعوية الأخرى؛ من أجل تحقيق التكامل في العمل، و إحياء مبدأ الشراكة في العمل الخيري، و الاستفادة من تجارب الآخرين في العمل المؤسسيّ, ,والاستفادة من مقدرات، وإمكانات كل جهة، وإفادتهم فيما نملك إن أمكن.

11ـ إقامة الدورات التثقيفية العامة منها والخاصة؛ لبيان مفهوم العمل المؤسسيّ، و إشاعة ثقافته، وتفعيله في وسائل الإعلام المتاحة، و عقد الندوات؛ للقيام بدورها في توعية الناس في ذلك، من خلال تحفيز شرائح المجتمع كي تطالب بالعمل المؤسسيّ في قيادة هذه الجمعيات الخيرية، و الأهلية، و الإشادة بدور المؤسسات الخيرية التي تعتمد المؤسسية الحقيقية في أعمالها، واستقطاب العناصر الفاعلة في المجتمع للانخراط في العمل الخيري المؤسسيّ سواء كانوا متفرغين أو متطوعين.

12ـ وضوح الرؤية لدى دوائر اتخاذ القرار؛ بما يجعل القرارات المتخذة منهم قابلة للتنفيذ، و سبل النجاح ميسرة أمامها.

13ـ أن يكون للمؤسسة نظام، و لوائح دقيقة مكتوبة، و معتمدة، و متوافق عليها، تضبط وتنظم آلية العمل وأدوار العاملين، و تمثل مرجعية محددة لهم.