«لميس الحديدي» للخياطة والحياكة والذي منه!
تم إبعاد إبراهيم عيسى من التقديم التلفزيوني في قناة «القاهرة والناس»، فتداعت لهم لميس الحديدي وأخواتها بالسهر والحُمى، ولأن ما جرى مع عيسى رسالة لا تخطىء العين دلالتها، فقد كتبت الحديدي نعيها بيدها، وأخبرت إدارة القناة أن بيان استقالتها جاهز إذا كانت أسئلتها تزعج أحداً، وأنها ستتفرغ للخياطة والحياكة وأعمال المنزل، باعتبارها «واحدة ست». وكان هذا اكتشافا مذهلاً؛ يا إلهي إنها «واحدة ست»؟!
عندما قالت لميس عن المهنة التي تنتظرها حال إقالتها من العمل التلفزيوني، تذكرت مقالاً كتبته في سنة 2004 عنوانه «فتحي سرور للحياكة والخياطة والذي منه»؛ ذلك بأن المذكور وقد كان يشغل منصب رئيس مجلس الشعب المصري، قد غضب ذات جلسة لأن الإعلام المصري لا يتوقف عن وصف أعضاء البرلمان بـ «ترزية القوانين»، ولغير المصريين فإن «الترزي» هو «الخياط»، و«الترزية» وصف قديم للبرلمانيين الذي تخصصوا في تفصيل القوانين «على مقاس» الأنظمة الحاكمة. ومما قلته إن سرور لا يترأس برلماناً، ولكنه يدير محل للخياطة والحياكة والذي منه، وشرحنا مفهوم الخياطة، وخلصنا بأنه مرادف لمفهوم الحياكة، في شرح مطول ومفصل، لا يتسع له المقام.
فالخياطة وأعمال التريكو، هي مهنة لميس الحديدي إذا تقرر الاستغناء عن خدماتها، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية الأخرى، التي ستتفرغ لها باعتبارها «واحدة ست»، فيا له من اكتشاف أبلغ أثراً من اكتشاف طريق «رأس الرجاء الصالح»!
لغير المتابعين، فقد توقف برنامج إبراهيم عيسى على قناة «القاهرة والناس»، وكان هو ما تبقى له من برامج، ففي مرحلة سابقة كان يقدم ثلاثة برامج، ثم برنامجين أحدهما في «أون تي في»، قبل أن يغادر هذه القناة، التي يملكها نجيب ساويرس، ويبدو أن ضغوطاً مورست على ساويرس، حتى يتخلى عنه، قبل بيع «أون تي في» لرجل الأعمال أبو هشيمة، الذي هو واجهة لأجهزة سيادية، فامتلاك قناة تلفزيونية الآن في مصر، وفي ظل الفشل الاقتصادي، وندرة الإعلانات، هو عمل لا تقدر عليه سوى الدول وأجهزتها صاحبة الأنشطة الاقتصادية غير الخاضعة للرقابة!
وعلى ذكر الأجهزة، فقد قرأت إعلاناً عن تردد قناة عبد الفتاح السيسي، الذي يطلق عليها في مصر «قناة المخابرات»، «دي إم سي»، وذلك عبر صفحة القناة على «الفيسبوك»، وفيها تم زف البشرى بأن المطربة شيرين عبد الوهاب ستقدم برنامجا على شاشتها.. أنعم وأكرم!
وحدة عسكرية
بذكائه الفطري، علم إبراهيم عيسي، أن النظام العسكري لن يبقي عليه، فليس بالضرورة أن تنحاز للعسكر حتى تأمن بوائقهم، فالعسكر يريدون إدارة الدول على أساس أنها وحدة عسكرية، لا صوت فيها يعلو على صوت المعركة، ولا رأي في مواجهة القائد، فالقاعدة هي: «نفذ التعليمات ولو كانت خطأ ثم تظلم»!
بالانقلاب العسكري، كان «إبراهيم عيسى» قد قرر أن يعيش في دور رجل النظام، فقد انتهى الزمن الذي أثبت فيه وجوده بالمعارضة الهامشية التي جعلته دائماً في الأمان، فيصدر حكم بحبسه فيعفو عنه مبارك، ويبدو أمام الرأي العام معارضاً، في الوقت الذي يتمكن من الحصول على موافقة بالانتقال بصحيفته «الدستور» من أسبوعية إلى شهرية، فلا يكلفه هذا أكثر من الوقت الذي قضاه في احتساء فنجان القهوة في مكتب رجل النظام القوي «الرائد متقاعد» صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى ورئيس المجلس الأعلى للصحافة، وقد خرج من مكتبه وفي يده الترخيص بدون انتظار لاجتماع المجلس والمناقشة والبت في الطلب!
لقد أراد أن يطوي هذه المرحلة، استعداداً لمرحلة «رجل الدولة»، فكانت شهادته لصالح مبارك في المحكمة، وهي شهادة تتناقض مع شهادة سابقة، ولم تكن لشهادته الأخيرة قيمة قانونية، غير أنه كان قد قرر أن يستغل التصور القديم عنه من أنه معارض، في طي صفحة وجد أنها عبءعليه، فالسلطة التي ظن أنه جزء منها، ومعبراً عنها، تنتمي للثورة المضادة وتعادي كل من له علاقة بثورة يناير، وأنهى شهادته بطلب للمحكمة أن تسمح له بمصافحة مبارك الذي خلعته ثورة يناير. وأكد إبراهيم عيسى انتماءه للثورة المضادة فقال إن «ثورة 30 يونيو» هي أعظم الثورات وأعظم من يناير، وهاجم من وصفوا السلطة القائمة بأنها حكم العسكر!
واعترف عيسي بأنه كان يلتقي بالفريق عبد الفتاح السيسي لمدة ستة شهور قبل الانقلاب بشكل يومي، (يبدو أن دوامه كان في وزارة الدفاع) ووصف السيسي بأنه رجل وطني!
تقدرون وتضحك الأقدار، فلما استشعر إبراهيم عيسي غدراً، قرر أن يستعيد لياقته السابقة كمعارض، حتى إذا تم الاستغناء عن خدماته، وجد له موقعاً في المعارضة كذلك الذي تحصل عليه في عهد مبارك، مع أن المخلوع الذي سجن خمسة من صحافيي جريدة «الشعب» دفعة واحدة، قرر وبنفس راضية أن يعفو عن إبراهيم عيسى بعد صدور حكم بسجنه شهرين فقط لا غير، بتهمة نشر خبر يفيد مرض الرئيس، فلا توجد قضية فساد فتحها، ولا توجد معركة للحرية خاضها، فهو يدور مع نفسه وجوداً وعدماً، ولم يحدث أن ناصر صحافيا نكلت به السلطة، أو دافع عن صحيفة أغلقت، ومع ذلك حصل على جوائز في حرية الصحافة لم يحصل عليها صحافيون دخلوا السجن فعلاً!
المناطق الآمنة
لقد أراد أن يجرب في زمن السيسي «النفس المعارض» نفسه، الذي جربه في عهد مبارك، فبدأ بالهجوم على الحكومة، وذلك عندما استشعر أنها في طريقها للإقالة، حتى إذا تمت الإطاحة بها وتعيين رئيس جهاز الرقابة الإدارية رئيسا للحكومة الجديدة، يبدو السيسي كما لو كان قد استجاب لنبض الشارع، لكن تم العدول عن التعديل الحكومي على الأقل في هذه اللحظة، فانتقل إلى الهجوم على البرلمان، موضحاً أن هناك اتجاهاً داخله لتعديل الدستور، بما يمكن من مد الدورة الرئاسية إلى ست سنوات، ولأكثر من دورة!
وهذا التصور ليس مطروحاً الآن، وقد طُرح في بداية تشكيل البرلمان وقبله، وقلت حينئذ أن الدستور يمنع تعديل المواد الخاصة بانتخابات رئاسة الجمهورية، فقد وضع الدستور في فترة كان مقرراً أن يستمر السيسي وزيراً للدفاع لهذا تم تحصين بقائه، ليستفيد من ذلك رئيس الأركان الذي تمت ترقيته وزيراً للدفاع!
لقد أمكن الرد على ما قاله إبراهيم عيسي ببساطة فالدستور يمنع التعديل، لكن صاحبنا يبحث عن ممارسة دوره في المناطق الآمنة كما كان في عهد مبارك، فاته أنه لا توجد منطقة واحدة آمنة الآن، وقد رفض عبد الفتاح السيسي مجرد الهجوم على الحكومة، فهو يدير البلاد بمنطقة قائد الوحدة العسكرية، ويرى أن كرامة أدنى رتبة عسكرية مستمدة منه!
لقد ألغت السلطة لطارق نور، صاحب قناة «القاهرة والناس» معرضاً للأثاث، وجملة الخسائر لهذا الإلغاء هي (250) ألف جنيه، فقد قررت أن ترسل رسالة له، دون أن ترفعه لدرجة أن تطلب منه مجرد الطلب بإيقاف برنامج «مع إبراهيم عيسي»، وبعد توقف لأيام عاد البرنامج متراجعاً ويحاول مقدمه خطب الود وإثبات الولاء، لكن «القربان» لم يتقبل منهما، فحتى الظن أن لدى الإعلامي في سلطة العسكر حق النقد والتراجع ليس مسموحاً به، فهم القادة والجميع عساكر، فماذا يملك «الجندي مجند إبراهيم عيسى حتى يتراجع!
وهناك جانب آخر ليس معروفاً للعامة، وهو أن عيسي محسوب تاريخياً على رجل الأعمال نجيب ساويرس، وإذ تقرر إنهاء الوجود السياسي لساويرس، وتم إجباره على بيع «أون تي في»، وتمت الإطاحة به من حزبه «المصريين الأحرار»، فإن وقف برنامج إبراهيم عيسى كان متوقعاً في هذا السياق، ربما غير المتوقع هو هذه السرعة في اتخاذه، وربما كان عيسى يمني نفسه بالتأخر حتى لحظة «الغرغرة» لنظام السيسي، فيستعد للمرحلة الجديدة بثوب المعارض!
الجنرال المتغلب
تقدرون فتضحك الأقدار، فقد تم وقف برنامج «مع إبراهيم عيسي» دون أن يكون متاحاً له أن يقرر أنه قرار السلطة، وكذلك فعل يسري فودة، فليس النظام العسكري كالحكم المدني، وليس الجنرال المتغلب في سماحة الرئيس المنتخب. فالجنين في بطن أمه يعلم أن البرنامج توقف انصياعاً لرسائل السلطة، لكن عيسى لم يجرؤ على هذا القول، وقال إن استقالته من أجل تفرغه لكتابة روايات أو شيء من هذا القبيل!
وقد تعالى أهل الحكم أن يطلبوا طلباً كهذا من الجندي مجند مالك «القاهرة والناس»، أو الجندي مجند مقدم البرنامج، فكل ما أطلقوه هو رسائل وعندما تم التقاطها قال علي عبد العال رئيس مجلس النواب لـ «طارق نور» إنه ضد وقف البرنامج، على النحو الذي ذكره أسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق في برنامج حمدي رزق على قناة «صدي البلد»، وهو تصرف يقال صعيدياً لا يفعله إلا قادر أو فاجر، لقد أوصلوا له أن يوقف البرنامج، وعندما رضخ، قالوا له لماذا توقفه؟!
ولقد استشعر الثلاثي: عمرو أديب، ويوسف الحسيني، ولميس الحديدي، أن الخطر اقترب منهم، فقال عمرو إن بيان عيسي ليس حقيقيا، فقد منع برنامجه ولم يعتذر عنه للتفرغ لكتابة الروايات، وبدا الحسيني حزينا، لكنه لم يجرؤ على الهجوم على السلطة، فالعين لا تعلو على الحاجب، أما لميس فقد كانت الأفصح عندما قالت: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، وإنها تستعد لمرحلة الخياطة والتريكو وأعمال المنزل فهي «واحدة ست»!
وقالت «لميس» إن إبراهيم عيسى أحد أقطاب «30 يونيو»، وكان زميلها في أول حوار مع المرشح الرئاسي المشير عبد الفتاح السيسي!
يمنون على السيسي أن تآمروا على الثورة، وهو يمن عليهم أنه سمح لهم بالشهيق والزفير!
صحافي من مصر
وسوم: العدد 702