التغيير بين المنهج الثوري والمنهج الترقيعي
التغيير بين المنهج الثوري والمنهج الترقيعي
د. فوّاز القاسم / سوريا
إن عمل دعاة الإصلاح والوسطية ، من داخل المنظومة الصفوية الصهيونية الصليبيّة الحاقدة في كل من (العراق وسورية ومصر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية) عبر السنوات الماضية ، كان خطأً ستراتيجيّاً مدمّراً ، أضرّ بأهل السنّة ضرراً قاتلاً، لأنه بكل بساطة يعني القبول بقيمهم، والالتزام بقواعد لعبتهم، فهو فعل من يريد أن يُحسِّن أوضاع العبودية لا من يريد أن يهدمها بالكامل، ولقد ثبت لأولي الألباب بأن مصلحة تحسين بعض ظروف العبودية لا يوازي أبداً مفسدة الاعتراف بأصل العبودية وإضفاء الشرعية عليها ولو للحظة واحدة. إن عدم الاعتراف بقيم الباطل قولاً وعملاً هو أحد عناصر المنهج السليم، وسلامة المنهج لا يعدلها شيء من المكاسب المزعومة على الأرض مهما كانت. وإذا شبهنا النظام بالدوائر المتداخلة، كل دائرة داخلها دائرة أصغر وهكذا، فإنه قد ثبت بالعقل والاستقراء والعلم استحالة إسقاط المنظومات أو الدوائر الكبيرة إذا تم الدخول في المنظومات أو الدوائر الأصغر منها، بل إذا سقطت الدائرة الكبيرة سقطت بعدها كل الدوائر الأصغر، فلا يمكن إسقاط االهيمنة الصفوية الصهيونية الصليبيّة على مقدّرات العراق ومصر وسورية وغيرها من الدول بالدخول في لعبتها السياسية المزعومة، والنظام الداخلي القائم على منظومة من القيم الحاقدة واللئيمة والمغلوطة كذلك لن يسقط بالدخول في مؤسسة من مؤسسات شرعيته كمجلس الشعب، أو مجلس الرئاسة، فمن دخل مجلس الشعب صار ملتزما باللوائح الداخلية فيه، هذه اللوائح منبثقة من القانون، والقانون منبثق من الدستور، والدستور والالتزام به هو الدلالة الأولى على الاعتراف ب "شرعية" النظام فكيف لمن هذا حاله أن يدعي أنه يحمل مشروع تحررٍ من الهيمنة الخارجية أو الداخلية حتى؟! إن أي اختلال في الفهم الصحيح للعمل الثوري التحرري ينقل السلوك مهما كان شكله ودرجة سخونته من صفته الثورية إلى صفة "الإصلاحية"، و"الإصلاحية" ليست بالمعنى الدارج، "الإصلاحية" وصف سياسي على تلك التحركات السياسية التي تعمل من داخل المنظومة ولا تصطدم بأصلها وجذورها فهي تسعى سياسياً للترقيع لا للتغيير الجذري. إن "الإصلاحية" تكون مقبولة إذا كنا نعالج واقعا صحيح الأصل، ولكن الفساد وقع في بعض فروعه فقط، أما في واقع على النحو الذي نراه من البطلان وفساد الأصل ومناقضة الدين والدنيا فلا حَل إلا بمفاصلته ومباينته، ثم العمل على تغييره من جذوره. ولذلك فإن الأدق في وصف مشاركة (دعاة الوسطية) مع الروافض والعلمانيين والماسونيين، تحت سقف الإحتلال، هو أن نستخدم كلمة "المذهب الترقيعي" في مقابل "المذهب الثوري" بدلاً عن كلمة "المذهب الإصلاحي" لما في كلمة "إصلاحي" من معاني الإصلاح والتي قد يُفهم منها المدح... فالمرقّع لواقع فاسد من أصله ليس مصلحاً وإنما هو يفسد أكثر مما يُصلح، فهو يهدر الطاقات ويُضفي الشرعية على منظومة باطلة في أصلها، وهل هناك فساد أكثر من ذلك؟ وبذلك نعرف معنى التغيير الثوري بدقة، وهو بذلك يمكن أن يكون متدرجاً ويمكن أن يهدأ أحياناً ويشتعل أحياناً كل هذا لا يتعارض مع الثورية، لكن ما يميز المذهب الثوري هو أنه دائماً مفاصل للمنظومة التي يستهدف إسقاطها من جذورها، ويعمل من خارجها غير معترف بشرعيتها، ولا خاضع لها، ولا داخل فيها، ولا مختلط بها، ولا ملتزم بشروطها... بينما التحرك "الترقيعي" لا يجد غضاضة في الاختلاط بالمنظومة الفاسدة، والعمل من داخلها، والالتزام بشروطها، ويعتبر ذلك من التدرج، وشتان بين التدرج الترقيعي والتدرج الثوري...! المذهب الثوري منطلقه هو "منهج واضح وقيم راسخة" وعليه يرسم خطواته الواقعية ولا يوجد لديه أي مساحة للتنازل عن القيم والمبادئ، ولا يجعل الواقع الفاسد يؤثر على مبادئه، بل هو الذي يفرض مبادئه على الواقع، وأما التحرك الترقيعي فمنطلقه "الواقع" وعليه يحدد ما يمكن التمسك به من القيم داخل هذا الواقع الفاسد وما يجب التخلي عنه الآن! والتغيير الثوري عند فساد الواقع تكون غايته سلامة المنهج، أما التغيير الترقيعي فتكون غايته منهج السلامة...! المذهب الثوري يبادر بالمواجهة ويدفع ثمن هذه المواجهة باختياره، وأما المذهب الترقيعي فإنه يتجنب دفع هذا الثمن، ويهرب من هذه المواجهة ويحاول تجنبها بتصالحه مع أصل الواقع، ليجد نفسه في النهاية يدفع أضعاف أضعاف ما يدفعه الثائر ولا يحقق شيئاً مما حققه الثائرون! وبذلك تعرف أن التغيير الثوري لا يعني الجمود ولا يعني الاستعجال وعدم الحكمة ولا يعني عدم إدراك الواقع والاستغراق في المثاليات كما يحاول أعداؤه تصويره دائماً، بل عند فساد الواقع فالمذهب الثوري هو الأكثر حكمة وإدراكاً للواقع، لكنه لا يعرف الترقيع ولا أنصاف الحلول، ولا يعرض مبادئه في سوق التنازلات، ولا يخالف القيم التي يؤمن بها، فهو يسعى لكسر قيود العبودية، لا أن يتصالح معها مقابل تحسين بعض ظروفها كما يفعل "الترقيعيون"! ومن أمثلة العمل "الترقيعي" في هذا الواقع ما نراه من سعي البعض إلى الوصول للسلطة المتغيرة تحت مظلة ورعاية الطغاة الفاسدين في السلطة الثابتة أو الدولة العميقة كما تسمى الآن(في العراق ومصر وسورية على وجه الخصوص)، فالمذهب الترقيعي يهرب دائماً من مواجهة السلطة الثابتة فيفترض أن الوصول للسلطة المتغيرة هو أسلم وسيلة للتغيير المتدرج الهادئ، وكأن الطغاة في السلطة الثابتة سيسلمون رقابهم طواعية لمن يخلعهم مع الوقت، إن الطغاة لا يرسمون من الطرق إلا ما يوصل إلى ما يريدون، وإذا تركوا لك مقعداً أو مقعدين في البرلمان بل ولو تركوا لك البرلمان كله أو لو تركوا لك منصب الرئاسة نفسه فإن ذلك حتماً سيصب في خطة يريدونها! ).