وجاء دور الإسلام 2
د. فوّاز القاسم / سوريا
لم يكن انحطاط المسلمين أولاً ، وفشلهم وانعزالهم عن قيادة الأمم ، وانسحابهم من ميدان الحياة والعمل ، حادثاً من نوع ما وقع وتكرر في التاريخ من انحطاط الشعوب والأمم ، وانقراض الحكومات والدول ، وانكسار الملوك والفاتحين ، وانهزام الغزاة المنتصرين ، وتقلص ظل المدنيات ، والجزر السياسي بعد المد .
فما أكثر ما وقع مثل هذا في تاريخ الأمم ، وما أكثر أمثاله في تاريخ الإنسانية بشكل عام ...!
ولكن هذا الحادث كان غريباً لا مثيل له في التاريخ البشري ، ولم يكن هذا الحادث يخص العرب وحدهم ، ولا يخص الشعوب والأمم التي دانت بالإسلام ، بل هي مأساة إنسانية عامة لم يشهد التاريخ أتعس منها ولا أعم منها .
فلم يكن انحطاط المسلمين وزوال دولتهم وركود ريحهم- وهم حملة رسالة الأنبياء ، وهم للعالم البشري كالعافية للجسم الإنساني- انحطاط شعب أو عنصر أو قومية ، فما أهون خطبه وما أخف وقعه ، ولكنه انحطاط رسالة هي للمجتمع البشري كالروح ، وانهيار دعامة قام عليها نظام الدين والدنيا .
((أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) الأنعام 122
فلو علمت البشريّة حقيقة هذه الكارثة ، ولو عرفت مقدار خسارتها ورزيتها فيها ، ولو انكشف عنها غطاء العصبية ، لاتخذت هذا اليوم النحس يوم عزاء ورثاء ، ونياحة وبكاء ، ولتبادلت شعوب العالم وأممه التعازي ، ولبست البشرية ثوب الحداد ، ولكن ذلك لم يتم في يوم ، وإنما وقع تدريجياً في عقود من السنين ، والعالم لم يحسب إلى الآن الحساب الصحيح لهذا الحادث ، ولم يقدره قدره ، وليس عنده المقياس الصحيح لشقائه وحرمانه.
ولذلك فإن العمل على إحياء هذا الدين العظيم ، وإعادة دوره في قيادة العرب والمسلمين ، بل والإنسانية كلّها ، على طريق الحق والعدل والخير والفضيلة يُعتبر من أعظم فروض الزمان والمكان في هذا العصر ، ومن أجل الخدمات التي يمكن أن تُقدّم للإنسانية ...
ومن أجل ذلك كانت هذه السلسلة المباركة ، والله المستعان ...