الدين الهمجي البربري

د. عبد السلام البسيوني

في أوروبا المعاصرة كثير من الديمقراطية، والقوانين الضابطة، والأداء الدستوري المعجب، والذي يزيده الإعلام تأثيراً مبهراً، ويعطيه وجوداً (افتراضياً) أقرب لروح الأساطير، ومصداقية تجعل من المستحيل على كثيرين حول العالم ألا يصدقوا أن هذه القوانين في كثير من الأحيان حبر على ورق، وفقاقيع ملونة براقة، يفرح بها الأطفال، لكنها لا تزيد في النهاية عن كونها فقاقيع، تلمع، ثم تنفجر، لتسفر عن خواء/ عن هواء/ عن لا شيء/ عن وهم جميل كبير، لكنه في الحقيقة بلا حقيقة!

فكثير من هذه القوانين لا تطبق، كقوانين العدالة، والمساواة بين البشر، وتجريم التعذيب، وتجريم التجارة بالبشر، وتجارة الجنس مع الأطفال، وغير ذلك مما قد نفرد له ملفّاً في المستقبل إن شاء الله تعالى.

ومن قوانين أوروبا التي نادراً ما تطبق: تلك القوانين التي تحظر الإساءة للأديان؛ إذ إن التحريض على الحقد الديني ممنوع في الدول الأوروبية، ومن يفعله يعاقب بالسجن أو الغرامة المادية؛ فقوانين معظم الدول الاوروبية - بدءاً بالدول المجترئة المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث نشرت الرسوم الكاريكاتورية والإسلاءات الإعلامية المتنوعة عنه صلى الله عليه وسلم - تتضمن بنوداً أو أحكاماً تحظر الإساءة إلى الأديان. غير أنها نادراً ما يؤبه لها أو تطبق.

وقد نشرت الوسط البحرينية عن وكالة الأنباء الفرنسية في عددها 1252 بتاريخ 9 فبراير 2006م  الموافق 10 محرم 1427هــــ  ولا تستخدم عبارة "التجديف Blasphemy التي تشير إلى الإساءة لما هو مقدس أو ديني إلا في قوانين عدد قليل من البلدان. فيما تتحدث قوانين معظم الدول عن "الإساءة إلى الدين" و"التحريض على الحقد الديني".

فالقانون الفنلندي - كما أوردت ميدل إيست - ينص على عقوبة السجن لمدة أقصاها ستة أشهر بحق كل من يدان بتهمة "التجديف بالله علناً" أو الإساءة لما يعتبر مقدساً من جانب كنيسة، أو طائفة دينية.

وفي هولندا يشترط القانون أن يكون الفعل أو الكلام التجديفي صادراً عن سابق تصميم ونفذ بطريقة "مشددة" حتى يتم تطبيقه. ولم تصدر إلا ثلاثة أحكام استناداً إليه؛ منذ بدئ العمل به في الثلاثينيات.

أما النمسا فيسمح قانونها بملاحقة أفراد بتهمة "التجديف" غير أن رسام القصص المصورة جيرهارد هاديرير أدين بتهمة الإساءة إلى الديانة المسيحية في اليونان؛ إذ لم يرفع أي كان في بلاده شكوى ضده، لتصويره سيدنا المسيح في شخص مدخن حشيشة، في قصته المصورة "حياة يسوع" وقد ألغت محكمة استئناف فيما بعد هذا الحكم!

وفي اليونان - حيث لا فصل بين الكنيسة الأرثوذكسية والدولة - هناك قانون ينص على معاقبة "التجديف بالديانات عبر الصحافة" غير أن القانون في غالبية الدول الأوروبية الأخرى يعاقب على الإساءة إلى الديانة، أو التحريض على الحقد الديني.

وإن كان القانون الجزائي الدنماركي ينص على معاقبة "كل من يسيء أو يهين علناً ديانة معترفاً بها في البلد"، إلا أن هذه المادة تعارضت مع حرية التعبير في قضية الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

فقد رد مدّع عام شكوى قدمتها 11 منظمة إسلامية ضد الرسوم التي أثارت موجة الاستنكار والعنف التي انتشرت آنذاك في العالم الإسلامي، واعتبر أنه لا يمكن قبولها.

وفي إسبانيا تعاقب مادة في القانون جرم "الإساءة إلى المشاعر الدينية" بغرامة.. فيما تعتبر إيطاليا جرماً الإساءة إلى الديانة والتحريض على الكراهية بين الديانات.

وأضيف إلى القانون البريطاني أخيراً نص يجرم التحريض على الكراهية الدينية الذي ينطبق فقط على السلوك، والكلام الذي ينطوي على تهديد بهدف واضح، هو التحريض على الكراهية؛ غير أنه لا يشمل الانتقادات، والإهانات، والإساءات، والمواقف المستهزئة، بديانة أو بمعتقد ما.

كذلك يعاقب القانون البولندي كل من يمس بمشاعر الآخرين الدينية بشتمه علناً رمزاً ما أو مكان عبادة!

وفي روسيا يعاقب من يرتكب جرم التحريض على الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية بالسجن ما بين سنتين وثلاث سنوات. وقد حكم على يوري سامودوروف مدير متحف ساخاروف عام 2005 بدفع غرامة بقيمة 2800 يورو لتنظيمه معرضاً ضد الكنيسة.

وفي ألمانيا ينص قانون العقوبات على السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات لمن يشتم جمعية دينية أو منظمة تعرض نظرية خاصة بها عن العالم؛ غير أن هذه المادة قلما تطبق.

أما القانون البرتغالي فينص على معاقبة الذين يسيئون علنا إلى الغير، مستهدفين معتقداته الدينية. بما يؤدي إلى بلبلة النظام العام.

وفي النرويج ينص قانون على السجن لمدة أقصاها ستة أشهر، بتهمة الإساءة إلى المعتقدات الدينية، غير أن هذه المادة من القانون لم تستخدم منذ الثلاثينيات من القرن الماضي.

وأمام هذا السرد القانوني تعال قارئي الكريم لنكتشف هذا السرد بالإساءات التي طالت الإسلام العظيم قبل نشر الصحيفة النرويجية ماغازينات رسوم الكاريكاتير المسيئة إلى سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، كما أوردته الجزيرة نت، علماً أنني أملك مئات الرسوم الكرتونية التي تنضح بالإساءة والسب لكل شيء له علاقة بالعرب والإسلام: سب الله تعالى، وسب النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن كدستور، والإسلام كدين، والعرب كمسلمين. فما تركوا شيئاً إلا مسحوا به الأرض، وليس هذا من سنة ولا سنتين؛ بل من عشرات السنين، بل مئات السنين؛ لكننا قلما نتابع، أن نجمع الحقائق، أو نواجه الآخر، بل نسد آذاننا، ونسلم أمرنا للتخاذل والوهن، تحت مبررات كثيرة...

وحسبي هذه الأرقام القريبة دليلاً:

- في نوفمبر/ تشرين الثاني 2000 : صحيفة كالاغاري صن الكندية تنشر مقالة تزعم فيها أن الإسلام يحض على قتل اليهود.

- في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 : فرنسا تصعد حملتها لمنع الحجاب الإسلامي في المدارس وأماكن العمل.

- في يناير/ كانون الثاني 2004 : عضو الحزب الوطني البريطاني نيك جريفن ينعت الإسلام بأنه عقيدة فاسدة، ويخلو من أي مساحة للتسوية الضرورية في مجتمع حر، ولا يتفق والديمقراطية.

- في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 : فيلم للمخرج الهولندي فان غوخ يتهم الإسلام بأنه يضطهد المرأة.

- مايو/ أيار 2005 : مايكل غراهام المذيع بمحطة إذاعية في واشنطن يصف الإسلام بمنظمة إرهابية، وأنه في حالة حرب مع الولايات المتحدة! ويجدر بهذه الأخيرة ضرب مكة المكرمة بالسلاح النووي!

- في يوليو/ تموز 2005 : الممثل الكوميدي الأمريكي جاكي ميسون يسخر في برنامج للمذيع جيم بوهانون من الإسلام، ويصفه بأنه منظمة تشجع على القتل والكراهية والإرهاب!

- في سبتمبر/ أيلول 2005 : الصحيفة الدانماركية Jyllands –Posten تنشر رسوماً كاريكاتيرية تسخر من الرسول صلى الله عليه وسلم.

- في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 : الهجوم على مسجد في فيينا بالنمسا.

- في ديسمبر/ كانون الأول 2005 : مذيع محطة شيكاغو الإذاعية الأمريكي بول هارفي يصف الإسلام بأنه يشجع على القتل.

- في يناير/ كانون الثاني 2006 : صحيفة نرويجية تعيد نشر رسوم كاريكاتير تصور الرسول صلى الله عليه وسلم بمظهر غير لائق؛ بدعوي حرية التعبير.

- في يناير/ كانون الثاني 2006 : المذيع الأمريكي بيل هاندل من شبكة  MSNBC

cable television network يستهزئ بالمسلمين ، ويصفهم بقطعان الماشية.

- في فبراير 2006 مجلات فرنسية ونرويجية وغيرها تعيد نشر الرسوم المسيئة، وبعض الساسة يعلنون تأييدهم للدانمارك والجريدة التي تجاوزت الحدود في تحد للأمة الإسلامية.

- في فبراير 2006 مجلات إسكندنافية وأوروبية تعلن عن مسابقة جديدة لرسم النبي صلى الله عليه وسلم، في تحد للأمة الإسلامية.

هذا عدا عشرات التصريحات التي خرجت من شخصيات كنسية ولاهوتية تهاجم الإسلام ورموزه، وتصفه بأنه دين قتل وإرهاب، وعدا عشرات الحالات التي هوجمت فيها مساجد ومؤسسات إسلامية، وتمت محاولات لحرقها، وتلطيخ جدرانها بشعارات وكتابات عدائية ومسيئة!

ومن الحالات التي نظرها القضاء الأوروبي؛ مما يتعلق بالإساءة للإسلام: الحكم على الكاتبة الأمريكية الإيطالية الأصل أوريانا فالاتشي؛ فقد أمر قاض إيطالي بمحاكمتها بتهمة إهانة الإسلام؛ ما أثار حفيظة وزير العدل الإيطالي، الذي لم يرقه الحكم، ولم يرض به!

وقد رفض القاضي أرماندو غراسو في مدينة بيرجامو شمال إيطاليا مشورة الادعاء بطي الملف، معتبراً أن كتابها الأخير (قوة العقل) يتضمن عبارات تسيء إلى الإسلام، ومن يعتنقون هذه العقيدة دون شك.

وجاء إقرار ملاحقة فالاتشي بعد دعوة رفعها رئيس اتحاد مسلمي إيطاليا عادل سميث الذي رحب بقرار المحكمة؛ لأنها (المرة الأ ولى) التي يأمر فيها قاض بمحاكمة شخص بتهمة إهانة عقيدة الإسلام!

وعدد غراسو 18 جملة وردت في كتاب فالاتشي اعتبرها إهانة للإسلام الحنيف من مثل قولها: أوروبا أصبحت أكثر فأكثر مستعمرة للإسلام/ التفكير بوجود إسلام جيد وإسلام سيئ أمر غير معقول/ عقيدة الإسلام تبث الكراهية بدلاً من المحبة، والعبودية بدلاً من الحرية!

وقد زعم وزير العدل الإيطالي روبرتو كاستيلي الذي لم يعجبه الحكم بأنه هجوم على حرية التعبير. ونقلت عنه وكالة أنسا الإيطالية للأنباء ادعاءه بأن الكتاب تضمن نقداً قويّاً للغاية دون إهانة! فيما استبعد محامي الادعاء الشخصي أوغو فانوتسي توسيع دائرة الاتهام ليشمل التحريض على الحقد بين الأديان.

ومما جاء في الكتاب المسموم ما خاطبت به فالاتشي شعوب الغرب - كما ذكرت السفير - قائلة: انهضوا أيها الشجعان، استيقظوا من شللكم الذي أصابكم جراء الخوف من التجديف بعكس التيار... إنكم لا تفهمون ولا تريدون أن تفهموا أننا أمام حملة صليبية عكسية. إنكم عميان لا تفهمون أو لا تريدون أن تفهموا أنها حرب دينية! أنتم لا تفهمون أن هؤلاء الأسامات بني لادن (!) يعتبرون أن من حقهم قتلكم وقتل أطفالكم، لأنكم تشربون النبيذ والبيرة، ولا تطلقون اللحى، أو لا تلبسون التشادور، ولأنكم تذهبون إلى السينما والمسرح، وتحبون الموسيقى، وترقصون في علب الليل! فما معنى أن نحترم الذين لا يحترموننا؟ وما الفائدة من احترام ثقافتهم أو ما تسمى الثقافة؛ ما داموا يحتقرون ثقافتنا؟

وتقول: إن كل العرب والمسلمين هم في أفضل أحوالهم إذاً متطرفون! وفي أسوئها مجموعة كبيرة من أمثال أسامة بن لادن، فيجب إعلان الحرب عليهم، وعدم الانجرار إلى التمييز بين واحدهم والآخر؛ كلهم متطرفون وقتَلة ومتخلفون وأميون، و....!

وهي مقتنعة بأن الصومالي الذي يبيع ما تيسر له في شوارع فلورنسا لكسب قوته، هو أيضاً أسامة بن لادن بالتكوين!

وقد ردت عليها نخبة من الكتّاب الفرنسيين وبينهم فلاسفة من أصل يهودي على غرار برنار هنري ليفي، ورد عليها أيضاً علماء نفس ومحللون نفسيون اعتبروا أن في سمومها شيئاً من السرطان الذي ينهش جسدها منذ سنوات. لكن الكثيرين من الذين ردوا عليها أعربوا فعلاً عن قلق من أن تكون الكاتبة الإيطالية بصدد التعبير فعلاً عن جزء لا بأس به من الرأي العام الغربي، وإلا فما الذي يفسر هذا الارتماء الغربي في أحضان اليمين المتطرف منذ أشهر.

وتعيش فالاتشي (75 عاماً) في نيوريوك، وقد أصدرت عديداً من الكتب التي تحرض ضد المسلمين منذ هجمات 11 سبتمبر، مثل الغضب والكبرياء، هاجمت فيها الإسلام، وأيدت مزاعم تفوق الحضارة الغربية على حضارة الإسلام.

وسوم: العدد 704