القراءة وأثرها في تكوين الفكر والثقافة

عبد الله بن حمد الحقيل

المكتبة من أهم الروافد لتقوية المعرفة ، وتولي الأمم الناهضة الكتاب اهتماماً كبيراً لأنه عنوان ثقافتها وهويتها الفكرية والحضارية ، ولا يماري أحد فيما للمكتبة من دور حيوي وأثر فعال وفائدة تربوية وثقافية للباحث والدارس والطالب ، ذلك أن الباحث والدارس والمؤلف والمعلم في حاجة إلى المكتبة ، إذ تؤدي دوراً متزايداً في التعليم والتدريس والبحث والدراسة وفي الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية ، بحيث يمكن القول بأن المكتبة تحتل في المجتمع مركز الصدارة ، ولها دورها في شتى الجوانب ومختلف الميادين ، ومن يتتبع تاريخ المكتبات يدرك أنها جزء لا يتجزأ من تاريخ الحضارات ، والفكر والمعرفة ترتقي بارتقائه وتساعد على نموه وازدهاره وتطوره ، وتتخلف بانحطاطه وتخلفه ، وإن تاريخ المكتبات حافل بأنصع الصفحات في التاريخ الإسلامي ، وحيث كان الأسلاف مولعين بالكتب والعناية بالمكتبات ، والاهتمام بالمعرفة والإسهام في رقيها ، فقد اهتمت الحضارة الإسلامية بنشر العلم في مختلف ميادينه ومجالاته وفنونه .. وكان أسلافنا يهتمون بالكتاب ويحرصون على القراءة ، ويأخذون من كل علم بطرف ، يجدون المتعة في القراءة ، ويشعرون بالألم في البعد ذلك ، وكتبوا وبحثوا في كل فن من فنون المعرفة والثقافة ، فها هو شاعر المعرة يقول :

وقد برز علم المكتبات في العصر الحديث بفضل انتشار الطباعة ، بحيث أصبح فناً يدرس ، له أصوله وقواعده واختصاصاته ، كما أن غزارة الكتب وتنوعها جعل من الضروري إيجاد المكتبات على أسس وضوابط علمية ، رغبة في تسهيل أعمال الباحثين والدارسين وطلاب العلم ورواد المعرفة بصفة عامة .

إن المكتبة مركز إشعاع هدفها إشاعة المعرفة والثقافة ومركز بحث وعلم تساعد الباحث في إيجاد ما يريد ، فهي واحد من أهم الروافد في تنمية الثقافة والمعرفة وهدف تعتني به كافة الأمم المتحضرة .

ولا ننسى في هذا المقام دور المكتبات المدرسية في العملية التربوية وخدمة البرامج التعليمية لذا يجب أن تكون الكتب الموجودة بها منتقاة لخدمة تلك الأهداف لمساعدة الطالب والمعلم ، مع الاهتمام بتوجيه الطلاب وتعريفهم بالكتب على اختلاف أنواعها ، وغرس عادة القراءة في نفوسهم ، وتنمية ميولهم نحو القراءة ، وتشويقهم إلى المكتبة ، وتقديم الكتب للطلاب بأسلوب مناسب والإشارة إلى أهمية الكتاب ، والتعريف به وعرضه في الفصل الدراسي ، ولاشك أن الطالب سوف يذهب بعد ذلك إلى المكتبة للبحث عن الكتاب وإكمال قراءته ، ومن هنا تتجلى أهمية القراءة الواعية الهادفة التي ترتقي بالقارئ وتسمو به فهي مشعل وضياء على درب الثقافة وطريق المعرفة ومما يغني الفكر ويثريه .

إن تنمية قدرات التلاميذ وميولهم نحو الكتاب واستعماله وطريقة الحصول عليه وعلى المعلومات المطلوبة عمل تربوي يجدر الاهتمام به مع التركيز على أهمية الحفاظ على الكتاب ، وعدم العبث به ، أو قطع بعض الصفحات والصور ، وهو ما يشتكي منه اليوم بعض أمناء المكتبات ، ولذا ينبغي تعويد الطالب منذ الصغر على التعامل الحضاري مع الكتاب ، وإرشاده إلى أفضل السبل نحو الاستعمال الأمثل للكتاب ، والإفادة منه ، وتعليمه الإحساس بالمسؤولية ، واحترام الكتاب ، والتحلي بروح العلم والأدب ، والخلق والمثل العليا وبيان محاسن القراءة وأثرها في تكوين فكر الطالب وإغناء ثقافته .

لقد أصبحت المكتبات ضرورة تربوية يحتمها التقدم الكبير الذي طرأ على مختلف ميادين العلم ومجالات المعرفة ، فأصبحت الأمم تولي عناية للخدمات المكتبية ، وتعمل على نشرها ، وتوسيع نطاق خدماتها ، وتدعيمها بالجهد والإمكانات المادية والبشرية ، إذ أصبحت تشارك في تكوين الأجيال القارئة وبنائها الأمر الذي يعتمد على الكتب والقراءة كوسيلة للتطور الفكري والثقافي ، وتنمية الذوق الأدبي ، وخلق المهارات ، وملكات البحث والدراسة والخبرات المتعددة ، وتوسيع الآفاق ، والقراءة هي الأساس المكين لكل معرفة إنسانية ، لا لشيء سوى أنه زاد شهي للعقل والقلب .. ولن يستطيع المرء استيفاء حظه من ثقافة عميقة ، وعلم غزير ، وأدب أصيل ، واستيعاب نواميس الكون والحياة ، وطبائع الناس وتصرفاتهم ، وحقائق الحضارات والمدنيات ، ما لم يهتم ويحرص على القراءة .

إن الكتاب عامل حيوي للثقافة والمعرفة ، وصدق الجاحظ حين قال : " الكتاب وعاء ملئ علماً ، وظرف حشي ظرفاً ، وإناء شحن مزاحاً وجداً ، ونعم الأنيس ساعة الوحدة ، ونعم المعرفة ببلاد الغربة "..

لقد كتب أسلافنا كثيراً في تصوير قيمة الكتاب وتحديد دوره الحضاري والثقافي ، وحرصوا على اقتناء الكتب ، وأنساهم الاشتغال به أولادهم ، واعتبروا الكتاب هو الجليس المحبوب ، كما قال أحدهم :

وسوم: العدد 704