المتبقّي... هو الأقوى

المتبقّي... هو الأقوى

د. سماح هدايا

من المؤكّد، بعد كل هذه المجازر المتزايدة التي ارتكبها ويرتكبها نظام الأسد في الشعب السوري على مرأى البشريّة، أن العالم غير مبال وأن صمت العالم الرسمي وصمت فئات خاضعة من الشعب   كانا وراء  انسداد الرؤية، وسبب الظلمة التي ختمت بالعمى على مسيرنا السياسي..؛ .فقد اتضح أنه لم يكن مناسبا لكثيرين من المستفيدين وأصحاب القرار وحملة الفكر العنصري والاستعماري وأهل الغفلة أن تتحرك الذهنية الشعبيّة بإرادة تحاول التحرر  من عجزها وانقيادها، لذلك احتدمت المعركة المضادة  وزادت يوما بعد يوم  شراسة وضراوة.

والمثير للدهشة أن بعضنا مازال، بعد انكشاف السياق التآمري بين الاستبداد والرجعية والاستعمار،  عاملا  على إذلال القرار الشعبي وكسر كبريائه بحلول الخنوع والتسويات والموالاة، أو باستيراد الحلول الجاهزة.. عبر: إما الانصياع للطغاة وقبول الظلم وتسويغ الخنوع، أو طلب العون من المستعمرين والغزاة.  إنّ محاولة  إقناع  العالم الذي مازال يسعى إلى أن يكرّس تبعيتنا وعبوديتنا بشرعية قضيتنا وطلب المساعدة هو عبث وانحاط؛ كأننا ندور في دائرة مغلقة . فإقناع الذي ينتهك حقنا ويحيك المؤامرة ضدنا تحت تصنيف الإرهاب لن يجدي نفعا؛ بل   يجب أن يكون  الخيار استقلال قرارنا ورفع صوت مطالبنا المحقّة بجرأة، مهما زادت التكلفة. إذ لن ينجح العالم في إبادتنا كلنا. فلا حجة منطقية لكي نسايره ونسترضيه ونهرول كالعبيد وراءه. لكنّه  قد ينجح في إذلالنا واستعبادنا لعقود قادمة؛ إن ركعنا له. نحن الآم بأمس الحاجة لقادة شجعانا،  يعلنون القطيعة مع التبعية ومهادنة العالم،  ويرصون الصفوف بوعي وإيمان لمعركة أشد قسوة وأكثر يقينا بالنصر.

مرت سنوات ثلاث، وخضنا في السنة الرابعة حتى فاقت أعداد الضحايا والجرائم المرتكبة في الشعب السوري أي مجال للتكذيب أو التضليل أو الصمت أو التبرير الأخلاقي أو التغاضي عن نصرة المظلومين والضحايا ..والعالم مازال  يتفرج ويشجب بحياء وسلبيّة...لماذا؟ لأن لا مصلحة له في حسم المعركة لمصلحة الثورة أو مطالب الشعب الحر. ولعل استمرار الاستنزاف يوافق مصالحه وأهدافه. لعمل على إيقافها الآن، بعد تورط كثيرين في المستنقع الدموي، قد يكون مضرا به وبمصالحه.  نظام الأسد يدرك هذا، ويستغلّه، ويبطش ويجرم، بلا حدود وبلا خوف، ويزداد غطرسة قيعلن، بلا رادع استمرار بقائه لسنين في السلطة عبر  مشهد الانتخابات وتمثيل الشرعيّة.

سنفشل المعارضة والثورة في إدارة المعركة  وفي إسقاط النظام وفي تغيير موقف العالم إن استمرت في خطابها التقليدي الاسترضائي والبكائي والتسولي..... العالم لا يرى غير ما يريده، ولا يحترم الضعفاء، ولا يتعاطف مع الأبرياء إلا في خدمة مصالحه ومشاريعه.. ولن يجدي نفعا إقناعه برواية خارج مشيئته وتصوّره الرسمي والباطني.. والصواب عدم الانصياع  لإرادته المتحكمة والانقياد الأعمى لما يقوله؛ لأن العالم اتخذ موقفا وتصورا وانتهى الأمر. لا يغير موقفه ولا منظوره، إلا بتهديد خطير حقيقي يهز مصالحه ومكاسبه... ؛ ولا يغير موقفه إلا تحت  منطق القوة. عندما تقلب الثورة والمعارضة الطاولة على مخططاته الإذلالية والاستعباديّة...وتعمل بما يوافق مصالح وطنها.

    لا مجال لاستمرار الإرادة الحرة والاستقلال والكرامة  إلا بنزع فتيل القوة من نظام الاستبداد... فهو الذي يفرّخ مع داعميه  كل الشرور. وبعدها يمكن لكل المعارضين المختلفين عقائديا وسياسيا تقاسم المكان في الوطن بمنطق العدل وسلوك الديمقراطيّة. فلن يقبل طرف بالانزياح عن مقوقع قوّته... لن يقبل المتصارعون بحقن الدماء من دون تحقيق نصر وسيادة.  وقارىء التاريخ يعرف  أن الحرب العالمية الثانية..كانت بعد الحرب العالمية الأولى...وبعد تسويات ومعاهدات واتفاقات... الاستحقاقات لم تكتمل وقتها. فاندلعت الحرب للتصفية. لذلك؛ فكل مايدور الآن يمكن قلبه بلحظة تحو مصير غير متوقغ.

    الذي أدى إلى إطالة أمد النزاع  والحيلولة دون التوصل إلى رؤية مشتركة  للعمل سياسيا وعسكريا ومدنيا، ليس فقط اللعبة الدولية ومصالح العالم المتفقة استراتيجيا مع أنظمة الرجعية والداعمة للطغا، بل أيضا سياسات المعارضات السورية الدائرة ومناطقها الولائيّة لهذا الطرف أو ذاك ومعاداتها لعقائد بعضها والعمل على إقصائها....أطياف من المعارضين وغيرهم ، يشبهون  وجوه الأنظمة الرجعية الطاغية ومستعدون للتضحية بالثورة من أجل تقاسم السلطة...رجال قادوا المعارضة السوريّة، وهم يتنقلون في مواقفهم وأقوالهم بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، مع هذا  أو ضد ذلك..يوما هنا ويوما هناك....

على من يريدون قيادة  المعارضة وتمثيل الثورة الالتزام؛  باطنا وظاهراً ، بروح الثورة ومطلب الحرية. وأن يكونوا  ديمقراطيين حقا ونهضويين يسعون للاستقلال الحقيقي، مؤمنين بالعدالة والحرية يماروسون ذلك؛ قولا وفعلا. وأن يكونوا صادقين نازهين. والأهم احترام  الشعب الثائر  واحترام دمائه. وعليهم تقديم  خطاب ورؤية نابعين من أهداف الثورة والناس التي تقدم الثمن الغالي من أجل الحرية

قارىء الثورات يدرك أن الثورات  موجات.... التقاعس تحت مسمىى العجز لا يؤدي إلى نتيجة.. تحرير الأوطان لا يكون بيوم وببعض جهد ومن دون تضحيات عظيمة. لن تتحرر بسهولة وسرعة هذه الشعوب العربية التي اعتادت الرضوخ والانصياع حتى أصبح المناضل في سبيل الحرية والحق  إرهابيا، أو معاديا للدولة.  وحين أصبح الفن سوق المتعة الرخصية. وحين صار النصب شطارة والكذب مهارة...وراحت القيمة الوحيدة المحترمة هي قيمة  المال، ولا يهم كيف يجري تحصيل المال.

التحرير يلزمه زمن ومنظور ثوري وإيمان راسخ....واستعداد جمعي للتضحية من دون تباك مذل، ثم قيادة ناضجة تحمل خطابا تعبويا واقعيا ذا مصداقية وشرعيّة.