بعض المحسوبين على الطبقة المثقفة يخجلون من ارتكاب أخطاء حين يتكلمون الفرنسية

بعض المحسوبين على الطبقة المثقفة يخجلون من ارتكاب أخطاء حين يتكلمون  الفرنسية ولا يشعرون بأدنى حرج وهم يخطئون حين يتكلمون العربية

لم ينجل الاحتلال العسكري الفرنسي عن وطننا إلا بعد أن خلف عقدة الشعور بالنقص لدى شريحة عريضة من المثقفين ، وهي عقدة لها أعراض كأعراض المرض منها الشعور بالخجل من كل ما هو أصيل سواء كان ماديا أم معنويا، بل صار الأصيل موضوع سخرية وتندر عند هذه الشريحة التي خلّفت المحتل في أسلوب حياته هنداما، وطريقة حديث، وطريقة تفكير ... وبدا المغرب المستقل بشريحتين: شريحة المنبهرة بأسلوب المحتل في الحياة والتي عمق لديها هذا الأخير عقدة الشعور بالنقص أمام أسلوب حياته ، وشريحة المحافظين على أسلوب حياتهم الأصيل . وظلت الشريحة المنبهرة بأسلوب الحياة الفرنسية تنظر إلى الشريحة المحافظة على هويتها المغربية العربية  الإسلامية الأصيلة نظرة ازدراء وسخرية وتشعر بالاستعلاء عليها ، وفي المقابل ظلت الشريحة المحافظة تسخر من غرور الشريحة المتفرنسة وتراها ضحية انبهار أما أسلوب حياة المحتل، تعاني من عقدة الشعور بالنقص أمام تلك الحياة . ومما زاد في تنامي الشريحة المنبهرة بالحياة الفرنسية فتح آفاق التوظيف أمام الناطقين بالفرنسية  لسد الفراغ الذي خلفه المحتل وراءه على حساب الناطقين بالعربية،  الشيء الذي جعل لغة المحتل شرطا للحصول على لقمة العيش وهو ما عمق المعاناة لدى الناطقين بالعربية الذين همشوا تهميشا .  ولقد انصرفت معظم العائلات المغربية بسبب عقدة الشعور بالنقص أمام أسلوب الحياة الفرنسية إلى تعليم أبنائها على النمط الفرنسي على يد مدرسين فرنسيين تعاقدت معهم الدولة المغربية لأكثر من عقدين بعد الاستقلال. ولقد ظلت عقدة الشعور بالنقص أمام أسلوب الحياة الفرنسية سائدة في المؤسسات التربوية حيث كان المتعلم المغربي يقارن بين المدرسين الفرنسيين والمدرسين المغاربة خصوصا مدرسي اللغة العربية أو الذين يدرسون مواد دراسية  بها . وكان المدرس الفرنسي يثير اعجاب المتعلمين بهندامه ، وسيارته الفاخرة ، وأسلوب حديثه ، في حين كان مدرس اللغة العربية والتربية الإسلامية ومواد أخرى تدرس بالعربية موضوع سخرية واستهزاء المتعلمين بهندامه وبدراجته الهوائية أو النارية ، وقد يمتطي الحافلة مع تلاميذه فيسمعونه شيئا مما كانوا يتندرون به منه تلميحا أو تصريحا ، وقد كانت الألقاب الساخرة الصادرة من المتعلمين حكرا على من يدرس بالعربية ، ولا تليق بمن يدرس بالفرنسية،  وكل ذلك من آثار الشعور بعقدة  النقص أمام أسلوب الحياة الفرنسية . ومما زاد من تكريس هذا الشعور رهان الفئة الحاكمة على الثقافة الفرنسية إذ لا يتحدث المسؤولون إلا اللغة الفرنسية أمام وسائل الإعلام ولا زال حالهم كذلك مع مرور ستة  عقود على استقلال البلاد ، ولا زالت نشرات الأخبار تذاع من قنواتنا الوطنية باللغة الفرنسية، وكأنها اللغة الرسمية للبلاد المنصوص عليها في الدستور. ويخجل المستلبون بالثقافة الفرنسية أشد الخجل إذا ما ارتكبوا خطأ وهم يتكلمون اللغة الفرنسية ، وقد يتسبب الخطأ فيها حين يقع منهم في تدني قيمتهم لدى بعضهم البعض ، والويل لمن حرر منهم فقرة أو تقريرا وارتكب فيه خطأ، فإنه يصير أضحوكة بينهم . ومقابل ذلك لا تثريب على من يخطىء وهو يتحدث باللغة العربية ، ولا يحترم نحوها ولا صرفها كما يحرص على التقيد بنحو وصرف الفرنسية ، وقد يسأل  بأسلوب استهزاء وبكبرياء من يستمع إليه عن كيفية نطق بعض الكلمات أو العبارات بالعربية  ويبادر إلى إعطاء مقابلها بالفرنسية ، و قد يغتنم الفرصة للحديث عن مسار تعليمه وكيف كان يحتل الرتبة الأولى في  اللغة الفرنسية ، والرتبة  الأخيرة في العربية دون أن يخجل من نفسه ، وقد يقص عليك نكتا يتندر بها من مدرس العربية بزهو وغرور، كل ذلك ليبرر عجزه في النطق بلغته الأم أو بالأحرى لغته الخالة لأن أمه هي العامية أو الأمازيغية  بوعي منه وبدون وعي أنه يعاني من عقدة الشعور بالنقص . والطامة الكبرى أن ينصب على رأس وزارة التعليم وزير لا  يستقيم لسانه بالعربية ، ولا يخجل من نفسه في لقاءاته، فيصرح أنه يجيد التعبير بالفرنسية، وحاصل هذا الكلام أنه  يقر بعجزه عن التعبير بالعربية، ومع ذلك جعل مصير التعليم بيده كما يجعل مصير كرة القدم أما وحيد القدم . وأكثر من ذلك أعاد الوزير المغرب إلى أول عهده بالاستقلال من خلال مشروع ما يسمى بالباكلوريا الدولية أو الفرنسية ، وهو مشروع جعل الأسر المغربية تتهافت تهافت الفراش على إلحاق أبنائها بالمؤسسات المتوفرة على أقسام  من هذا النوع من الباكلوريا ، وما أشبه الوضع اليوم بالوضع إبان الاستقلال حيث يكرس طلب لقمة العيش عقدة الشعور بالنقص أمام محتل الأمس . وتحرص  بعض الأسر المغربية خصوصا التي تعاني من عقدة الشعور بالنقص أمام الحياة الفرنسية على تلقين الفرنسية لأبنائها في مؤسسات التعليم الخصوصي منذ التعليم الأولي، وهي تشعر بالسعادة الغامرة حين يعود أبناؤها إلى البيت يرددون عبارات بالفرنسية . ولقد بلغت الوقاحة ببعض من صارت عقدة النقص لديهم تجاه الفرنسية مزمنة  المطالبة بحذف حفظ سور من كتاب الله عز وجل من المقررات في التعليم الابتدائي بذريعة صعوبتها مقابل تحفيظ أناشيد باللغة الفرنسية تطربهم وتشفي غلة عقدة شعورهم بالنقص . ويحرص بعض الآباء على إسماع حواراتهم مع أبنائهم باللغة الفرنسية عند أبواب المؤسسات أوفي الأماكن العمومية قصد إثارة الانتباه إلى أنهم من الطبقة الراقية المثقفة المترفعة عن رعاع وسوقة وعوام العامية والعربية والأمازيعية . أما بعض جالتنا في الدول الناطقة بالفرنسية، فتعتبر نطق أبنائها بالفرنسية مقابل عجزهم عن الحديث بالعربية مفخرة ، وقد تبادر زهوا إلى الإخبار عن عدم نقط أبنائها بالفرنسية حفاظا على هالة عقدة الشعور بالنقص . ويزهو أبناء هذه الجالية على أقرانهم  في الوطن بحديثهم بالفرنسية ، ويجد هؤلاء الأقران عنتا في التواصل معهم بل تتولد لديهم  أيضا عقدة الشعور بالنقص لأنهم لا يجيدون الفرنسية أمام أقرانهم المغتربين .ويحظى أبناء المغتربين الذين تلوك ألسنتهم الفرنسية على طريقة الفرنسيين وبلثغتهم  بالإعجاب من طرف أسرهم وعائلاتهم ، ويغتنم بعض الذين يعانون من عقدة الشعور بالنقص تجاه الحياة الفرنسية الفرصة للتنفيس عن هذه العقدة من خلال بعض الحوارات مع هؤلاء الصغار المغتربين ، في حين لا يشعرون لا هم ولا آباء أولئك الصغار بوخزة ضمير وصغارهم عاجزون عن التعبير باللغة العربية عامية وفصحى . وبسبب المعاناة من عقدة الشعور بالنقص تجاه الفرنسية لا يكاد أجنبي سواء كان فرنسيا أو ناطقا بالفرنسية يسأل عن شارع أو مكان ما حتى ينبري له المجيبون من كل حدب وصوب ، ويتنافس بعضهم مع بعض في الحوار معه لإثبات فحولتهم اللغوية في الفرنسية ،ويتعالى بعضهم على بعض في ذلك، ويا لعار من قل رصيده في الفرنسية  أمام الأجنبي المتكلم بالفرنسية. وإذا قدر لهذا الأجنبي أن  يشارك أصحاب عقدة  الشعور بالنقص المزمنة مقصورة عربة في قطار تجدهم يتحرقون شوقا لمبادرته بالحديث من أجل التنفيس عن عقدتهم ، وقد يبدأ أحدهم الحديث مع هذا الأجنبي، فيتهافت الآخرون على المشاركة في الحديث ،علما بأنه لو لم يوجد بينهم  هذا الأجنبي لما كلم أحدهم الآخر ولو استغرق السفر ساعات طويلة . إن الإنسان ليشعر بالألم والحسرة وهو يرى  عقدة الشعور بالنقص أمام الغة الفرنسية تفعل فعلها في أبناء وطنه ، وقد خصهم الله عز وجل بأفضل لسان بشري اختار أن يخاطب به البشرية في آخر رسالة منزلة من عنده.وأخيرا نقول ليس العيب أن تخطىء في الفرنسية أو غيرها  من اللغات لأن عذرك مقبول إن أخطأت بل العيب كل العيب أن تخطىء في العربية لأنه لا عذر لك في ذلك , وإن الشعور بالزهو إنما يكون حينما ينطلق لسانك بالعربية  لا بغيرها . فمتى سيتحرر البعض من عقدة الشعور بالنقص أمام أسلوب حياة الفرنسيين ولغتهم ؟ ومتى سيتحدث الناس العربية في حياتهم اليومية دون الشعور بالخجل من ذلك ؟ ومتى سيخجل المسؤولون من أنفسهم وهم يتكلفون الحديث بالفرنسية أمام وسائل الإعلام ، وهم عاجزون عن تركيب جملة أو فقرة بالعربية ؟  ومتى ستحرر التقارير الرسمية بالعربية الأنيقة ؟ ومتى ستحمل شوارعنا أسماء بالعربية ؟ ومتى  ستزول عقدة الشعور بالنقص أمام أبناء محتل الأمس؟

وسوم: العدد 705