العذاب الغليظ مصير الذين يتبعون أمر كل جبار عنيد

يقول الله عز وجل في محكم التنزيل : (( وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود )). ومعلوم أن ذكر أحوال الأمم السابقة في آخر رسالة سماوية الغرض منه استخلاص العبر مصداقا لقوله تعالى : (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )) وقوله تعالى : (( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون )). ومعلوم أن قوم عاد سكنوا ما بين اليمن وعمان في منطقة تسمى الأحقاف وهي كثبان رملية ، وكانت عاصمتهم مدينة إرم ذات العماد التي كشفت الأقمار الصناعية لوكالة الفضاء  الأمريكية " ناسا " أنها مطمورة تحت حوالي 12 مترا من الرمال  كما جاء في القرآن الكريم ، وذلك سنة 1990 بعدما كان الاعتقاد السائد هو أنها مجرد أسطورة . والعبرة من سرد قصة عاد قوم هود هو حلول العذاب الغليظ بهم لجحودهم بآيات ربهم وعصيان من أرسل إليهم  واتّباع  الجبابرة  المعاندين . وواضح أن مصدر جحودهم بآيات الله عز وجل وعصيان من أرسل إليهم بتلك الآيات هو اتباع المتجبرين المعاندين منهم . ولكل عصر جبابرته المعاندون الذي يستخفون بعقول أتباعهم فيتابعونهم في أمور التجبر والعناد . ولا يخلو عصرنا هذا  من هؤلاء الجبابرة المعاندين، ولا من الذين يتّبعونهم .وسنة الله عز وجل في الخلق أن مصير الجبابرة المعاندين ومصير أتباعهم  هو العذاب الغليظ ،ولعنة الدارين عاجلا وآجلا . ولا يحل العذاب الغليظ بالجبابرة المعاندين إلا بعد أن يستكملوا ويستوفوا جبروتهم وعنادهم ، ولا يحل أيضا  بأتباعهم إلا بعد أن يستكملوا ويستوفوا اتّباعهم لهم. ومعلوم أن العذاب الغليظ هو العذاب الشديد الصعب والقاسي والذي لا يطاق ، وهو أنواع كثيرة عند الله عز وجل منه عذاب عاد قوم هود الذي قال الله تعالى فيه : (( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم  ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم )) والريح العقيم هي التي لا تلقح سحابا ولا شجرا  ولا منفعة ولا رحمة ولا بركة فيها،  والعقم نقيض الخصب ،ومنه المرأة العقيم التي لا تحمل ولا تلد . وإذا كان الأصل في الريح أن تسوق السحاب الثقال الماطرة ، فإنها إذا كانت عقيما إنما تسوق الخراب والدمار،  وتجعل كل ما يصادفها رميما أو هشيما . ولقد كان عذاب عاد الغليظ على قدر جبروت وعناد جبابرتها المعاندين ، وعلى قدر اتّباع اتباعهم لهم في جبروتهم وعنادهم . وتأتي أنواع العذاب الغليظ الأخرى على قدر جبابرة كل عصر ومصر، وعلى قد اتّباع الأتباع لهم .  ولا يخلو عصرنا هذا من جبابرة معاندين ، كما أنه لا يخلو من الذين يتّبعونهم في جبروتهم وعنادهم . والجبروت والعناد أنواع منها جبروت وعناد عاد قوم هود ، وقد كان جحودا بآيات الله عز وجل وعصيانا لرسوله . والجحود هو الإنكار الشديد والمتعمد كإنكار ما هو واقع، ومشاهد ،وملموس ، ومحسوس . والعصيان هو الامتناع عن الانقياد . ومعلوم أن نبي الله هود عليه السلام قدّم بين يدي رسالته إلى قومه أدلة وبراهين أو آيات شاهدة على صدقه ، فوقع من قومه الجحود بها ، ورفضوا الانقياد له ،وكان يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل  الذي أعطاهم القوة والرفاهية ،وكان ذلك مما أطغاهم حتى قالوا علوا واستكبارا : (( من أشد منا قوة )) عوض عبادة الأوثان التي لا تضر ولا تنفع . ومعلوم أن لكل نبي آيات ومعجزات منها ما ذكره القرآن الكريم ،ومنها ما سكت عنه ، ويؤكد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " . ومعلوم أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين حملوا رسالات الله عز وجل إلى أقوامهم، وكلها آيات ومعجزات . وهل توجد آية ومعجزة أكبر من مخاطبة الله عز وجل من خلق من البشر وهو العلي العظيم ؟  وككل زمان زمامنا له جبابرته ، منهم الجبار بالبطش والقوة ، قوة أسلحة الدمار الشامل ، ومنهم الجبار المعاند بفكره ، وهما جباران لا يختلفان في جبروتهما، وقد يتابع الواحد منهم الآخر في جبروته  ويؤازره ، ولكل منهما أتباع . فولاة أمور الأمم الضعيفة يتابعون  اليوم  جبابرة الأمم القوية ، ويفرضون على شعوبهم تلك المتابعة  ولسان حال الجبابرة (( من أشد منا قوة ))  وهم يلوحون مهددين بما يملكون من أسلحة الدمار الشامل ، ويتسابقون في صنعها واكتسابها ، وبذلك يتحكمون في مصير العالم، فيقررون ما شاءوا وفق منطق القوة المعبر عنه بما يسمى " الفيتو " أو حق النقض ، وما هو بحق بل هو باطل من صنع الجبروت والعناد .ومن الجبابرة مفكرون يسوّقون فكرهم المتجبر ،ويتابعهم في ذلك أتباع . ولقد جعل الله عز وجل نصيب الجبار العنيد من العذاب الغليظ كنصيب من يتابعه في جبروته وعناده. ومن المؤشرات الدالة على الفكر المتجبر العنيد تجاسره على الوحي، وما أنزل الله عز وجل ، وجحوده لما في هذا الوحي من آيات ، والتجاسر على من أنزل عليه الوحي ،الشيء الذي يحاكي فعل عاد قوم هود . وإن من الجبروت والعناد خوض بعضهم وهم يدعون الإيمان في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم خوض الجاحدين المنكرين لبعض ما جاء فيهما من قبيل  جحود القسمة في الميراث على سبيل المثال لا الحصر، والتي تولى الله عز وجل قسمتها بين الذكر والأنثى بنفسه تحقيقا للعدل الإلهي . ويتجاسر المكابرون على حكم الخالق جل وعلا في الميراث ، ويطالبون بإبطاله بذرائع واهية ، ولسان حالهم ومقالهم على حد سواء " من أفضل منا عدلا أو أحسن منا قسمة  " . ويتابعهم البعض في تجاسرهم على الخالق سبحانه ،ويطالبون هم أيضا بإبطال قسمته تبعا لأهواء المتجبرين المعاندين . وما قيل عن جحود قسمة الميراث بين الذكر والأنثى من طرف المتجبرين المعاندين ينسحب على كل ما يجحدونه مما نص عليه كتاب الله عز وجل أونصت عليه سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أحوال وهيئات وأفعال ... ولما كان العذاب الغليظ متربص بكل جبار عنيد في كل عصر ومصر ، وتلك سنة الله عز وجل في خلقه ،فإن جبابرة عصرنا المعاندين في ما شرع الله سيواجهون لا محالة نصيبهم من العذاب الغليظ، وهو أنواع وألوان يحل بالأفراد كما بالجماعات ، ويشارك التابع  الخاضع الخانع المتبوع الجبار العنيد في عذابه الغليظ ، ويكون نصيبهما منه واحدا . فكم من جبار عنيد بفكره كانت عاقبته سيئة ، وذلك نصيبه من العذاب الغليظ ، وكانت عاقبة من تابعه كذلك . والأدهى من ذلك حلول لعنة الدارين في العاجل والآجل بالتابع والمتبوع في الجبروت والعناد. فهل من متعظ  يخشى الوعيد ؟

وسوم: العدد 705