باحث متخصص في الحركات الإسلامية

باحث متخصص في الحركات الإسلامية

شريف زايد

في العقود الأخيرة برز على الساحة الصحفية مجموعة من الصحفيين يُعَّرفون أنفسهم بأنهم متخصصون في الحركات الإسلامية، وأنهم أعلم الناس بشؤونها، وأخبر الناس بأحوالها؛ ظاهرها وباطنها. وغالبًا ما يكون هؤلاء المتخصصون-إلا من رحم ربي-؛ إما كانوا أعضاء في إحدى هذه الحركات يوما ما، ولكنهم تركوها وانقلبوا بقدرة قادر لمنظرين يهاجمون وينتقدون ليس فقط هذه الحركات، بل وربما أفكار وأحكام الإسلام ذاتها!. وإما هم صحفيون تربوا في مطابخ العلمانية، فكانت تفوح منهم رائحة العلمانية ونتنها في كل كلمة يقولونها أو كل انتقاص يوجهونه لتلك الحركات، والمستهدف في النهاية هو ضرب الإسلام وأحكامه كنظام سياسي، مختبئين وراء الادعاء بأنهم ينتقدون حركات سياسية تقوم على أساس الإسلام وأن الإسلام لم يكن أبدا مستهدفا!.

والغريب أنك لا تجد أبدًا متخصصين في الحركات العلمانية، وإن وجد فهم غالبًا من المادحين لكل ما يقولوه ولو كان كلامًا تافهًا لا قيمة له!، بل تراهم إذا رأوا منهم إنحرافًا أو تبعية للخارج يبررون لهم هذا، باعتباره مجرد خلاف في الرأي والرؤية. بينما في المقابل ترى الباحثين والمتخصصين في الحركات الإسلامية يعتبرون أي شيء لا يستسيغونه انحرافًا عن جادة الصواب!.

والأغرب من ذلك أن هؤلاء المتخصصيين في الحركة الإسلامية لا يملكون من العلم الشرعي ما يؤهلهم لتوجيه انتقادات لأفكار ومفاهيم تحملها الحركة الإسلامية، بعد أن توصلت إليها وأصبحت قناعات لها بناء على الدليل الشرعي من الكتاب والسنة. فإذا تناولوا أعمال حزب التحرير في إطار سعيه لإقامة الخلافة الإسلامية، لم يناقشوا الأدلة التي يستند إليها حزب التحرير في اعتبار أن الخلافة فريضة، بل تراهم يهاجمون الحزب بالادعاء بأنه حزب حالم لا يعيش في الواقع، وأن الخلافة انتهت من زمن بعيد وأن الواقع الدولي لا يسمح بعودتها الآن، وقس على ذلك، فأين النقاش الشرعي هنا؟!.

وغالبا ما يلجأ هؤلاء لما كتبته أيدي مخابراتية تريد أن تشوه حركة ما، فتفتري عليها الكذب، وتلفق لها التهم، وتنسب لها ما لا تقوله الحركة، أو على طريقة "لا تقربوا الصلاة"، ثم يأتي السيد الخبير ليردد ما قرأه كالببغاء دون تمحيص أو تثبت من مدى صدقه!، وربما لا يكلف نفسه عناء البحث في كتب وأدبيات الحركة. بل إن أحدهم كتب رسالة ماجستير عن حزب التحرير، وعندما نقول رسالة ماجستير فهذا يعني بحثًا علميًا موثقًا تتوفر فيه شروط البحث العلمي أو هذا ما يفترض أن يكون عليه، لكن الباحث المتخصص لم يبحث ولم ينقب بل قام بنقل ما افتراه غيره ليحصل على درجة الماجستير "امتياز مع مرتبة الشرف"، وما هي إلا مرتبة الكذب والتلفيق والافتراء لحاجة في نفس الشياطين.

أحد هؤلاء الباحثين الجدد والذي يدعي أنه مؤسس حركة الجهاد في مصر، أصبح ضيفًا دائمًا على القنوات الفضائية المصرية الخاصة والعامة، يوجه سهامه الطائشة يمنى ويسرى، ولم يسلم منها أحد حتى حركة الجهاد الإسلامي التي يدعي صاحبنا أنه مؤسسها، بل أكثر من ذلك طالت سهامه تلك الإسلام نفسه، وبدأ ينافق السلطة الحالية بطريقة فجة ممجوجة، بينما كان في السابق يرى شبيهتها سلطة كفر وحكومة كافرة، وفي وصلة نفاق ظاهر عندما سُئل لمن أعطى صوته في الانتخابات الرئاسية السابقة؟ قال: "إنه لم يكن في المرشحين واحدًا يستحق أن يقف في الصف ساعات طوال ليعطيه صوته"، ثم أردف قائلاً: "إلا أنه هناك مرشحًا واحدًا يستحق أن يقف الساعات الطوال من أجل التصويت له، فلما سأله محاوره؛ ومن هذا المرشح؟ قال الفريق السيسي إن ترشح لمنصب الرئاسة".

لقد وصف هذا الرجل الحركة الإسلامية من بعده بضيق الأفق، وعدم الوعي والتبعية ...، طبعا كل تلك المساوئ للحركة الإسلامية لم تظهر لسيادته إلا بعد أن خرج منها بعد المراجعات التي أشرفت عليها وزارة الداخلية!، وها هو اليوم ضيف دائم في القنوات الفضائية ينسج خيوطة الزائفة في ثوب السلطة، ويجمل وجهها القبيح، ويصف الحركات الإسلامية بكل نقيصة، ألا ساء ما يحكمون.

إن الحركات الإسلامية ليست فوق النقد، وليست معصومة من الزلل، بل هي تخطئ وتصيب ولابد من توجيه النقد لها وبيان أخطاءها وانحرافها إن وجد فيها إنحراف، كما يجب عليها أن تراجع نفسها وتبحث وتنقح فيما تبنته من أفكار وأحكام، ولكن توجيه السهام الطائشة للحركة الإسلامية واتهامها بالباطل هو أمر غير مقبول، وليس الغرض منه هو محاولة لتقويم الحركة الإسلامية أو توجيه النقد البَّناء لها، بل هو مجرد محاولة خبيثة لصرف الناس عن الالتفاف حول التيار الإسلامي.

وأعجب الاتهامات الموجه للحركات الإسلامية من قبل هؤلاء وأشياعهم من رجالات الغرب في بلادنا، اتهامهم بأنهم طلاب سلطة، وكأن طلب السلطة جريمة، مع أن من يطلبها أو يسعى إليها من الإسلاميين المخلصين إنما يسعى إليها من أجل إيصال الإسلام إلى الحكم، فالدولة لديهم هي الطريقة العملية لجعل الإسلام مطبقًا في واقع حياة الأمة، وهو ليس غاية في حد ذاته، بينما الحكم عند العلمانيين مغنم وليس مغرم، يتقاتلون من أجله ويستعملون كل الطرق والأساليب القذرة للوصول إليه، بل ربما يدمرون بعضهم البعض حتى لو وصل الأمر للأعراض. وهم يخوضون عملية سياسية منحطة لا يخفون فيها سعيهم الحثيث للسلطة، ولا يرى هؤلاء الباحثون في ذلك أية نقيصة، فهل هذه هي الأمانة العلمية التي يدعون مراعتها؟!.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)