شهادة تمجيد كويتية للمعلمين الفلسطينيين
كشفت وزارة الداخلية الكويتية أنها أذنت لوزارة التربية في البلاد بالشروع في اتخاذ الخطوات الإجرائية للتعاقد مع معلمين فلسطينيين من حملة جوازات السلطة الفلسطينية للعمل في مدارس الكويت بعد أن توقف التعاقد مع المعلمين الفلسطينيين منذ احتلال العراق للكويت في 1990 لاستيائها وغضبها من موقف منظمة التحرير الفلسطينية التي انحازت إلى العراق ، وجسد قوة ذلك الانحياز المتهور تصريح عرفات أن 20 ألف جندي فلسطيني جاهزون ليكونوا في طليعة الجيش العراقي الغازي ! هكذا ! في طليعته ! لا إلى جنبه ، ولا خلفه . نرحب بالخطوة الكويتية الحميدة ، ونخشى في الوقت نفسه ظهور عقبات مفاجئة تعترضها وتلغيها ، ونعبر عن صدمتنا لما كشف عنه " المنتدى الاقتصادي العالمي " من أن مرتبة الكويت التعليمية هي ال141 من 144 دولة ! هذا انهيار كبير فوق كل خيال . وطبعا الأسباب كثيرة ، نعرف بعضها ، ويعرف الكويتيون أكثرها . واستوقفني ما قالته الأكاديمية والبرلمانية الكويتية صفاء الهاشم أمام مجلس الأمة بعد الكشف عن الإذن الجديد باستقدام المعلمين الفلسطينيين . قالت بقوة وشجاعة إن تدني التعليم في الكويت إلى هذا الدرك المخيف سببه مغادرة الفلسطينيين الكويتَ ، وتقصد تخصيصا المعلمين . وامتدحت محاسن المعلمين الفلسطينيين التربوية ، وحددتها في " الفهم والحزم ، وليس التلقين " . وهذه شهادة جليلة من إنسانة نبيلة وشجاعة ، وحريصة حرصا صادقا على التعليم في بلادها . شجاعة حقيقية أن تقول السيدة صفاء ما قالته عن المعلمين الفلسطينيين ، وهو في جوهره عن الإنسان الفلسطيني ، بعد التشويه الكبير الذي لحق هذا الإنسان في الكويت لموقف مخطىء لمنظمة التحرير ورئيسها من كارثة غزو الكويت التي تعاقبت بعدها على العرب أسوأ الكوارث التي نكتوي بنارها المحرقة الآن . أسباب انهيار التعليم في الكويت كثيرة ، وتماثل في بعضها أسباب ضعفه أو انهياره في الدول العربية الأخرى ، والذي لاشك فيه أن غياب المعلمين الفلسطينيين سبب رئيس بين تلك الأسباب . وما قالته صفاء شهادة ناصعة قيمة للمعلمين الفلسطينيين تقر بكفاءتهم وإخلاصهم دون أن نزعم هاتين الصفتين وقفا مقتصرا على الفلسطينيين إلا أنهما في السائد صفتان ظاهرتان بقوة ورسوخ في المهني الفلسطيني ، ويضاعف قوتهما ورسوخهما شعور الإنسان الفلسطيني شعورا عميقا متمكنا أنه مغاير وطنيا وإنسانيا للآخرين الذين يكون تقصيرهم في العمل أخف سوءا وضررا من تقصيره ؛ فلهم وطن يرجعون إليه إن أقصوا من البلد الذي يعملون فيه ، ولهم ممثليات تدافع عنهم وعن حقوقهم . هذا هو السائد . الفلسطيني يعلم أنه " كما خلقتني يا رب " ، وليس لديه ترف التقصير في العمل وتوقع النجاة من سوء مآله . وتنبه شهادة السيدة صفاء ألما في نفس الإنسان الفلسطيني . إنه إنسان كفء ، يخلص في مهنته ، وهو شجاع مضحٍ حين يقاتل سارق أرضه ومشتته ومخرب وجوده ، لكنه في السياسة والأداء الوطني الكلي صفر كبير ، والسبب نكبته بمتسيسين اتخذوا قضيته ومصيره تجارة مربحة حتى انتهوا إلى أعوان للاحتلال . ليس من شعب لديه سجون لسلطتين سوى الشعب الفلسطيني في الضفة ، ومن قبل في غزة : سجون إسرائيل ، السلطة الحقيقية ، وسجون السلطة الفلسطينية ، السلطة الوهمية التي لا تستطيع حماية ولو عنزة فلسطينية ، انسجاما _ لفظيا على الأقل _ مع اسمها ، وسبب دخول سجون السلطتين ، الحقيقية والوهمية واحد ، هو مقاومة الاحتلال . وتربويا ، أحسب رجعة المعلمين الفلسطينيين إلى العمل في الكويت ، وأقدر ألا يكون عددهم كبيرا ، لن تحدث تحسنا واضحا في مستوى الطلاب الكويتيين للاختلاف الواسع بين الأجيال السابقة والجيل الحالي من المعلمين والطلاب ، الأجيال السابقة كانت أكثر جدية وأوضح حافزية في التعليم والتعلم من جيل اليوم ، وهذا حادث في كل العالم وإن يكن على مستويات متباينة انبثاقا من هوية كل مجتمع وظروفه المتنوعة . على كلٍ الخطوة الكويتية حقيقة بالترحيب والثناء ، وستكون ذات نفع للطرفين مهما قل حجمه عما كان في الماضي .
وسوم: العدد 707