القابضون على الجمر

حتى نرجع!

يُحكى أن ابنة هولاكو كانت تتجول في شوارع بغداد، فرأت حشدًا غفيرًا من الناس قد تحلقوا حول عالم من علماء المسلمين، فسألت حرَّاسها: ما هذا؟

فقالوا: عالم من علماء المسلمين يجتمع الناس حوله عادة

فأمرت أن يأتوها به مربوط اليدين والرجلين بعمامته، ففعلوا، ولما وضعوه بين يديها سألته: أنت عالم من علماء المسلمين؟

فقال: نعم

فقالت: إن الله يُحبنا ولا يحبكم، فقد نصرنا عليكم ولم ينصركم علينا.

فقال لها: أتفكين وثاقي وتعطيني الأمان، وأجيبكِ؟

فأمرت بوثاقه فَفُكَّ، وأعطته الأمان

فقال لها: أتعرفين راعي الغنم؟

قالت: كلنا نعرفه

فقال: ما يفعل إن شردت غنمه وما أطاعت أمره؟

قالت: يُرسلُ عليها كلابه لتعود إليه

قال: فإن عادتْ إليه ماذا يصنع؟

قالت: يكفيها شرّ كلابه

فقال: وهذا مثلنا ومثلكم، إن الله هو الراعي، ونحن غنمه، وأنتم كلابه، وما سلط الراعي الكلاب على الغنم إلا لأنها خالفت أمره، فإن عادت إليه ردّ كلابه عنها!

هذا هو حالنا اليوم، قطيع شارد هان أمر الراعي عنده فهان على الراعي وأطلق عليه كلابه حتى يرجع!

حتى تُدرّس سورة الأنفال في المدارس، ويسبق الشبابُ الشيوخ إلى صلاة الفجر، فمن خان حيّ على الفلاح خان حيّ على السلاح!

حتى ترجع هذه الأمة جسدًا واحدًا إذا أصيب فيها عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، فلا تُقصف حلب على الهواء مباشرة، ولا تُحاصر غزة، ولا تستباح بغداد، وتؤسر صنعاء، ولا يُمنع الأذان في القدس، وإذا حدث هذا هرعت الأمة إلى بنادقها لا إلى الفيس بوك وتويتر تفتحُ الهاشتاقات وتنظمُ الشعر!

حتى تصبح أفعالنا أكبر من كلماتنا، فيرتجف عدونا إذا قال له خليفتنا: يا ابن الكافرة، الجواب ما ترى لا ما تسمع!

حتى نفخر بحفظة القرآن كما نفخر بخريجي الهندسة، ونفخر بحفظة صحيح البخاري كما نفخر بخريجي الطب

حتى لا تُظلم الزوجات في البيوت، ولا تُقهر البنات على الأزواج ويُبعن لمن يدفع مهرًا أعلى، ولا يُؤذى الجيران، ولا نلوك لحوم بعض!

حتى يرجع رمضان شهر الفتوحات لا شهر السمبوسك وباب الحارة وطاش ما طاش، ويصبح متابعو قناة السّنة أكبر من متابعي قناة أم بي سي، وعدد الأطفال في حلق تحفيظ القرآن أكبر من عدد الأطفال في "ذا فويس كيدز"

وحتى ذلك الحين، هذه هي الحال، وستبقى الكلاب تنهش حتى يفيء القطيع إلى أمر الله فيجعله أمة كما كان!

وسوم: العدد 707