وفد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكسرى الفرس

يقول الرواة: ان الأربعة عشر رجلاً كانوا جميعاً أصحاب هيئة وجسامة، وكانوا جميعاً يزيدون في طولهم على المترين، وعلى رأسهم النعمان بن مُقَرِّن الصحابي الجليل انتخبهم سعد رضي الله عنه عن امر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليدعوا كسرى للاسلام قبل معركة القادسية .

وعلم الفرس بقدومهم، فخرج الشعب الفارسي ليشاهد هؤلاء العرب الذي كانوا يعتقدون أنهم أعراب أجلاف ليس لهم في الحرب شيء.تقول إحدى النساء اللائي أسلمن بعد ذلك: فوقفنا ننظر إليهم، والله ما رأينا أربعة عشر مثلهم قَطُّ يعادَلون بألف، وإن خيولهم لتنفث غضباً وتضرب في الأرض، ووقعت في قلوبنا المهابة وتشاءمنا.

دخل الوفد المسلم لايوان كسرى، وحول يزدجرد الحاشية في نصف دائرة، وأقرب شخص له على بعد ثلاثة أمتار، وحوله الوسائد الموشاة بالذهب، وذلك لإيقاع الرهبة في قلوب المسلمين فيُجبُنوا، ولكن المسلمين دخلوا - ولم يكن هذا الأمر في خاطرهم - حتى وصلوا إلى مسافة من يزدجرد . و اثناء الحوار قال له المغيرة بن زرارة: "فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تُسْلِم فتنجي نفسك".

مُنتهى القوة والعزة في الكلام والمترجِم يترجم هذا الكلام ثم جاء عند كلمة (صاغر) فلم يعرف ترجمتها، فنقلها كما هي، فقال: (صاغر). فسأل يزدجرد: ما معنى صاغر؟، فقال له المغيرة بن زرارة: أن تعطي الجزية ونرفضها، فتعطيها فنرفضها، فترجونا أن نقبلها، فنقبلها منك.

غضب يزدجرد؛ فوقف وقال له: أتستقبلني بمثل هذا؟، فقال المغيرة بن زرارة: إنك الذي كلمتني، ولو كان كلمني غيرُك لاستقبلته به. فغضب كسرى ونادى على حاشيته لتقترب منه، لكي يأمرهم بأمر شديد.

ثم قال كسرى للمسلمين: من أشرفُكم؟، فتقدم عاصم بن عمرو التميمي، وقد ظن أنه سيُقتَل، وقال: أنا أشرفهم. فدعا يزدجرد بوِقْرٍ من تراب (أي وعاء) وقال: ضَعُوه على رأسه. فوضعوه على رأس عاصم بن عمرو التميمي، ثم كرر عليه: أأنت أشرفهم؟، فقال: نعم، أنا أشرفهم. ثم قال لهم يزدجرد: "لولا أن الرسل لا تُقتَل لقتلتكم، اذهبوا لا شيء لكم عندي".

وخرج الوفد بسرعة من إيوان كسرى إلى سعد بن أبي وقاص، وهم فرحون مستبشرون، وعلى رأس عاصم بن عمرو التميمي التراب يضحك ويقول لاصحابه : أعطَوْنا أرض فارس فمَلَّكنا الله أرضهم. ثم جاء بعد ذلك رستم، ولم يكن حاضراً هذا اللقاء، فدخل على يزدجرد، وقال له: ماذا رأيت؟، فقال: والله رأيت قوماً ما رأيت مثلهم من قبل، ولم أكن أعلم أن العرب فيهم مثل ذلك، ولكن أشرفهم كان أحمقهم. فقال له: لِمَ؟ قال: سألته من أشرفهم؟ حتى أحمله وِقْراً من تراب، فقال: أنا. وكان يستطيع أن يتَّقِيني، وأنا لا أعلم. فقال رستم: بل هو أعقلهم. فقال له: لِمَ؟؛ قال: لأنك أعطيته أرض فارس، يَا للشُّؤم. وعندما سمع يزدجرد هذه الكلمة أرسل فرقة تلحق بالمسلمين؛ لكي يأخذوا منهم وِقْرَ التراب ولكن المسلمين كانوا قد وصلوا إلى معسكرهم، فأفلتوا منهم. فانظر كيف يُلقِي الله الرعب في قلوب أهل فارس .

وسوم: العدد 708