مقاومة بلون الموت
حين قلنا سابقا، بأن فلسطين لا تحتاج الى شعارات، وادعاءات، او فذلكات، وأنها يجب ان تكون فوق صغائر النفوس الموبوءة بالخيانة والجريمة والرعب والقتل والتشريد، حين قلنا ذلك، وقف الكثير ممن لم يكونوا يوما في حساب النضال والتضحية والفداء، ليقولوا بان الأنظمة الممانعة والمقاومة، هي التي تمثل خط السير نحو القدس، وكانوا يقصدون بذلك النظام الصفوي وتابعيه، نظام الأسد وحزب اللات في لبنان.
كانت إيران واتباعها في العالم، تنتقد دولة قطر لوجود القاعدة الامريكية فيها، وكذلك تتهم السعودية ودول الخليج بانها تابعة وخاضعة للإرادة الامريكية، لم يكن يومها غير الوعي سلاحا للصمود بوجه هذه الادعاءات، كنا نقول بفم صادق باننا ضد الوجود الأمريكي في الأراضي العربية، ولا ندافع عن وجوده. ولكننا في المقابل كنا نود من " دول الممانعة والمقاومة" ان تثبت وبدليل قاطع انها كما تدعي، وكنا نود ان تكون بتكوينها وفكرها وعقائدها بعيدة عن احداث الدمار والقتل وسفك الدماء البريئة للشعوب العربية الإسلامية، وما كنا نوده ان يدركوا تمام الادراك ان الكذب حباله قصيرة جدا، وان المواطن العربي، وهنا اقصد تسعون بالمائة من الشعوب، ليست بالغباء او قصر النظر الذي يتخيلوه هم، بل هو مواطن قادر على التفكير والاستنباط والاستدلال، بان الفكر الصفوي بما هو عليه الان، يشكل خطرا مباشرا ومحدقا بتكوين الفكر العربي والإسلامي، وان هذا الخطر لا يقل ابدا عن خطر الاستعمار الغربي والصهيوني، بل يفوقه بدرجات كبيرة تصل الى حد وضع الحسابات المنطقية والدلالية حول حجم الخطر الصفوي، "ودول الممانعة والمقاومة".
لنبدأ بالغزو العالمي لأفغانستان، ونحن هنا تحريا للدقة، سنتناول الموقف الإيراني، الذي اعلنه الكثير من الساسة الإيرانيين، فهم اقروا بالتعاون مع القوات الامريكية من اجل اسقاط حركة طالبان والقاعدة، لكن الحقيقة التي كانت وراء الجملة هي تفتيت أفغانستان وانهاء محتواها العقدي والثقافي والإنساني من اجل السيطرة عليها من خلال اشعال الفتنة الطائفية، وانا اقر بانها نجحت في هذه الخيانة العظمى، وان أفغانستان اليوم منطقة ممزقة تقاتل ذاتها وتكوينها، ولكن أيضا، هناك عدد القتلى الذين سقطوا منذ اعلان الحرب، وحتى يومنا هذا، ايران واتباعها يتحملون الوزر الأول لكل روح ازهقت، ولكل امرأة اغتصبت، ولكل رضيع لم يجد ما يسد جوعه من حليب او ماء.
واليوم، اليوم أيضا، تتلاقى المصالح الامريكية الصهيونية الإيرانية، بأوضح صورها، لتصب في تمزيق العراق وتفتيته، وتحويلة الى شظايا وغبار، وقد بلغ المبلغ بإيران ان تؤسس عبر عميلها المالكي، وعميلها الأسد، منظمة تدعى داعش، وتزودها بالأسلحة وبالتنازلات عن الأراضي العراقية والسورية كما حدث في الموصل تحديدا، وكما حصل في كل الأراضي السورية، من أجل وضع العالم امام خيارين، إما استبداد الأسد او إرهاب داعش، مع العلم بأن داعش منظمة مرفوضة عربيا واسلاميا، من الشعوب ومن المفكرين، من السياسيين والمدنيين، ليس إرضاء للغرب او أمريكا، بل لأننا دعاة حق وسلم وسلام، ولأننا ننأى بإسلامنا ان يمثل يهذه الطريقة التي لا تمت للدين او الاخلاق بصلة.
لكن، أليس من حقنا ان نناقش كم الإرهاب والقتل والتدمير والتهجير الذي احدثته منظمة خرجت من الحضن الصفوي " ونظام المقاومة والممانعة"، وهما يشكلان بالمفهوم الدولي والقانوني "دولا" يجب ان تحترم القانون والأخلاق والإنسانية.
بحسابات بسيطة جدا يتقنها اغبى الاغبياء، لو حصرنا ضحايا داعش بما مارست من إرهاب، فانه لا يشكل واحد بالمائة مما مارس الإرهاب الإيراني "وأنظمة الممانعة والمقاومة بما صنعت من مليشيات إرهابية بعدد يكاد يصل الى المئة مليشيا جميعها من الشيعة المساندة للفكر الصفوي التصفوي"
بعد أفغانستان، جاء دور العراق، عراق العراقيين الاحرار، الذين استطاعوا ان يمرغوا وجه ورأس الإرهاب الصفوي على تراب الرافدين، حفظوا ذلك للعراق، وحين جاءت الهجمة الامبريالية على العراق، شحذوا اسنانهم، استلوا حقدهم، نبشوا ضغائنهم، وشاركوا بكل ما يملكون من قوة في تدمير ليس الحضارة العراقية فقط الممتدة الاف السنين، بل شاركوا أيضا بتحطيم الشخصية العراقية، الانسان العراقي، كانت سعادتهم تتبدى وتظهر، بكل سقوط للجيش العراقي في شباك الموت والذل والاستسلام.
هنا كان لا بد من خلق إرهاب يخفي ارهابهم، كانت الحكومة الإيرانية بكل فرد فيها ودون أي استثناء، تصنع تنظيم داعش من خلال عميلها المالكي، وقد ثبت ذلك من الدعوات العراقية التي نهضت لمحاسبة المالكي على ما اقترف من جرائم بحق العراق، وبحق التاريخ والشخصية العراقية، هناك ملاحظة مهمة جدا تؤكد بشكل قاطع ما ذهبت اليه في تحليلي، وهو ان منطقة الجنوب العراقي والتي تسمي بالعمارة، واغلبيتها من الشيعة العرب، رفضت وبشكل قاطع استقبال المالكي او دخوله اليها بسبب خيانته للعراق.
ولكي تكتمل الصورة التي أراد النظام الإرهابي الإيراني ومعه "أنظمة الممانعة والمقاومة" ان يرسموها للثورة الشعبية السورية التي انطلقت بسلمية مطلقة، كان لا بد من تمديد الجسد الداعشي بمساندة النظام السوري وحزب اللات المحتل للبنان باسم ولاية الفقيه كما أعلن زعيمة بفخر، كانت الامدادات تتوالى من النظام الإرهابي الإيراني، وكان النظام السوري بأوامر من ولاية الفقيه يسلم المناطق منطقة تلو منطقة لداعش.
ونحن هنا من حقنا أن نسأل، مرة أخرى، عن الخسائر التي الحقها تنظيم داعش في العراق وسوريا، وعن حجم الخسائر التي شارك النظام الإيراني بإيقاعها في الوطن العراقي والسوري، لنقل على سبيل المبالغة الهائلة بان داعش قتلت خمسون او مئة ألف في العراق وسوريا، فما هو العدد الذي اسقطه الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، وحزب اللات، والمليشيات التي استوردت كمرتزقة لإبادة العراقيين والسوريين، أضف الى ذلك نظام العصابة التي تحكم دمشق باسم نظام او دولة.
أكثر من مليون سوري ومئات الالاف من العراقيين سقطوا تحت وطأة هذا الممنهج والمؤطر، من مؤسسات " حكومية تحت اسم الجيش الإيراني، الحرس الثوري، فيلق القدس" ومن منظمات إرهابية " حزب اللات، الحشد الشعبي، أبو الفضل العباس، كتيبة قمر بني هاشم، لواء الفاطميين، لواء ذو الفقار، كتائب حزب اللات العراق، كتائب سيد الشهداء، قوات الشهيد محمد باقر الصدر (منظمة بدر الجناح العسكري)، لواء كفيل زينب، لواء أسد الله الغالب، فوج التدخل السريع، فرقة "فاطميون" وفرقة "زينبيون"، ولو اردت ان استرسل في تسمية مليشيات وعصابات الإرهاب الإيراني التابعة للحرس الثوري لاسترسلت، لكن هنا البحث يقوم على أساس اثبات وجود اذرع إرهابية تتلقى أوامر مباشرة من الرئيس الإيراني ممثلا بحرسه الثوري وولاية الفقيه التي تصدر فتاوى متتالية ضد المناضلين والثوار في سوريا والعراق واليمن.
وهذا الكلام لم تكن إيران في بداية الثورة السورية تعترف به، لكن الاسرى الذين وقعوا بأيدي المقاومة السورية، والقتلى من المستوى الإرهابي الرفيع من إيران، والتي ظهرت كلها على شاشات الرائي وشبكات التواصل الاجتماعي، اضطرت إيران للكشف عن وجهها الغارق بالإرهاب والجريمة والابادة.
اليمن، اس العرب والعروبة، اقحاح التاريخ واللغة والعرق النقي، استهدفتهم إيران بحقدها وغلها وغيظها وقهرها، فأنتجت كما هو معلوم الحرب التي حصدت مئات الالاف من الأرواح، وما زالت بكل قحة ووقاحة، تدعي انها ستواصل المعركة هناك حتى تسيطر على العرب والعروبة، بل منشأ وأصل العرب والعروبة.
وللتذكير فقط، فان ايران بكل قوة وصلافة ارهابها، كانت تفتخر بعنجهية طائفية مقيتة، بانها احكمت سيطرتها على اربع عواصم عربية، اليمن والعراق وسوريا ولبنان، انا اعترف انهم من خلال زعيم العصابة الطائفية بلبنان المسماة حزب اللات، قد سيطروا تماما عليها، لكنهم، حين ووجهوا بعاصفة الحزم وقوات التحالف في اليمن، وحين انفجرت الثورة السورية المباركة، وادركوا بان نهايتهم أصبحت على بعد شعرة فقط، لم يكن بين سقوط الطاغية في العصابة الإيرانية الإرهابية الحاكمة لدمشق سوى قليل من التضحية والعزيمة، هرعت الطغمة الإرهابية الحاكمة لإيران، مع كل ميليشياتها واحزابها الى اسيادهم في روسيا، يقبلون الايدي والارجل، من انقاذهم من الهزيمة التي كانت ستطال كل الإرهاب الإيراني في المنطقة، وهذا ما اعترف بوتين حين زور الحقيقة وزيفها بطريقته المعهودة الموروثة من ستالين حين قال: " بأن دمشق كانت ستسقط خلال أيام بيد الإرهاب لولا تدخل روسيا في الوقت المناسب".
لقد كان محقا مئة بالمئة فيما قال، لكنه لم يفترق عن الإرهاب الإيراني بوصف الثوار بالإرهابيين.
أكثر من مليون عراقي قتلوا بسبب التدخل الإرهابي الإيراني، ولنفس السبب قتل أكثر من مليون سوري، وهجر من العراق ملايين، وشرد من سوريا أكثر من نصف عدد سكان سوريا، وفي الحالتين، كان الإرهاب الإيراني الشامل يفرغ المدن والقرى من أهلها لزرع مليشيات شيعية موالية لإرهابه، لتغير الديمغرافيا وتغيير الطوائف من اجل تغذية شهية ارهابه في الحاضر والمستقبل. في اليمن أيضا، مئات الالاف سقطوا بسبب الإرهاب الإيراني، وفصل الشعب اليمني الى شعبين، كل هذا الإرهاب بكل ما قدم من صور مغرقة بالخزي والعار والدناءة والجبن، والعداء للدين، وأول العداء للحسن والحسين رضي الله عنهما وارضاهما، كل هذا الإرهاب، ترك على غاربه، من دول وحكومات العالم، ومن المؤسسات الإنسانية والقانونية، وكأنهما على اتفاق واضح جلي على أصل ومؤدى هذا الإرهاب.
سأعود يوما لأكتب قصصا مرعبة عن شهادات سورية وعراقية ويمنية ولبنانية وفلسطينية، سأوثقها ايمانا مني بان الإرهاب مهما اشتد وقوي وارتفع، ان نجا الان ولفترة قصيرة من القانون الإنساني، فانه سيسقط امام عزيمة الثورة والثوار في ربوع اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وسيأتي التاريخ، بما يملك من قوة وحشد للعدالة السامية، لينحر هذا الإرهاب بقوة الحق والحقيقة.
لكنني الان مضطر للعودة الى تثبيت حقيقة واعية وقوية، وهي ان التحالف العربي بقيادة السعودية للوقوف بوجه الإرهاب في اليمن بداية، هو الخطوة الصحيحة التي تأخرت كثيرا، من اجل تصفية وتنقية الشعوب العربية على اختلافاتها، من الأحقاد التي زرعتها إيران وكل من لف لفيها، ونحن كعرب، ككتاب ومثقفين، كانسان، نقف مع هذا التحالف بكل ما نملك من قوة، ومن قدرة، على ان تستمر هذه العواصف حتى نهايتها، دون الشعور باي كلل او ملل، ودون القبول بأية تسوية تترك فقاعات إرهابية متخمة بكراهة الإنسانية، وكراهة السلم والسلام والعدالة، على التحالف الصمود المطلق مهما كلف هذا الصمود، من اجل انقاذ الطوائف والديانات والرحمة من براثن العداء لكل ما هم جميل ووهاج.
أي تراجع من التحالف، تحت أي ضغط من الضغوط، وتحت أي مسمى سيكون وقوعا بفخ الجبن الذي يتأصل بطبيعة الإرهاب حين يشعر بالهزيمة، وأكبر دليل على ذلك، كيف سلم الإرهاب بكل قضه وقضيضه روسيا مفاتيح الأمور في سوريا من اجل عدم الاعتراف بهزيمة الإرهاب مجتمع امام الثورة السورية التي خلقت وقائع ليس فقط على الأرض، بل وفي ثنايا العالم ودهاليزه وتعرجاته، وكذلك في صفحات التاريخ الذي يسطره الشعب بما قدم من تضحيات وصمود وإرادة
وفي ختام له عودة قريبا، لا بد من الإشارة بان فلسطين بما تملك من تاريخ موغل في القدم، تترفع بكل خصوبة الدماء التي سالت على ارضها، ان تكون جزء من ترويج الإرهاب والقتل والدمار باسمها، تترفع ترفعا ساميا خالصا نقيا، وضاء كشهدها وزيت زيتونها، ان تمثلها عصابات الإرهاب الإيرانية، "ودول ومنظمات المقاومة والممانعة" التي تعمل على اسقاط الدم الفلسطيني من خصوبته وتفجره وفورانه.
فلسطين ارض الثورة والثوار، لا يمكن ان تدنس قداستها بقتلة الشعوب والثوار في العراق وسوريا واليمن، نحن ما زلنا نحتفظ بمقبرة "شهداء الجيش العراقي" في جنين، دون ان يخطر ببالنا ان نبحث هل هؤلاء الشهداء سنة او شيعة، وما زال قبر عز الدين القسام السوري الأصل يعتبر معلما من معالم فخرنا وعزتنا، وهناك أيضا متفرقات كثيرة لعرب ومسيحين، فعيس العوام، شاهد من شواهد تاريخنا وثقافتنا، وكذلك صلاح الدين ونور الدين وقطز والمماليك والسلاجقة والامويين والعباسيين.
مثل هذه الأرض، من المعيب المخجل القاتل للمروءة ان يقف واحدا مثل زعيم عصابة الحكم في سوريا، او زعيم إرهاب حزب اللات، المتخصص بقتل الثوار والثورة في كل مكان، او فيلق القدس ورعاته المغموسين بالإرهاب، لينتسب الى شخصيتها التي الهمت العالم والهمت التاريخ بروعتها، فكانت قدوة لكل حر وكل انسان وكل عادل ورحيم.
وأنا أطالب بكل ثقة ومنعة، ان يرفع اسم القدس عن فيلق لا يعرف غير قتل الأبرياء وتدمير الإنسانية، القدس اعلى من ذلك، وكذلك رفع اسم فلسطين عن الفرع الذي يقوده صفوي دمشق، فرع الرعب والتعذيب والسلخ وصهر الناس بالمذيبات وطحنهم بالطواحين. لان فلسطين هي مهد الثورة والثوار ضد هذا الإرهاب الذي يسعى الى تفتيت القيم والاخلاق والمبادئ الدينية والإنسانية والحضارية والمدنية.
وسوم: العدد 709