قدوة القيادة في الإسلام 21
قدوة القيادة في الإسلام
الحلقة الحادية والعشرون : وضع الدستور
د. فوّاز القاسم / سوريا
ولقد كان من أهم أولويات الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة كذلك ، كتابة الدستور، وتمتين الوحدة الوطنية ، وتنظيم العلاقات بين المسلمين وبين سكان المدينة من غير المسلمين من جهة ، وبين مجتمع المدينة ، والمجتمعات الأخرى ، من جهة ثانية ..
قال ابن اسحق : وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه يهود ، وعاهدهم ، وأقرهم على دينهم وأموالهم ، وشرط لهم ، واشترط عليهم ..
ولنقف على أهم ما جاء في هذه الوثيقة (الدستور) ، لنتعرف على شكل العلاقات التي أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لمجتمعه الجديد ، ودولته الوليدة .
1- المسلمون من قريش ، والمسلمون من يثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم ، أمة واحدة من دون الناس .
2- هؤلاء المسلمون جميعاً على اختلاف قبائلهم ، يتعاقلون بينهم ، ويتكافلون ، ويوالي بعضهم بعضاً بالمعروف والقسط ويفدون عانيهم (أسيرهم) .
3- إن المسلمين لا يتركون مغرماً (أي مثقلاً بالديون) بينهم أن يعطوه في فداء أو عقل .
4- إن المؤمنين المتقين ، على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم ، أو إثم ، أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين ، وإن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم
5- لا يقتلُ مؤمنٌ مؤمناً في كافر ، ولا ينصرُ مؤمنٌ كافراً على مؤمن .
6- ذمة الله واحدة ، يجير عليهم أدناهم ، والمؤمنون بعضهم موالي بعض دون الناس ، بشرط أن يهاجروا ويلتحقوا بهذا المجتمع وهذه الدولة الإسلامية .
7- لا يحل لمؤمن أقرَّ بما في هذه الصحيفة ، وآمن بالله واليوم الآخر ، أن ينصر محدثاً أو أن يؤويه . وإن نصره فان عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
8- اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ..
9- لليهود دينهم ، وللمؤمنين دينهم ، ومن أسلم من يهود فقد صار من المؤمنين، إلا من ظلم وأثم فلا يوتِغُ (يهلك) إلا نفسه وأهل بيته .
10_ إن علـى المسلمين نفقتهم ، وعلـى اليهود نفقتهم ، وإن بين المسلمين وبين اليهود ، النصر علـى مـن حـارب أهل هذه الصحيفة .
11- المرجع الأول في هذه المدينة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكل مـا كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخــاف فسـاده ، فـان مرده إلى الله عز وجل ، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
12- من خرج من المدينة آمن ، ومن قعد آمن ، إلا من ظلم وأثم .
13-إن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإن الله جار لمن بر واتقى . هشام1 (501) ، بوطي ص 203
وهكذا يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أقام مجتمعه الإسلامي على أسس دستورية راقية ، وأسّسَ دولته الإسلامية ، منذ بزوغ فجرها الأول ، على أتم ما تحتاجه الدولة الحديثة من المقومات الدستورية والإدارية ..
وإن نظرة متفحصة في فقرات ومواد هذا الدستور الخالد ، تبين لنا الأولويات الهامة ، التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بها، ويركز عليها في هذه المرحلة ، مثل : تثبيت أركان الدولة ، وتنظيم العلاقات الداخلية والخارجية فيها ، وتمتين الصف الداخلي للمؤمنين ، وإعداده للدور العظيم المنوط به في المستقبل القريب ، وهو الجهاد في سبيل الله ، لتحطيم كل الحواجز المادية والمعنوية التي تحول دون انطلاق الإسلام ، وتحطيم كل الرؤوس العفنة التي تكيد له ، وتتآمر عليه وعلى أبنائه…