ثقافة الهبل- الطائفية الدّينيّة "مسلم مسيحي"
بما أنّ الجهل مرتع خصب للفتن، فإنّ القوى الإمبرياليّة الطّامعة في منطقتنا العربيّة، تعرف ذلك وتستغلّه جيّدا، ولأكثر من سبب اندلعت حرب طائفيّة في لبنان ما بين " 13 أبريل 1975 - 13 أكتوبر 1990" شاركت فيه مختلف الطّوائف الدّينيّة، وأدّت إلى مقتل ما يزيد عن 150 ألف شخص، وتشريد 40 ألف مهجّر و17 ألف مفقود. ومعروف أنّ لبنان خليط من المسلمين والمسيحيّين والدّروز بمختلف ديانتهم وطوائفهم، ولتكريس الطّائفيّة في هذا البلد وضعت فرنسا التي استعمرت لبنان دستورا طائفيّا، قسّمت فيه مراكز الدّولة الأساسيّة بين الطّوائف الدّينيّة، فرئيس الدّولة مسيحيّ مارونيّ، ورئيس الوزراء مسلم سنّي، ورئيس مجلس النّوّاب مسلم شيعيّ وهكذا.
واشتعلت الحرب الأهليّة بناء على هذه التّقسيمات الطّائفيّة، التي لم تلتزم بطائفيّتها الأحزاب العلمانيّة كالحزب القوميّ السّوريّ، الحزب الشّيوعي اللبنانيّ، وغيرها، كما شاركت فصائل منظّمة التّحرير الفلسطينيّة بهذه الحرب إلى جانب القوّات الوطنيّة اللبنانيّة.
وقد رافقت هذه الحرب جرائم حرب مثل مذبحة مخيّمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيّين في 16 أيلول –سبتمبر- 1982 أثناء الغزو الاسرائيليّ للبنان، واحتلاله للعاصمة بيروت، وقاد هذه المجزرة سمير جعجع وإيلي حبيقة وبمباركة بشير الجميّل، وتحت غطاء اسرائيليّ. وقد وصلت الحرب إلى ارتكاب بعض الأحزاب اللبنانيّة كحزب الكتائب، وحرّاس الأرز خيانة وطنهم، بتحالفهم مع إسرائيل التي زوّدتهم بالسّلاح، وتعاونوا معها على اجتياح لبنان واحتلال عاصمته بيروت، بحجّة الخلاص من الوجود الفلسطينيّ المسلّح على الأراضي اللبنانيّة.
وانتهت هذه الحرب الأهليّة، والتي استغلّت فيها القوى اللبنانيّة العاطفة الدّينيّة الفطريّة لأتباعها، ليكونوا وقودا لهذه الحرب، التي كان يتمّ القتل والخطف والتّدمير فيها على الهويّة الدّينيّة. انتهت الحرب دون أن تحقّق أيّ طائفة ما تريده، وبقي التّقسيم الطّائفيّ كما هو عليه قبل الحرب، ومعروف أنّ الطائفة الشّيعيّة هي التي خرجت رابحة من هذه الحرب، حيث قام الإمام موسى الصّدر بتأسيس أفواج المقاومة اللبنانية المعروفة بحركة أمل في العام 1974م، وقد صادفت بداية الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان بشقّيه: محافظة الجنوب ومحافظة النّبطية، فكان لحركته من أجل المحرومين السّبب الرّئيسيّ في إزالة ذلك العدوان، ودحر فلول المحتلّ الإسرائيليّ. ومع ذلك فقد نأى بنفسه عن التّدخل في حرب لبنان الأهليّة. وفي العام 1982، وكنتيجة للغزو الاسرائيليّ للبنان، واحتلال العاصمة بيروت، وما تبع ذلك من انسحاب مع احتفاظ اسرائيل باحتلالها للجنوب اللبنانيّ، تمّ تأسيس حزب الله اللبناني لمقاومة الاحتلال، واستطاع بمقاومته اجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي اللبنانيّة المحتلة في أيار عام 2000.
"لا توجد مصادر مستقلة تتحدث بالتفصيل عن طرق إدارة حزب الله قبل العام 1989، إلا أن المعلومة المتداولة تفيد أنّ القيادة كانت جماعيّة، إلى أن انتخب الأمين العام الأوّل لحزب الله وهو صبحي الطفيلي، الذي تولى هذا المنصب في الفترة من عام 1989 حتى عام 1991، ثم أجبر على الاستقالة بعد إعلانه من جانب واحد العصيان المدنيّ على الحكومة اللبنانيّة الأمر الذي رفضه الحزب، وتولى منصب الأمين العام عباس الموسوي خلفًا له، لكنه لم يستمر أكثر من تسعة أشهر، فقد اغتالته إسرائيل في عام 1992، ليقود الحزب من بعده حسن نصر الله، الذي لا يزال يشغل هذا المنصب حتى الآن."
وما يهمّنا هو الاحتراب الطّائفيّ الذي استمرّ خمسة عشر عاما، والذي أدّى إلى تدخّل قوّات أمريكيّة وفرنسيّة في لبنان، غير أنّها اضطرّت للانسحاب بعد أن قام حزب الله في أوّل عمليّة عسكريّة له بنسف مقر القوات الأمريكية والفرنسية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1983، وقد أسفرت تلك العملية عن مقتل 300 جندي أمريكي وفرنسيّ.
ومع تفجير كنائس في العراق وسوريا وقتل وتهجير مواطنين مسيحيّين، إلا أنّهيبدو أنّ القوى الأجنبيّة المعاديّة وفي مقدّمتها الولايات المّحدة الأمريكيّة، قد ارتأت أنّ الطائفيّة بين "مسلم ومسيحيّ" غير قادرة على تحقيق أهدافها في إعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة، خصوصا وأنّ المسيحيّين العرب يشكّلون أقليّة دينيّة، لا يمكن أن تكون كافية لاستمراريّة الصّراع حتّى التّقسيم، وقد شاهد الجميع عمليّات تفجير كنائس قبطيّة، واعتداءات وصلت حدّ قتل بعض المواطنين الأقباط في مصر، من قبل جماعات دينيّة إسلاميّة، ومع بشاعة هذه الجرائم وخطورتها إلا أنّها لم تكن كافية لزعزعة أمن مصر، ولم تنسحب على دول أخرى.
ومن هنا جاءت تغذية الخلافات إلى حدّ الاقتتال بين المسلمين" السّنّة والشّيعة" كما يجري الآن في العراق، سوريّا، لبنان، اليمن والبحرين، وليمتدّ العنف المسلّح للتكفيريّين الاسلاميّين إلى بلدان لا شيعة فيها مثل ليبيا وصحراء سيناء المصريّة.
وسوم: العدد 710