كلمة في ذكرى استقالة الرئيس السوري أديب الشيشكلي في ٢٥ شباط/فبراير ١٩٥٤م وانعقاد مؤتمر جنيف الرابع

وفاء أديب الشيشكلي

تمر بنا الأيام والشهور والسنين ننتظر الفرج من عند الله ونتمسك بكل بارقة أمل لعل الفرصة قد سنحت لنخرج من ذلك القمقم المرعب وذلك السرداب المظلم الذي شاء الله أن تقبع سوريا فيه وتعقد مؤتمرات أربعة في جنيف ١ و ٢ و ٣ و ٤ وأستانة ١ و ٢ .. شريط طويل جداً مر بمخيلتي بعد أن عدت إلى الوراء حافلاً بالمصاعب والأزمات والمؤامرات التي انغمست فيها سوريا منذ أكثر من خمسين عاماً تحاك فيها المؤامرات والأطماع من الداخل والخارج إلى أن وصلنا الآن لهذه الحالة المتردية التي أصبح الشعب فيها منهكاً من تلك الأنظمة الشمولية وحكم الحزب الواحد (البعث). لقد أصبح الشعب ذليلاً يلتمس العون من الآخرين بل حتى من أعدائه الطامعين به.. فهل هناك من مُنجد؟

إن بلادنا تحتاج الآن لأكثر من ٥٠٠ مليار دولار لإعادة إعمارها بعد هذا الخراب والدمار الشامل الذي حل بها، كما أن هناك حوالي ١٢ مليون سوري بحاجة لرعاية صحية وأكثر من ٦ مليون نازح داخلي علاوة على أكثر من ٥ مليون لاجئ خارجي.. لقد مر هذا الشريط الطويل في ذاكرتي وأنا أتابع أحداث جنيف لنصل إلى نقطة اللانهاية التي لا أمل فيها بالنهوض والوقوف على أقدامنا من جديد.

من المؤسف أن مرارة الموقف وصعوبة الأوضاع التي وصلنا إليها جعلتني أقارنه بموقف الرئيس السوري أديب الشيشكلي في عام ١٩٥٤م، ذلك الحاكم الذي تنازل عن الحكم حقناً للدماء والذي يصادف اليوم تلك الذكرى من أجل أن يمنع سفك قطرة دم واحدة من أفراد شعبه أو جيشه.

فانظروا الآن إلى كل هذا الدمار الذي حدث لمختلف أرجاء البلاد في حلب وحمص وحماة ودمشق.. والموت للشعب الأعزل عدا عن التعذيب بمختلف آلياته وصولاً إلى ”المسالخ البشرية“ والقتل لمجرد معارضتهم للنظام.. فكل هذه الأموال التي تنفق والمؤتمرات الدولية التي تُعقد والأرواح البريئة التي تُزهق والعالم لا يزال يتمسك بالنظام وبشخص الرئيس الذي يتصدى لشعب ثار عليه من أجل حريته وكرامته وهتك حجب الظلام وأغلال الجهل والعبودية وليس من أجل انقلاب عسكري كما حدث ضد الرئيس أديب الشيشكلي بهدف حب السلطة والجشع والأنانية بل درءاً للبطش والهيمنة والجور والظلم من دون أي وجه حق.

لقد أعاد بشار الأسد البلاد للوراء بتدمير بنيتها التحتية إذ تحتاج الآن سوريا لأكثر من عشرين سنة لإعادة إعمارها، ورغم كل هذه التكاليف والمؤتمرات التي تعقد من أجلها لا يزال الأسد مستمراً في القتل ومتشبثاً بكرسي الحكم الذي لم يشأ أن يتمسك به أديب الشيشكلي مطلقاً عندما أيقن أن بلاده تحتاج للتضحية في سبيل رفعة شأنها والحفاظ على استقلالها وحقناً للدماء حيث سارع إلى تقديم استقالته التي قال فيها: «رغبة مني في تجنب سفك دماء الشعب الذي أُحب، والجيش الذي ضحيت بكل غال من أجله، والأمة العربية التي حاولت خدمتها بإخلاص وصدق، أتقدم باستقالتي من رئاسة الجمهورية إلى الشعب السوري المحبوب الذي انتخبني والذي أولاني ثقته، آملاً أن تخدم مبادرتي هذه قضية وطني، وأبتهل إلى الله أن يحفظه من كل سوء وأن يوحده ويزيده منعة وأن يسير به إلى قمة المجد...»

لقد أعاد بشار الأسد بلاده إلى مستويات منحدرة من الجهل والفقر والأمية، فهناك الملايين من الأطفال الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى المدارس ونيل أي قسط من التعليم. لقد جلب المرتزقة من جميع أنحاء العالم ليقاتلوا إلى جانبه ويعملوا على تعزيز موقفه، فدمر البلاد وجعلها لقمة سائغة لأعدائها المتربصين بها أمثال روسيا وإيران.. ولا يزال إلى اليوم متربعاً على عرشه وحاضراً ليمارس الفصل الأخير من دوره في القضاء على سوريا للنهاية، في الوقت الذي يتساءل فيه الجميع من الذي سيستلم مقاليد الحكم بعد الأسد، بل يطالبون بهيئة حكم انتقالي..

لقد جاء يوماً من يخبر أديب الشيشكلي عن وجود انقلاب ضده وعن توجه المتمردين إلى إذاعة حلب لإصدار بيان حول هذا الشأن، ونصحوه بقصف المبنى لإيقاف البث ولكن الشيشكلي لم يشأ أن يفعل هذا بل سأل عن هوية أصحاب الانقلاب وقال: «إنهم لن يكونوا أحرص مني على استقلال سوريا..» وبمرور السنين اعترف قائد الانقلاب آنذاك عندما سئل عن ذلك الأمر أنه بعد مرور الأحداث الحالية على سوريا فإنه شعر بالمرارة والندم على تمرده ضد الشيشكلي، ولكن تُرى هل ينفع الندم بعد فوات الأوان؟ أو ربما يكون بمثابة درس قاس يتعظ به الآخرون..

وسوم: العدد 711