إيران : التقرب إلى الله يكون عبر آية الله عيسى قاسم
تسارعت وتيرة التصريحات تباعاً عبر الماكينة المهترئة لدولة ولي الفقيه ومسئوليها لتواصل بث سمومها من جديد عقب قرار مملكة البحرين السيادي القاضي بسحب الجنسية من رجل الدين الموالي لإيران (عيسى قاسم) بتهمة تأسيسه تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية، ولعبه دوراً رئيسياً في خلق بيئة طائفية متطرفة، والعمل على تقسيم الشعب على أسس طائفية؛ خدمة لمصالح أجنبية.
سارعت إيران إلى وصف هذا القرار بالمتهور وغير المدروس، وأنه يُشكل إهانة للثورة الإسلامية التي ستتحول إلى حمام دم في حال أدين قاسم بشكل رسمي من المحكمة كما أعلن عن ذلك مُمثله في إيران عبد الله الدقاق الذي يُطلق تهديداته تباعاً من طهران وقم ومشهد .
الدقاق رسم مقاربة من خلال لقاءاته الصحفية مع وسائل الإعلام المحسوبة على الحرس الثوري الإيراني، وهذا الأمر له دلالاته الخطيرة والمهمة؛ نختصرها بفكرة واحدة مفادها أن ( الباسدران) يعتبر في عقيدته القتالية مملكة البحرين أحد محافظات الولي الفقيه .
الدقاق ُيطل علينا هذه المرة من نافذة الحرس الثوري، وبتعليمات منه، ليرسم لنا مجموعة من السيناريوهات القادمة على البحرين؛ أولها : أن البحرين ستشهد خلال الأسابيع والأشهر القادمة حالة حشد شعبي غير مسبوقة، يتبعها عصيان أطلق عليه في أحد لقاءاته ضغط جماهيري غير مسبوق استعداداً للقادم .
أما المقاربة الثالثة : معركة الفصل أو الحسم التي ستقود إلى حمام دم وبركان مدوي لا تحمد عقباه، معلناً أنه لا يستطيع الإفصاح عنها في الوقت الحاضر، على اعتبار أن السعودية تضغط على السلطات البحرينية للاقتصاص من عيسى قاسم بشكل عاجل على أساس كونه رأس الفتنة .
بالمقابل دخل الساسة والعسكر ورجال الدين الإيرانيين بقوة على خط التهديدات المباشرة لمملكة البحرين محذرة من أن قرار إدانة قاسم ستؤجج الأوضاع في البحرين والمنطقة، واصفة ما يجري بالمسرحية الهزلية، وأن هدف الرياض الأساسي – حسب الزعم الإيراني - من خلال إصدار قرار إدانة عيسى قاسم لحرف الأنظار عما يجري في اليمن، ودعم السعودية للإرهاب من خلال دعم الحركات التكفيرية في سورية .
الملفت في الموضوع أن مراجع التقليد العظام دخلوا على موضوع عيسى قاسم من خلال إطلاق صفات القداسة والعصمة للرجل؛ فقد وجه المرجع آية الله السيد كاظم الحسيني الحائري رسالة مطالبًا فيها الشعب البحريني ألا يتركوه، وأن يدافعوا عنه حتى الموت، وعقب عبد الله الدقاق بناء على هذه الرسالة ما يتوجب على الشعب البحريني فعله وفقاً لنصيحة الحائري تتمثل بالتالي:
أ- وجوب حماية الشيخ، وأن لا يترك وحيداً لتتفرّد به السلطة الظالمة؛ فتنال منه وتجتهد في أذيّته، وأي تقصيرٍ في ذلك يُعدّ تهاوناً في أحكام الله تعالى التي يحرم التراخي فيها فضلاً عن تركها.
ب- هذا الوجوب كفائيٌ إذا قام ما به الكفاية، وتمت الحماية الكاملة للشيخ يسقط عن الآخرين، أما إذا لم تتم به الكفاية، فيكون تكليفاً عينيّاً على كل الناس.
ج- لا حدّ لهذه الحماية دون الموت، أي أنه يجب عمل كل ما يحول، ويجنّب المساس بالشيخ والتعرّض له بأذى، وإن كلّف هذا ما كلّف، وإن حصد ما حصد من الأرواح والأنفس، وعلى الغيارى أن يتقنوا الوسائل التي تكفل حمايته.
د- هذه الفتوى ومثيلاتها تبيّن حجم الخسارة الفادحة جرّاء إبعاد الشيخ والإضرار به، بحيث يعد الوقوف ضد هذا الإجراء يصل إلى حدّ الواجبات الشرعيّة.
أما آية الله محمد تقي مصباح يزدي، فكان له رؤية هو الآخر، حيث طالب في تصريح له الشعب البحريني بالتقرب إلى الله بمحبة الشيخ قاسم وطاعته، مؤكداً أن المأساة لن تطول، وستنتهي بإذلال الباطل، معتبراً إياه مالكاً للأهلية الكاملة لوراثة الأنبياء والمعصومين في البحرين، وأن قاسم هو قائد إلهي، وأنه مثالٌ للأنبياء في السلوك والأخلاق والسيرة والعمل.
من هنا سابق الإيرانيون الخطى بشكل مُمنهج لإصدار التحذيرات خلال الأسابيع السابقة ضد مملكة البحرين، حيث زفت لنا طهران بشرى تغييرات كبيرة ستتم من خلال تحويل الثورة السلمية في البحرين إلى ثورة مسلحة وشاملة، وأن هناك تطورات دراماتيكية متسارعة ستشهدها الساحة، وغير متوقعة عما قريب ؛ لأن صيف المنامة هذا العام سيكون حارقاً خلافاً للسنوات السابقة ، على حد وصف العميد بورتسودان أحد قادة الحرس الثوري .
خلال الفترة الماضية رُسم سيناريو من إنتاج الحرس الثوري، حيث تمّ الإعلان أن الأمور باتت تتجه من التنظير إلى التطبيق، وأهمية أن تتجه الأمور إلى مستوى جديد؛ من خلال الدفع نحو مُخطط دموي جديد يتم حياكته بعناية، أبرز ملامحه الرهان على هشاشة الوضع الداخلي في البحرين، وتضارب الآراء والخلافات بين أجنحة الحكم إزاء التعامل مع القضية الشيعية، وفقدان العمق الشعبي الداعم للعائلة المالكة، مما يسمح بتفجير الوضع الأمني الداخلي بسهولة، طبعاً رأس الحربة فيه الرهان على تحريك شيعة البحرين وأصحاب الحقوق المنقوصة من أهل السنة الذين جرى تهميشهم، وضربات تخريبية تقوم بها الخلايا النائمة، والتوجيه نحو بث الفوضى والعنف، ودعم العصيان المدني في قطاعات الدولة التي يمكن توجيهها من خلال الشيعة الذين يسيطرون على قطاعات الدولة الحيوية كالصحة والتعليم، وإغلاق الطرق الرئيسية والحيوية من خلال توقف حركة السير وتعطيلها بشكل كثيف، وهذا بدوره قد يطيح بالنظام الحاكم في البحرين حسب الزعم الإيراني .
النتيجة أن طهران قد نصبت نفسها للحديث بالوكالة عن شعب البحرين لإعادة الثورة إلى مسارها الصحيح، واعتبار النظام الحاكم (يزيدي العصر) الذين يجب الاقتصاص منهم، و يطالبون بالثأر للشهداء الذين نصبت دولة الفقيه نفسها القاضي للاقتصاص لهم .
حفظ الله البحرين من كيد الولي الفقيه ومن شايعه .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 711