عذرا.. أيها التاريخ انا الجزار

اتتحدث عن هتلر؟ عذرا! فانت تظلمني وتقلل من شأني وقدرتي، في امتلاك الحقد والضغينة والضعة والدناءة.

عن موسوليني؟ عذرا! فانت تقلل من امكانات الكره والحسد والجريمة التي تعيش بأعطافي واعطاف اهلي وخلاني ومن أحب ويحبني.

اتتحدث عن كورتيز؟ عذرا! فانت تحجم من قدرات التدمير والسحق والافناء التي املك، ويملك اهلي وخلاني ومن أحب ويحبني.

اتتحدث عن هنري الثامن؟ عذرا! فانت لا تعرف كم يبهجني تقطيع الاوصال ونحر النحور، ولا تدري كم من اللذة املك حين تغتصب فتاة امام والديها واهلها! انت لا تعرف كم المشاعر الوردية التي تتفجر باعماقي حين تغتصب الام امام اولادها وزوجها وبناتها ووالديها!

عن نيرون؟ عذرا! فانت لم تضعني في المكانة التي استحق، فانا لا احرق العاصمة، بل احرق البشر والشجر والحجر والتاريخ والدين والحضارة والثقافة، انا احرق الارض كي لا يبقى مكانا لإنسان او حيوان او حشرة.

عن شارون؟ عذرا! فانت لا تعرف وصاياي للجنود الذين ارسلهم لشرب دماء الاطفال في درعا، وحمص، وحماة، وحلب، وداريا، وكل الارض السورية! اوصيهم بالناس شرا، وبالطير رعبا، وبالحيوان هلعا، وبالأرض اذابة، وبالإنسانية صهرا، ومن الرحمة تبرؤا.

عن راوندا؟ عذرا! راوندا وجدت من يوقف نزيفها! لكن الوطن السوري الذي املك، لا نصير له ولا مغيث، لأنه يعلم مدى ما املك من صلف وغرور ووحشية وهمجية لا تقف عند حد او تعترضها أي عوائق.

عن ستالين؟ عذرا! هو أصغر كثيرا من ان يصل الى كم التوغل في الدماء كما اتوغل! وهو من ملك سيبيريا، لكني من املك صيدنايا، وما أدراك ما صيدنايا؟! املك فرع فلسطين! وما أدراك ما فرع فلسطين؟! وأملك، وأملك، وأملك، وما أدراك ما املك من وسائل واسباب القتل والنهب والتشريد والتهجير والتفكيك والطرد والازاحة والانهيار!

اتتحدث عن الظلم والظالمين! الطغاة على مر العصور! الفراعنة؟! اولئك كانوا في الزمن الغابر، الزمن المنسي الذي لا يطل بظلمه وطغيانه الا على عدد محدود من قومهم، اما انا، فإنني لا اقبل ابدا ان تكون جرائمي وظلمي وطغياني واستبدادي واستبداد اهلي ومن يساندني محصورا في بناء او مدينة او دولة، كيف اقبل ذلك وانا انظر الى فرعون كطالب في رياض الاطفال اذا ما قيست وحشيته بوحشيتي ووحشية اهلي ووحشية من يساندني؟

هو ادعى الربوبية؟! حين كانت الناس لا تعلم عن امور الالهة الا قليل القليل! اما انا فاني وبفخر لا يدانيه شك او حياء او خجل، اثبت ربوبيتي بقوة ظلمي ووحشيتي من خلال جندي، جند الشيطان، او الشياطين برمتهم، الم ترهم كيف يرغمون الناس تحت الرعب والهلع على السجود لصورتي في كل قرية وحارة ومدينة في سوريا؟ الم ترهم وهم يسألونهم من ربهم، فيجيبوا تحت نصل السكين والسيف والساطور بما اريد وما اتمنى. متحديا بهذا الكون برمته، الناس كلهم، الشعوب جميعا، حتى انني جهزت ذاتي وجندي لارتكاب مجازر يومية، يوما هنا في هذا المكان، ويوما هناك في ذاك المكان، حتى ارقت كل العيون على امتداد الكرة الارضية، الا عيون فارس وحزب اللات وروسيا والصين.

اتريد ان تقرأ وصيتي؟ اذن عليك باستجماع الحيوان او بالاصح ما لا يقبل الحيوان ممارسته حتى وقت التضور الى حد الموت جوعا، وكي تصل الفكرة اليك قبل ان نفتح كتاب الوصايا الوحشية، وهي العائلة التي انتمي اليها بحق وحقيقة، الجميع يعرف ذلك، لكنني تنكرت باسم الاسد اقتداء بوالدي الذي ذبح الشعب السوري، واللبناني، والفلسطيني، قبل رحيله الى مكان غير معلوم، سلمني قبل الموت امانة الخيانة والعار والهزيمة والجبن والانكسار، امام كل شيء، الا امام القتل والذبح والسلخ، فأنجزت الامانة باحتلال لبنان من خلال شركاء قادرين على فعل ما افعل وربما اكثر، ونبذت العروبة التي كانت ستارا يؤلم حاسة الخيانة الى حد الاذلال، وبعت سوريا ولبنان الى اسيادي في الحمى الفارسي. بفخر القاتل اقتل! وبفخر الخائن اخون كل معاني الانسانية والقيم والمبادئ والاخلاق.

أما زلت متعطشا لقراءة وصيتي؟ اذن دعني قبل ان انقل لك وصيتي التي اوصي جند الشيطان فيها، انقل وصية والدي الذي لقنني اياها قبل الموت بلحظات.

قال:

ايها الوحش الصغير الغر، الذي ما زالت مخالبه وانيابه غضة طرية، لا تستطيع ان تبقر بطون الحوامل لتدخل الى الاجنة فتمزقها وتفتتها محولة اياها الى غبار وهباء، اعلم. باننا حين قدمنا من بلاد فارس، يزدجرد، ابو لؤلؤة الفارسي، انما قدمنا بعائلة من الوحوش الكاسرة، مخالبها كمخالب الذئاب، وانيابها كأنياب الضباع، ودهائها كدهاء الثعالب، جئنا من هناك وقد اجبرتنا المصالح وبحسرة فائقة ان نتخلى عن مسمانا ونتحول الى مسمى الاسد، لم يكن هذا اختيارنا، لكنه كان طامتنا ومصيبتنا، لان الاسود لها في شرعها قانون، اما الذئاب فطبعها الغدر وهو الطبع الذي فينا وهو الذي نعشق ونهوى، والثعالب فيها دهاء الكذب والتزوير والمراوغة واللف والدوران، واجزم باننا نحن من نقلنا هذه الطباع الى الثعالب والذئاب، كما نقلنا طرق التقطيع وسحق العظام للضحايا قبل موتها الى الضباع، مصيبتنا كبيرة، وفاجعتنا هائلة، حين اضطرنا العرب للتنكر بحمى الاسود، فإياك اياك ان تتخلى عن طباع تلك الوحوش وتركن الى طباع الاسود، فليس لنا منها إلا التنكر والتخفي، ولا نحيد عن انتماءنا وفخرنا وعزنا الى تلك الوحوش. اياك اياك ان تخون الغدر والتزوير والقتل والمراوغة والكذب، لتتحول الى حمل وديع يجزه السكين، او يتسلى به المتعب المرهق.

انا أعلم بانك جبان مثلي، تقطر خوفا وهلعا ورعبا من طفل في يده وردة او غصن ياسمين، ذلك هو مكمن قوتنا وسطوتنا، لأنه كلما تعمق الجبن فينا، كلما كبر الغدر والعهر والكفر والخيانة الى حد ما فوق الاشباع، جبننا هو ما يحولنا الى مجموعة من قتلة لا تعرف الرحمة او تقترب من الإنسانية او حتى اخلاق الحشرات والقوارض، علينا ان ندرك ان الشجاعة تنتمي الى فئة الابطال الذين يملكون العدالة، الرأفة، الرحمة، نحن نعترف بان أسنا وتكويننا وخلطينا وكل من يؤيدنا ويساندنا، هو غل وحقد وضغينة وكراهية، فلا صلة لنا الا بالجبن، والرذيلة والانحطاط والقهر والخيانة، بكل هذا وما شابهه نكون نحن كما كنا وكما نحن فعلا وما يجب ان نكون عليه.

قتل الأطفال واجب في شرعنا، حز رقابهم بسكاكين غير مشحوذة اسمى ما نملك، انظر حولك كيف كنا نبقر بطون الحوامل لنقتل الطفل الذي لم يصل حتى مرحلة الرضاعة بفرح لا يضاهيه فرح، وحين كنا نتبعه بأمه، تقتحمنا السعادة، وليس اشد بهجة في نفوسنا وطباعنا من اغتصاب الفتيات القاصران امام اسرهم من ابوة وامهات واخوة واولاد، فذاك هو فخر ما نحمل من صفات الانحطاط التي تغذينا بالبقاء والاستمرارية، الم تر أيضا كيف اعتصبنا النساء اللواتي بلغن من العمر عتيا، كل ذلك لسحق كرامة الناس والشعب، لنجعلهم يركعون لجبننا، لمبادئنا الممتدة من حقدنا وكرهنا لكل شيء آدمي.

نحن فقط، فقط نحن، ومن والانا من عصابات إرهاب مثل فارس، ومليشيات إرهاب ممنهج مثل حزب اللات، ومن على شاكلتهم، نحن فقط من يستطيع وضع قواعد الإرهاب والتدمير والابادة والتشريد والتهجير والتصفية، نحن فقط، من يستطيع ان يكون عبدا لفارس وروسيا، عبدا مطيعا لا يملك سوى الانحناء المتواصل للعبودية، ونحن فقط، من نفرغ هذه العبودية في رقاب الأطفال والشيوخ والنساء والشباب، نحن فقط، من يستطيع ان يبتكر طرق الموت والعذاب التي يشيب لها الصخر والجبال، كل ذلك بمتعة لا تضاهيها متعة، ولذة لا تشبهها لذة.

يا بني: اقترب فقط من الجبناء الرعاديد، الموسومين بصفات الفرار والهزيمة والهروب، تدرب في بيوت فارس، وفي زوايا حزب اللات وكل المليشيات التي قادتها إيران كقطعان إرهابية، بهم تمسك حتى تطفو خيانتك الى مرحلة تبث روائحها على كل المحيط.

تذكر جيدا ودع أمك تدربك وتعلمك كيف مسحنا حماة عن سطح الأرض، تذكر كيف حاصرنا مخيمي صبرا وشاتيلا كي يتم مسحهما عن الخريطة، لكننا ارتكبنا الخطأ الفادح حين ظننا بان هناك قتلة جبناء على الأرض مثلنا، فنجا من نجا من تلك الجزرة، لو كنا نحن من نفذ ذلك باليدين لمسحنا الأرض والبشر والشجر.

انظر كيف فعلنا بالفلسطينيين في طرابلس، وتأمل كيف اقتلعنا تل الزعتر، حتى أصبح اسما لأثر غابر، كيف منعنا الطير والنمل والحشرات من الخروج، كيف سفكنا الدماء بكل برودة لم تصلها برودة القطب من اسفله الى أعلاه.

هكذا ولدنا، وهكذا سنبقى، وصيتي الأخيرة، ليس عليك وقت الهزيمة سوى الاسترسال بالعبودية للمنتصر كما استرسلنا بعبوديتنا الى إيران وروسيا. فالخداع والخديعة هما أيضا ضمن مكوناتنا، حتى نستطيع ان نعيد فرصة لجزر التاريخ والتأريخ قبل ان نجزر الانسان والحيوان والشجر والحجر.

وسوم: العدد 711