صدق من قال "الرابح في الشرع خاسر" وهو ما صار يصدق على الرابح في الانتخابات أيضا
من العبارات المتداولة بين المغاربة والتي تجري مجرى المثل " الرابح في الشرع خاسر " ويقصد بها أن الإنسان إذا لجأ إلى القضاء لمقاضاة خصمه قد يكون في النهاية خاسرا وإن ربح القضية، والسر وراء ذلك أنه لا يربح قضيته أمام العدالة أو القضاء إلا بعد أن يكلفه ذلك خسارة مادية جسيمة ، وحين يقارن بين ما حصل عليه وما ضاع منه مقابل ذلك يجد نفسه خاسرا وخصمه هو الرابح . وهذا المثل ينطبق على الرابح في الانتخابات عندنا أيضا ويمكن القول " الرابح في الانتخابات خاسر " وربما ستجري هذه العبارة مستقبلا مجرى المثل أيضا . لم نقرأ فيما كتب عن رئيس الحكومة بعد إعفائه كلمة واحدة تنصفه أو تثني على بعض ما قام به إلا ما تضمنه بلاغ الديوان الملكي من تقدير لجهده . ولقد حاول كل من خاض في الحديث عنه أن يظهر برعاته في تعداد أخطائه بشماتة . ومع أن الرأي العام أخبر بأن إعفاء بنكيران من مهمة رئاسة الحكومة ومهمة تشكيلها كان بسبب فشله في هذه المهمة ، فإنه لا زال يجهل ظروف وملابسات هذا الفشل ، ولا زال لا يعرف هل يتحمل بنكيران مسؤولية الفشل وحده أم أن وراء ذلك مسكوت عنه لا يجرؤ أحد على الحديث عنه ؟ وكل ما يعرفه الرأي العام أن بنكيران اقترح تشكيل حكومة من الأحزاب التي كانت في الحكومة السابقة ، وأن الذين كانوا يفاوضونه في التشكيل رفضوا ذلك دون أن يعرف الرأي العام سبب رفضهم مع أنه يبدو غير مبرر لأن الذين رفضوا اقتراح بنكيران هم من كانوا في الحكومة السابقة . وإذا كانوا غير راضين عن تشكيلة الحكومة السابقة ،فلماذا ساهموا فيها من قبل ؟ أم أن هناك جهة أخرى لم تكن راضية عنها ولن ترضى عنها ؟ ومن حق الرأي العام أن يتساءل أيضا ما هو حجم الخسارة التي كان المغرب سيخسرها إذا لم يشارك الحزب الذي اشترط مفاوضو بنكيران مشاركته لتشكيل الحكومة ؟ ومن حق الرأي العام أيضا أن يتساءل عن حجم الانسجام الذي يمكن أن يوجد في تشكيلة حكومية فيها الإسلامي والليبرالي والاشتراكي والشيوعي مع ما بين هذه الإيديولوجيات من اختلافات وبعد وجهات النظر، ومع وجود صعوبة في التقريب بينها حين يتعلق الأمر بقرارات سينظر إليها كل طيف من زاوية رؤيته الإيديولوجية الخاصة . ومن حق الرأي العام أيضا أن يتساءل أليس في مثل هذا الخليط الشبيه بخليط الحساء المغربي ما يدل على وجود نية أو قرار بالحد من مفعول عناصر الخليط برمتها تماما كما يحدث عندما يتذوق شارب الحساء حساءه فلا يكاد يميز بين عناصره المخلوطة من دقيق ولحم وتوابل وبقول وماء وحشيش ... والمعروف والمعهود في كل حكومات العالم أنها تتميز بلون إيديولوجي واحد قد ينعت إما بيمين أو يسار وقد يوصفان بالتطرف أو الاعتدال . وتميز شعوب العالم بين أداء هذا الطيف أو ذاك حين يتولى تسيير شؤون البلاد . ومن المعلوم أيضا أن أكبر دول العالم لا نجد فيها إلا طيفين إيديولوجيين كبيرين يتنافسان على تسيير شؤون تلك الدول ، ويخوضان السباقات الانتخابية ، وإن وجدت أطياف أخرى فهي لا تكاد تعرف أو تؤثر . وهنا يحق للرأي العام الوطني أن يتساءل عن دلالة كثرة الأطياف الإيديولوجية عندنا ، وهل يحسب ذلك لنا أم علينا ؟ وهل تنبهنا نحن إلى امتياز فات الدول الكبرى أن تنتبه إليه ؟ ولماذا لا يوجد عندنا نحن أيضا طيفان إيديولوجيان فقط يتناوبان تدبير شأننا ويتنافسان في خدمة الوطن والشعب ، ويكون الحكم عليهما من خلال ما يقدمانه لا باعتبار لونهما الإيديولوجي . ألم يصوت الشعب التركي على حزب لونه الإيديولوجي مخالف لتوجه تركيا ومع ذلك حظي بالقبول باعتبار ما قدم وأنجز لا باعتبار إيديولوجيته؟ ومن حق الرأي العام الوطني أيضا أن يتساءل عن سبب وجود حساسية عندنا ضد طيف إيديولوجي دون طيف آخر ؟ ونعود إلى القول لقد ربح حزب بنكيران انتخابات السابع من أكتوبر لكنه كان هو الحزب الخاسر في نهاية المطاف حيث ضيّق عليه في قضية تشكيل الحكومة أو ضيّق على نفسه والله أعلم . ويتساءل الرأي العام الوطني أيضا ما الفرق بين إيديولوجيا حزب الجرار الذي رفض حزب المصباح إشراكه في تشكيل الحكومة ، وبين إيديولوجيا أحزاب الخليط الذي كان حزب المصباح يفاوضها لتشكيل الحكومة ؟ ألا يصح حين الحديث عن هذا الأمر المثل الشعبي القائل " الذئب هو الذئب ولو طبخ بالزبدة والزبيب" ؟ أليس الإيديولوجيا الليبرالية ذات طعم واحد وإن تنوعت صحونها؟وإذا كان لا بد من إشراك أصحاب هذه الإيديولوجيا في تشكيلة الحكومة، فما الفائدة في تقريب هذا وإبعاد ذاك ؟ لقد خسر بنكيران منصبه الحكومي وهو الرابح في الانتخابات وقد يخسر منصبه الحزبي لأن اللعبة الديمقراطية عندنا فيها من القواعد المضمرة ما لم يحط به علما أو ربما علمه ولم يطقه . و لا ندري هل سينجح خلفه الطبيب النفساني الخبير بالأمراض النفسية في التعامل مع مختلف النفسيات وفيها ذات العلل المزمنة بسبب إغراءات الحقائب الوزارية واللهث وراءها ؟ ولا ندري هل سينجح في استيعاب ما لم يستوعبه سلفه من قواعد اللعبة المضمرة ؟ ولاندري هل يخفي طبعه الهادىء المناقض لطبع سلفه الصاخب دهاء معاوية ؟ ولا ندري هل ستنفعه خبرته في الطب النفسي وهو الذي خبر كيفية اختراق نفسيات مرضاه والوصول إلى مكامن أسرارها في اختراق نفسيات من طبيعة أخرى غاية في التعقيد قد تكون مستعصية على الاختراق ؟ وقد يتساءل الرأي العام أيضا ماذا لو امتطى الطبيب النفساني الجرار، فحركه ليدوس بعجلاته العملاقة أماني الذين أطاحوا بزميله ؟ وهل سيقبل الجرار أن يدوسهم ؟ ذلك ما سيكشفه المستقبل القريب.
وسوم: العدد 712