لروحك يا أمي
لروحك السلام
عندما تزوج أبي من أمي لم أُدع على العرس، هذا طبيعي لأنني لم أكن قد ولدت بعد، ولكنني كنت دائماً أتساءل ما الذي جمع بينهما؟ أبي العامل الفقير وأمي الوفائية ذات النسب العريض الموصول حتى الحسين (ر) ؟
كانت أمي أول من خلع الملاءة وتحجب بالبرانيل موضة العصر. تعلمت العزف على العود وحاولت تعليم أختي. بعد الزواج خلعت رداء الرفاه وكرست نفسها لزوجها وتربية أولادها، وهي السبب الأول والأخير في متابعة تعليمنا أنا وأخي. كانت حمل كيس الطحين من المطحنة إلى الدار وهي حبلى، وعندما مرض أبي بذات الرئة ثلاث سنوات كانت تأتي بقصاصات ورق الشام الذي تلف به السجائر، تلصق القطعة بالقطعة حتى تصير ورقة ثم تنظم الأوراق في دفاتر وتبيعها في بسطتها في سوق الجمعة مع بعض أثاث البيت لتطعمنا وتداوي والدي.
كان أغلب طعامنا الفتّوش وهو شيء من الماء مع ملح الليمون والزيت والثوم نفت فيه الخبز ونأكل. ومرة في دار خالي الثري رأت أخي الذي يكبرني ينظر إلى أطباق الطعام بشهية فسحبته من يده جانباً وفركت أذنه بشدة وقالت: إياك أن تنظر إلى الطعام هكذا. نحن فقراء نأكل الفتوش لكننا أغنياء في أنفسنا وعند الله.
عندما سافرت إلى الجزائر للتعليم مرضَت حزناً وظلت تنازع الروح ثلاثة أيام ولا تنطق حتى قالت أختي: حرام عليكم، يكفيها عذاب، ضعوا قميص ابنها المسافر تحت وسادتها تشم رائحته وتموت في سلام.
أمي
أيتها الوفائية الوفية
يا عطر الجنة
لروحك السلام.
وسوم: العدد 712