شكرا أيها الأعداء
يبدو أن أوروبا قد سئمت من إخفاء وجهها العنصري القبيح، ونزعت عنها قناعها، وسقطت معه أكذوبة الديموقراطية الغربية، حين وطِئت شعارات التحضر والتمدن بالنعال.
المسيرة التركية المباركة التي تنساب في طريق النهوض رغم المعوقات والتحديات الضخمة، ربما كانت على موعد مع اللمسات الأخيرة التي تحدد معالمها المستقبلية، حيث يرتقب الأتراك والعرب بل والعالم كله، استفتاءات 16 أبريل/نيسان المقبل، حول حزم التعديلات الدستورية ، والتي بموجبها يتحول النظام البرلماني في تركيا إلى نظام رئاسي.
نعرف كما تعرف أوروبا أن النظام الرئاسي سوف تكون له آثاره الإيجابية على وحدة البلاد واستقرار الحياة السياسية فيها بعد إنهاء ازدواجية السلطة، وأنه سيكون ضربة موجهة لوصاية البرلمان، ومنع تحرك الحكومات المؤسسة تحت سيطرة البيروقراطية العسكرية والقضائية.
كما نعرف وتعرف أوروبا، أن التعديلات الدستورية الجديدة تعتبر تحولا ديموقراطيا هاما، حيث بموجبها توسع دائرة المساءلة تجاه رئيس الجمهورية بعد موافقة أغلبية البرلمان حال ارتكابه أي جريمة، متجاوزة الشكل الحالي الذي لا يسمح بمحاكمة الرئيس.
كما نعرف وتعرف أوروبا، أنه بموجب التعديلات الدستورية الجديدة، سيتم تعيين القضاة عن طريق البرلمان، وهو ما يعني القضاء على تسييس المجتمع القضائي الذي يخلق حالة من الاستقطاب.
أنْ تناهض أحزاب المعارضة التركية التعديلات الدستورية الجديدة فهو حق مكفول لها، أما أن تتدخل أوروبا بتلك الإجراءات المحمومة الفاشية في الشأن الداخلي التركي، فهو خرق للأعراف والمواثيق الدولية.
أوروبا التي تترنم بأنظمتها الديموقراطية، تخندقت مع الجبهات التي تؤرقها التعديلات المنتظرة، وتحارب كل الفعاليات التي يقوم بها النشطاء والمسؤولون الأتراك لحث الجاليات التركية في أوروبا للتصويت لصالح ذلك القرار المصيري.
بل فقدت دول أوروبا توازنها على الصعيد الدبلوماسي الرسمي، وقامت هولندا بمنع هبوط طائرة وزير الخارجية التركي على أراضيها، ومنعت مولود جاويش أوغلو، وكذلك وزيرة الأسرة والسياسات الاجتماعية فاطمة بتول صيان، من لقاء الجالية التركية في هولندا.
ألمانيا بدورها قامت بإلغاء تجمعات للأتراك المؤيدين للتعديلات الدستورية، في الوقت الذي تهاجم فيه برلين أوضاع حرية الصحافة في تركيا، في تناقض بيّن لسياسات ألمانيا تجاه الأتراك.
لكن أوروبا التي تمنع فعاليات تأييد التعديلات الدستورية، تظهر شكلا آخر من ألوان التناقض والكيل بمكيالين، حين تتيح إقامة الفعاليات لمعارضي التعديلات، وتفسح المجال لأتباع فتح الله جولن وحزب العمال الكردستاني للتعبير عن آرائهم.
لكننا مع ذلك نقول لأوروبا: شكرا.
شكرا، لأن فاشيتكم هذه سوف تزيد الشعب التركي إصرارا على الالتفاف حول قيادته لإكمال المسيرة.
باركتم العام المنصرم انقلابا فاشلا، خرجت منه تركيا شامخة، بعدما سطّر شعبها ملحمة أسطورية، وأحبط المؤامرة، وأظهر أنه شعب واعٍ يستفيد من التجارب، بل وأظهرت المعارضة نضجا غير مسبوق، عندما آثرت الاصطفاف مع حماة الديموقراطية، فخرجت الدولة حكومة وشعبا من هذه المحنة أكثر صلابة.
شكرا أوروبا، لأن الشعب التركي قد أدرك حجم التآمر عليه ومحاولة إعاقته عن إكمال المسيرة الخضراء، ووعى أن هويته الإسلامية هي سبب نقمتكم عليه، وأن تعسفكم طويل الأمد حيال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ليس له أسباب تبرره سوى أن تركيا دولة مسلمة، وهو ما ظهر في التصريح الفاشي النازي للسياسي الهولندي اليميني "فيلدرز"، الذي يُبدي نقمته على مؤيدي أردوغان قائلا: "إلى كل الأتراك في هولندا المتفقين مع أردوغان: اذهبوا إلى تركيا ولا تعودوا مطلقا".
شكرا أوروبا، لأن هذه الخطوات المستبدة العنصرية، سوف تستخرج من الشعب التركي أنفته العثمانية وهو يرى أمواج العداء الزاحفة من الشرق والغرب، لتعيد إلى عقليته صورة الصراع الحضاري، فتثبت قدمه عندما يعلم أن قيادته قد وضعته على الطريق الصحيح.
مسلسل قيامة أرطغرل الذي أصبح حديث العالم العربي والإسلامي، والذي يمثل أحد مظاهر القوة الناعمة التركية المؤثرة، لم يعرض في تلك الفترة جزافا، فهو يجسد حالة العداء والتآمر في المنطقة على المحاولات الجادة لوضع أسس الدولة العثمانية الفتية، في إسقاط حقيقي على الواقع التركي الحالي، حيث توضع أسس بناء تركيا الجديدة، التي تأخذ مكانها بين الأمم بالتوازي مع الحفاظ على هويتها وتراثها.
شكرا أوروبا لأن هذه الإجراءات التعسفية وهذا العداء الظاهر لتركيا، سوف يزيد من ارتباط العالم الإسلامي والعربي بالأتراك، ونعلم يقينا أن التقارب التركي الخليجي الحالي الذي دخل في مرحلة النضج قد أثار حنقكم تجاه هذه الدولة التي ترتاد موقعا قويا في المنطقة بل وفي العالم كله.
ردّ الحكومة التركية على هذه الممارسات بإغلاق السفارة الهولندية، أثلج الصدور، لكن الرد الحقيقي الذي يقصف ظهر العنت الأوروبي، سوف يكون عبر الصناديق التي سيودع فيها الأتراك قناعاتهم الواعية.
فشكرا أوروبا..شكرا أيها الأعداء
وسوم: العدد 712