القوميون الأكراد، والرقصُ على رؤوس الثعابين

منذُ رفض الأتراك ( معاهدة سيفر )، أبرموها مع دول الحلفاء في: 10/ 8/ 1920، ( و كان فيها بارقة أمل للأكراد برسم حدود دولتهم )، و استبدالها بمعاهدة ( لوزان 2 )في: 24/ 7/ 1923، ما فتأ الكُرد في لمّ شملهم، الذي توزع على أربعة دول ( مرتبة تنازليًا بحسب عددهم ): إيران، تركيا، العراق، سورية.

و هو مطلبٌ مشروع لهم، بعد أن علا شأنُ النبرة القومية في دول المنطقة، عقب انهيار الدولة العثمانية، ككيان جامع للمسلمين على اختلاف أعراقهم.

و من يومها بدأت رحلة تجسيد الحلم، ولَكَمْ كانَ قريب المنال، عندما قامت جمهورية ( مهاباد )، في أقصى شمال غرب إيران، في:1946م، بدعم من جوزيف ستالين الذي توغلت قواته في الأراضي الإيرانية، بذريعة أنّ شاه إيران رضا بهلوي، كان متعاطفًا مع أدولف هتلر.

إلاَّ الأمر لم يدم طويلاً، حيث قامت الولايات المتحدة تحت إلحاح الشاه محمد رضا بهلوي، بالضغط على الاتحاد السوفييتي للانسحاب و ترك الأكراد لقدرهم، فقامت الحكومة الإيرانية بإسقاطها بعد (11 شهرًا ) من إعلانها، و تمّ إعدام رئيسها ( قاضي محمد ) في: 31/ 3/ 1947، في ساحة عامة في مدينة مهاباد، و انسحب رئيس أركان جيشها ( الملا مصطفى البارزاني ) مع مجموعة من مقاتليه، إلى الحدود الأذربيجانية السوفييتية، و بقوا هناك عشر سنوات.

لم تَلِن للكرد قناةٌ، و ما فتئوا يسعون لإحيائها ثانية، و كانت أقرب الفرص لهم في ذلك، عندما تدرّجوا من الحكم الذاتي في العراق عقب اتفاقية: 11 آذار/ 1970 م، وصولاً إلى ما يشبه الدولة، بعد الاحتلال الأمريكي في نيسان: 2003م.

و قريبٌ منه في تركيا عقب وصول حزب العدالة و التنمية، في ( 2002م )، بعد سلسلة مفاوضات بينهم و بين الحكومة في ألمانيا، قادها حقان فيدال ( رئيس جهاز مخابراتها:كردي الأصل ).

و هو مالم يكن لهم في سورية، أو إيران، اللتين تعاملتا مع هذا الملف بكثير من العسف و الجور؛ الأمرُ الذي عزَّز لديهم كثيرًا من المشاعر القومية، وصولاً إلى حدّ الشوفينية، و هو ما لم تُعرْهُ الحكومات ذات النزعة القومية في كلتا الدولتين اهتمامًا.

حينما قامت الثورة الشعبية في سورية، في: آذار/ 2011، لم يكن الأكراد متأخرين عن اللحاق بها، و كان لهم نصيب من المشاركة و التمثيل في الكيانات التي انبثقت عن هذا الحراك في الداخل و الخارج، و قدموا كثيرًا من التضحيات، و المعتقلين بالكثير من شبابهم، و سجلوا نسبًا في النزوح و اللجوء لاحقًا.

غير أنّ الذي استوقف المراقبين في أثناء ذلك أمران:

1ـ إمساكُ الأحزاب الشوفينية لديهم بمقاليد الأمور، و تحديدًا المرتبطين عضويًا بحزب العمال التركي الكردستاني، الموالي نظامَ الأسد؛ ممّا جعلهم يبتعدون عن تطلعات السوريين، و يلتقون معه في كثير من سياساته، لدرجة أنّ وتيرة التنسيق بينهما كانت أقرب إلى التماهي.

و قد التقيا في مواجهة الفصائل المسلحة، و تبادلا المعلومات و الخنادق، حيثما وجدا مصلحة في أكثر من مرة، و مكان.

و كانت معركة حلب الأخيرة، أبرز تلك التفاهمات، حيث كان لمسلحي الاتحاد الديمقراطي دور كبير في مجابهة مسلحي المعارضة، و إخراجهم منها بهزيمة نكراء.

و ضمن ذلك تأتي تصريحات ( طلال سلُّو ) الناطق باسم قوات سورية الديمقراطية، قبل أيام: بأنّه لا مانع من التنسيق مع النظام في معركة الرقة، على غرار ما كان بينهما في قرى ريف شرق حلب، التي كانت داعش تفضّل تسليمها لهما، عوضًا عن سيطرة فصائل الجيش الحر المدعوم تركيًا.

و من قبل ذلك ما كان بينهما حين فكّ الحصار عن حلب بمساعدة الروس، و من ثَمَّ التمدّد نحو القرى العربية في شمالها الغربي، و استباحتها و تشريد أهلها، و تَكْرِيدِها، و هو ما تكرّر في كل القرى العربية التي دخلوها في عموم المحافظات، و كان أقساها على النفوس مشهد التمثيل بجثث أبنائها في شوارع عفرين.

و لم يكن إخوانهم الكرد بمنجى منهم؛ حيث قامت الأسايش مؤخرًا بإغلاق مكاتب أحزاب المجلس الوطني الكردي، و محلياته، في معظم مدن و بلدات كردستان سورية. 

2ـ الشروعُ في إقامة تحالفات مع الدول النافذة في الملف السوريّ، بشكل يستدعي كثيرًا من علامات الاستفهام و التعجُّب، فلم يبقَ عَلَمٌ لها إلاّ و رفعوه فوق مبانيهم، و لم يبق مسؤول: إيرانيّ، أو روسيّ، أو أمريكيّ، إلاّ و التقطوا معه الصور التذكارية، و لم يدّخروا جهدًا في فتح مناطقهم لتلك الدول لإقامة قواعد ثابتة و متنقلة، على اختلاف أنواعها ( جوية أو برية )، من عامودا، إلى عفرين، مرورًا بعين العرب.

غير آبهين بأنّهم في ذلك يتباينون كثيرًا عن تطلّعات السوريين، و يقترفون ذات الخطيئة، التي أحاطت بالزعيم اليمني ( علي عبد الله صالح )، الذي طالما تباهى في سنوات حكمه، بالرقص على رؤوس الثعابين.

وسوم: العدد 713