ظاهر وباطن وغلاة
عجبت لعجمة اولئك الذين تجافت بهم عقولهم عن تنوّر علوم اعلام الهدى من آل بيت سيدنا المصطفى, كيف ذهبوا في الغلو مذاهب شتى طوّحت بهم بعيداً عن دين الله!
عجبت لرجل يزعم أنه مسلم ثم يقول في الائمة الاخيار انهم يعلمون الغيب او يقول بألوهيتهم كما فعل ابو الخطاب محمد بن ابي زينب, وكما لا يزال يفعل كثير من الرافضة!!
إن هؤلاء – في حقيقتهم – هم الصادّون عن آل البيت الكاذبون عليهم, وما ارادوا مما وصفوهم به الا تكذيباً لهم وابعاداً للناس عنهم, لأنهم اذا ادّعوا معرفتهم بالغيب فلم ير الناس ذلك وما وجدوه عندهم لم يروا انهم ائمة, وذلك هو مقصد اولئك الغلاة الذين ربما احفظهم ان يكون من سلالة النبي العربي أئمة يحفظون ميراثه ويهتدون بهديه.
ونقرأ في كتب التاريخ ان الامام جعفر الصادق بلغه ما قاله فيه ابو الخطاب آنف الذكر فقال صاحبه المفضل بن عمرو: «أي مفضّل.. زعم هذا الكافر الكذّاب أني اعلم الغيب, سبحان الله ولا اله الا هو, ربي ورب آبائي الذي خلقنا, وهو الذي اعطانا وخوّلنا, فنحن اعلام الهدى والحجّة العظمى.. أخرج الى هؤلاء – يعني اصحاب أبي الخطاب فقل لهم: إنا خلائق مخلوقون وعباد مربوبون».
ونقرأ في كتاب «المجالس والمسايرات» للقاضي النعمان بن محمد (توفي سنة 363 للهجرة) ان الغيب الذي قال فيه جل جلاله: «قل لا يعلم من في السماوات والارض الغيب الا الله» هو ما لا يعلمه الا هو كما قال سبحانه وتعالى.. أما قد يتوهمه الناس غيوباً من علم الائمة فهو ما غاب عن الناس من العلم الذي شرقوا به من ميراث جدّهم رسول الله, وما استحفظوه منه بفضل من رب العالمين.
ولعل أشدّ ما تداعى من غلو المغالين، وما تولّد من تنكبهم لادب اصحاب «النمرقة الوسطى» الذي تحدر اليهم من جدهم–عليه صلوات الله وسلامه - القائل: «أدّبني ربي فأحسن تأديبي»، ما كان من اولئك الذين قالوا بالباطن ودفعوا الظاهر وانكروه، فقد بلغ الامر بهم ان تركوا ظاهر شريعة الاسلام وأباحوا المحارم، والتَوَتْ بهم ضلالتهم كل التواء، وعجزوا عن ان يفهموا انه اذا لم يثبت ظاهر–كما يقول القاضي النعمان - فلماذا يكون الباطن، وكذلك اذا لم يكن باطن فلا ظاهر اذن، وإنما يصح كل واحد منهما ويقوم باثبات الآخر.
ولعل بنا ان نقول هنا انه اذا كان الاسلام ظاهر الشريعة فان الايمان حقيقتها وباطنها، ولكن باطنية الغلاة اتخذوا اللبس طريقا الى استبقاء اثارة من عقائد بائدة دفعها نور الاسلام عن العقول والقلوب، واستبطنوها، ثم جعلوها لغة سرية تستهدف حرب الدين الذي شرف العرب بحمل رسالته في العالمين.
ولقد يكون هذا كله موضعا لدرس تاريخي نفيد منه عبرة ثم نمضي الى اهدافنا بصفة كوننا امة ذات دين تنزل رحمة للعالمين، لولا ان ثمة من يريد استبقاء دواعي الفتن فينا، ويظاهر القوى الاستعمارية المتربصة بنا، ولا يجد مرتعا له إلا في مثل هذه الضلالات التي يتخذ لها جُنّة حب آل بيت رسول الله الكرام، على حين يضمر الحقد عليهم وعلى كل عربي يقول لا إله إلا الله.
وسوم: العدد 713