جاهلية القرن الواحد والعشرين!
قال النبي - صلى الله عليه وسلم، لأبي ذر – رضي الله عنه: "يا أبا ذر أعيّرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية،... الحديث" المعايرة خروج على مفاهيم الإسلام وقيمه واقتضت من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم - أن يصف أبا ذر وهو الصحابي الجليل صاحب المكان والمكانة بأنه امرؤ فيه جاهلية . أي فيه أخلاق لا تمت للإسلام بصلة ، ومنها المعايرة!
حين صدر كتاب محمد قطب رحمه الله "جاهلية القرن العشرين" ثار خدام البكباشي وشماشرجيته، واتهموا محمد قطب بأنه يكفّر المسلمين والمجتمع، دون أن يقرءوا كلمة واحدة في الكتاب؛ سابق عصره. كان محمد قطب يقصد جاهلية التقدم المادي المفتون بقوته، المزهو بما وصل إليه من آفاق! جاهلية الكيد المنظم المدروس المخطط الموجه لتدمير البشرية.. على أسس علمية! جاهلية لا مثيل لها في التاريخ .. ترى لو رأي جاهلية القرن الواحد والعشرين؛ ماذا سيقول؟
إنه يعرّف الجاهلية – وفقا لما وضّحه القرآن وحدده - بأنها حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدى الله، ووضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله: "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ". هي إذن مقابل معرفة الله، والاهتداء بهدى الله، والحكم بما أنزل الله... وليست مقابل ما يسمى العلم والحضارة المادية ووفرة الإنتاج!
وبناء على هذا التعريف والفهم نقول لخدام السلاطين والشماشرجية الذين يبلعون ألسنتهم أمام الحق، ولا يخرجونها إلا مع الباطل والظلم والطغيان، ولا تسمع آذانهم صراخ الضحايا في القرن الواحد والعشرين، ولا ترى عيونهم تجليات الجاهلية الراهنة التي يعيشها الخونة المجرمون في حق الإسلام والمسلمين، وسادتهم في الغرب الصليبي الهمجي الذي يملك العلم والمعرفة والتقنية والتقدم العسكري والمدني جميعا. نقدم فيما يلي بعض التجليات الراهنة التي تتواضع إزاءها الجاهلية الأولي:
أولا - قام المقاتلون التابعون للعسكري الانقلابي الخائن حفتر بتاريخ 18/3/2017 بدخول منطقة قنفودة غرب بنغازي، حيث كان يتحصن مقاتلو مجلس شورى ثوار بنغازي في آخر مواقعهم مع مدنيين عالقين، فأخذوا المدنيين الأبرياء وأعدموهم في الشوارع والكاميرات تصور. ونبشوا القبور ومثلوا بالجثث. وكان أبشع ما فعلوه نبش قبر جثة القائد العسكري البارز بمجلس الثوار جلال المخزوم الذي دفن منذ نحو ستة أيام بعد وفاته متأثرا بجراحه. لقد وضع الأوغاد المتوحشون جثة المخزوم على سيارة وتجولوا بها في بنغازي وسط حالة من هستيريا الفرح وإطلاق الرصاص والصراخ والسب والشتم والبصاق عليها. ولم يكتف الأوغاد المتوحشون بذلك بل قاموا عقب التجول بالجثة في أرجاء واسعة من بنغازي بشنقها أمام معسكر قوات الصاعقة تشفيا في صاحبها. هل كانت الجاهلية الأولى تفعل ذلك؟ أفيدونا يا خدام السلاطين الذين صمتم على هذه الجريمة الوحشية ولم تنطقوا، ولكنكم لا تتوقفون عن النفخ في الحوادث الملفقة والتشهير بأصحابها أياما وليالي.
هل يجدي الاستنكار الخافت لبعض جماعات حقوق الإنسان وما يسمى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني أو دعوته لتقديم الجناة إلى المحكمة الجنائية الدولية بينما قائدهم المجرم حفتر يتمتع بالحصانة والدعم من أسياده وأشباهه القتلة؟
ثانيا – الأستاذ محمد مهدي عاكف (88سنة) يعاني في معتقله من أمراض مزمنة عديدة، انتشرت خلايا السرطان مؤخرا في جسده، ولكن العسكر لا يسعفونه، ولا يطلقون سراحه، مع أنهم واثقون أنه بريء ورحيله إلى الآخرة أصبح وشيكا. فهل هذا من طبائع الإنسانية فضلا عن أخلاق الإنسانية؟ لقد كان فرسان الجاهلية الأولى لا ينقضون على الخصم إذا سقط سيفه، ولكن فرسان القرن الواحد والعشرين ينتقمون بمنتهى الفجور من شيخ مهيض الجناح على حافة الآخرة، ويقتلونه ببطء.
زد على ذلك ما يلاقيه أشباه عاكف كبار السن والمرضى بأمراض مزمنة من معاناة المرض والألآم، وإهمال فرسان الأيام (البيضاء) التي تعيشها الأمة!
إن من سرقوا مئات الأطنان من القمح وقوت الشعب مثلا، لا يخدش أحد سمعهم بكلمة خشنة ويُسمح لهم بدفع ثمن بخس لما سرقوه، ولا يبيتون ليلة في التخشيبة؟!
ثالثا - قالت مصادر داخل التحالف الوطني لدعم الشرعية بمصر إنها وثقت 54 حالة اغتصاب لفتيات داخل مقار الاحتجاز، وأكدت أن بعضهن حملن نتيجة ذلك وأضافت مصادر تحالف دعم الشرعية- التي فضلت عدم الكشف عن هويتها- أن لجان الاستماع التي شكلها التحالف في فبراير، ومارس2017 وثّقت حدوث حالات الاغتصاب داخل مقار الاحتجاز المختلفة، بينها مراكز شرطة وسجون وسيارات ترحيلات ومدرعات شرطة وبعضها في أماكن مجهولة. وأن بعض الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب أصبحن حوامل نتيجة هذا الاغتصاب وتم إجهاضهن، إلا أن أخريات لم يقع إجهاضهن حيث كان يشكل خطرا على حياتهن، وهن الآن في الشهر السابع أو الثامن من الحمل. وأشارت إلى أن هناك حالتين تم اغتصابهما أكثر من 14 مرة في يوم واحد داخل معسكر للأمن المركزي, في حين ظلت إحدى المعتقلات تعاني الاغتصاب يوميا لمدة أسبوع داخل أحد مراكز الشرطة.
وقد أكدت عضو "الائتلاف الأوروبي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان" داليا أحمد تعرض المعتقلات للاغتصاب الجماعي في مقار أمنية. وقالت إنه جرى توثيق عدد من الانتهاكات وحالات الاغتصاب، حيث تم تعليق إحدى المعتقلات عارية وتحرش بها كل رجال الشرطة داخل المركز الأمني، في حين تم إجبار بعضهن على مشاهدة فيديوهات إباحية! فهل كان ذلك يحدث في الجاهلية الأولى؟ وما رأي أبواق السلطة الانقلابية والكنيسة المتمردة واللحى الخائنة والمجلس القومي للمرأة؟
في ليلة الهجرة النبوية قال الشباب المتربصون لأبي جهل : يا أبا الحكم, هل نحن قاتلون محمداً؟ قال: نعم، قالوا: فلم الانتظارُ حتى الصّباح, لم لا نتسوّر عليه وندخل البيت ونقتله ونستريح؟ فقال أبو جهل: وتقول العرب أن أبا الحكم قد روّع بنات محمد في بيتهن؟! إنّه لسبَّةٌ في العرب أن يُتحدَّث أنا تسوَّرنا علي بنات العمّ وهتكنا الحرمة, لا واللّاتِ لا تفعلوا ..!
هذا هو أبو جهل زعيم الجاهلية الأولى يأبي أن يروع بنات محمد، ترى لو عاش حتى يومنا وسمع ورأى الترويع والاغتصابات الجماعية والفردية المتكررة ومسح بلاط السجن بأجساد المعتقلات والمغتصبات ماذا كان سيقول؟ لاريب أنه سيعلن أن الجاهلية الأولى أكثر شرفا ومروءة من جاهلية القرن الواحد والعشرين!
رابعا – ما يفعله بشار الأسد وشيعة العراق وإيران وحزب الله والحوثيون وعلى صالح وعسكر الجزائر لا يقل إجراما وجاهلية عما يفعله العسكر الآخرون!
الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 713