مظاهرة معارضة زمن الاحتلال الفرنسي لسورية

وفد معارضة سورية، بالأمس، بين: الاحتلال ، والمظاهرات، وأبي جرَيج الخمّار! واليوم، بين: ماذا.. و.. مَن !؟ 

 خرجت مظاهرة، في حلب، أيّام الاحتلال الفرنسي، لسورية ، تندّد بالاحتلال، وتطالب برحيله! واندفع المتظاهرون، إلى باب الفرَج ، أشهر أحياء حلب ، باتجاه المكتبة الوطنية ، التي كان المسؤول الفرنسي موجوداً فيها ، مع المحافظ ، وقيادة المدينة .

 ومرّت المظاهرة ، من أمام خمّارة أبي جريج الصغيرة ، في رأس المثلث ، المقابل لدار الكتب الوطنية . وفي ذلك الوقت ، خرج من الخمّارة ، رجل في منتصف العمر، يرتدي بدلة ثمينة ، وتبدو عليه سيماء الوجاهة ! فرآه بعض المتظاهرين ، وجرّوه ، من يده ، إلى المشاركة في المظاهرة . فسار معهم، والتفت إليه بعض قادة المظاهرة، فقدّموه فيها، ثمّ رفعوه على الأكتاف، وهم يهتفون بالشعارات المناهضة للاحتلال..حتى وصلت المظاهرة، إلى مبنى المكتبة الوطنية، فخرج المسؤول الفرنسي والمحافظ، إلى الشرفة، بعد أن سمعوا أصوات المتظاهرين، في الخارج !  

وطلب الفرنسي ، من المحافظ ، أن يسأل المتظاهرين ، عن طلباتهم ، ويشكّلوا وفدا لتقديمها، فقدّموا الرجل الوجيه ، ليتحدّث باسمهم ، ويعرض طلباتهم ، على المسؤولين ! 

 وحين دخل المكتبة ، رحّب به المحافظ والفرنسي ، وأجلساه في الصدر، وسألاه عن مطالب المتظاهرين .. فعدّل طربوشه الأحمر، ومصمص شفتيه ، اللتين مازال يحس بطعم الخمرة فيهما ، وقال بلهجة  ، تظهر فيها آثار السكر : هذا الخمّار أبو جريج، قليل وجدان ، يأخذ ثمن بطحة العرق ، نصف ليرة سورية ، ولا يقدّم معها ، شيئاً من المازة : لا حبّة فستق ، ولا قطعة مخلل ، ولا أيّ شيء ! الله يخرب بيته ، أحرق بطوننا بالعرق !

 تبادل الرجال النظرات ، فيما بينهم ، وسأله المحافظ :

هل تحلّ المشكلة ، وتلبّى مطالب المتظاهرين ، لو قدّم أبو جريج ، بعض المازة !؟ 

قال الوجيه : نعم ، تحلّ المشكلة .

فوعده المحافظ بتحقيق رغبته ، و طلب منه ، أن يخرج إلى الشرفة ، ويخبر المتظاهرين ، بأن طلباتهم قد تمّت تلبيتها! فخرج، وأخبرهم بذلك، وطلب منهم، أن يعودوا إلى بيوتهم. وهكذا كان!

فماذا لُبّي، من مطالب الشعب السوري، اليوم، عبر مفاوضيه الوجهاء ، في جنيف، وغيرها؟

وغنيّ عن البيان ، أن المعارضات تختلف: قوّة وضعفاً، ونباهة وغفلة ، في القديم والحديث! وما ذكرناه، هنا، إنما هو موازنة ، بين حالة قديمة محدّدة، وحالة جديثة محدّدة، دون تعميم ، ودون التعرض للأشخاص ، المشاركين في الوفود ، المتفاوتين : وعياً وإخلاصاً !

وسوم: العدد 713